مشروع المطابخ الشمسية ساهم في تقوية مدارك الساكنة القروية بأهمية الطاقات المتجددة وفي اقتصاد الأسر في استهلاك غاز البوطان أناط المشرع المغربي بالمجتمع المدني أدوارا مهمة في الدستور الجديد الذي أقره المغاربة والذي جاء عقب الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفته بلادنا في ربيع السنة الماضية. هذه المكانة التي أصبحت للمجتمع المدني في مغرب ما بعد دستور 2011 الذي أقر في فصله 12 على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية تضطلع بالمساهمة في إعداد القرارات والمشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا تفعيلها وتقييمها وفرض على هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة. هذه المكانة الاعتبارية التي بات يحتلها المجتمع المدني في أسمى نص قانوني في البلاد لم تكن لتتأتى له لولا العمل الجبار الذي أصبح يضطلع به منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي ، حيث أصبح له دور محوري في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والتنموية المحلية والجهوية والوطنية وأطر لمفاهيم أساسية في تعزيز المسار الديمقراطي في البلاد من قبيل مفهوم الديمقراطية التشاركية باعتبارها مكملا جوهريا للديمقراطية التمثيلية وليست بديلا عنها. جمعية تنمية عالم الأرياف التي تأسست في نهاية تسعينيات القرن الماضي هي واحدة من جمعيات المجتمع المدني التي بصمت مسارها الجمعوي بتراكمات مهمة في مجالات مختلفة ذات الصلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية وأضحت الآن بفضل ثلة من المناضلين والمناضلات رقما حقيقيا في معادلات العمل الميداني إلى جانب ساكنة العالم القروي والمناطق النائية. في بداية اشتغالها، اضطلعت جمعية تنمية عالم الأرياف بمهمة حيوية في المجال الاجتماعي وهي محاربة الأمية بالنظر إلى ما تمثله هذه الآفة المجتمعية من تحد للدولة والمجتمع وأيضا باعتبارها عائقا حقيقيا لكل مجهود تنموي وهي أحد الأسباب الرئيسية في احتلال المغرب لمراتب متأخرة في سلم التنمية البشرية، قبل أن تضطلع هذه الجمعية بمهمة فك العزلة عن ساكنة العالم القروي والمساهمة في إنجاز مشاريع تنموية لفائدة المرأة والشباب. جمعية تنمية عالم الأرياف التي تعني حروفها الأولى باللغة الفرنسية ADMR» أدمر» وهي كلمة في منطوقها العربي تشكل مبعث تفائل بالنسبة لاسماعيل العلوي بالنظر إلى الخلفية الثقافية والاجتماعية لكلمة «أدمر» في ذهنية المواطن المغربي بما أنها تفيد العمل الشاق والمضني الذي يضفى نوع من الراحة على صاحبه بعد تحقيق نتائج إيجابية لهذا العمل، يقول اسماعيل العلوي الرئيس المؤسس لجمعية تنمية عالم الأرياف سنة 1997 أي بداية بروز المجتمع المدني كقوة اقتراحية وكقوة ميدانية تشتغل في مجالات التنمية المستدامة. كان مجال اشتغال جمعية تنمية عالم الأرياف في البداية منحصرا في محاربة الأمية، يقول اسماعيل العلوي في لقاء مع بيان اليوم، حيث قامت بعمل جبار في هذا المجال في العديد من الاقليم كالرشيدية والخميسات وسيدي سليمان والقنيطرة... ليتوسع نشاطها في مرحلة لاحقة ليشمل مجالات أخرى، تتمحور بالأساس في فك العزلة على المواطنين بالعالم القروي في المناطق الجبلية على وجه الخصوص. وفي هذا الإطار، يضيف رئيس «أدمر»، أضطلع مناضلو الجمعية ضمنهم مجموعة من الأطر المتقاعدين في السكك الحديدية كمحمد مشارك والحاج إبراهيم وهو مواطن مغربي مقيم في الخارج الذي التحق بالجمعية فيما بعد، وضع خبرته رهن إشارة الجمعية بعمل ميداني مهم ساهم في التخفيف من معاناة ساكنة الدواوير والقرى المعزولة. هؤلاء الأطر الذين يتوفرون على خبرة عالية في بناء قناطر صغيرة متينة ومشيدة وفق معايير تقنية عالية، وضعوا هذه الخبرة رهن إشارة الجمعية بالإضافة إلى المساعدة التي يقدمها المكتب الوطني للسكك الحديدية للجمعية والذي رحب بالفكرة وبالعمل الذي تقوم به الجمعية ووضع رهن إشارتها السبائك الحديدية التي لم تعد صالحة لسكة القطار، ونفس الشيء بالنسبة لمؤسسة مناجم خاصة المقاولة المكلفة بمنجم كماسة والتي تكلفت بنقل السبائك إلى الأودية والأخناق الموجودة داخل الأطلس الكبير المتوسط ، وكل هذا لم يكن ممكنا ،يضيف اسماعيل العلوي، لولا حسن استعداد وتعاون السيد عامل عمالة الحوز الذي شجع العمل الذي تقوم به الجمعية وقدم لها الدعم المادي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تمويل بناء هذه الجسور. وبدورهم، قام سكان المناطق المستفيدة بدور محوري في إنجاز هذه المشاريع حيث ابانوا عن إدراكهم ووعيهم بأهمية العمل الذي تقوم به جميعة تنمية عالم الأرياف وبأهمية فك العزلة عن الساكنة هناك، ولم يبخلوا بالجهد والمال للمساعدة في بناء هذه الجسور بالنظر إلى الدور الذي تلعبه في تنمية هذه المناطق وفك العزلة عن ساكنتها ووقايتهم من الفيضانات وضمان وصول التلاميذ إلى مدارسهم. وقد بلغ عدد الجسور التي أنشأتها الجمعية حسب رئيسها اسماعيل العلوي 11 حوالي جسرا في إقليمالحوز، بالإضافة إلى قنطرتين بإقليم أزيلال وقنطرة واحدة بإقليم شياشاوة وقنطرة أخرى هي قيد الإنجاز بالإضافة إلى قنطرة واحدة بإقليم بولمان. وأكد اسماعيل العلوي أن هذه الإنجازات تضاهي من حيث جودتها ومتانتها ما ينجز في مستويات أخرى، فالحديث عن إنشاء قنطرة لا يقف عند هذا الحد بل يتبعه عمل آخر متمثل في تهيئ المسالك التي تمر منها الشاحنات والمواطنين والماشية، مشيرا إلى أن الجمعية مستمرة بإصرار في الاشتغال على هذه الواجهة الأساسية والحيوية لكنها في حاجة إلى دعم كافي لكل الجسور المبرمجة. وعلى العموم، فإن حصيلة جمعية تنمية عالم الأرياف في مجال فك العزلة عن الدواوير بالعالم القروية كانت حصيلة إيجابية وأن المناطق التي شملتها هذه القناطر والجسور، حيث بلغ عدد القناطر المنجزة 10 قناطر في كل من دادس وويركان وإشمران وتاوريرت وزرقطن وزاوية بوحيطا وأبادو وتاغروت بالإضافة إلى 10 كيلومترات من المسالك كما أن هناك الآن أربعة قناطر في طور الإنجاز في كل من تازارت وأيت عقا وأسيف المال والواد لخضر كما تم الانتهاء من دراسة 20 قنطرة بمناطق جبلية وقروية وهناك 9 طالبات لبناء جسور إضافية. ولم يخف اسماعيل العلوي بعض الصعوبات التي تعترض مثل هذا العمل الجماعي والجمعوي الجاد سواء من قبل بعض المسؤولين أو بعض المواطنين أنفسهم الذين لا يقدرون أهمية بناء هذه الجسور في تجويد الحياة بالمناطق القروية والجبلية، وأعطى مثال بإقليم تنغير حيث أقدم أحد الأشخاص على التعرض على بناء قنطرة بواسطة المحكمة الجماعية بمجرد أن القنطرة التي تهم ساكنة جماعة أيت سدرات تمر بالقرب من بيته ومع الأسف أن صاحب هذا الاعتراض وجد قضاة حكموا لصالحه ب 30 ألف درهم دون أن ينتبه هؤلاء القضاة أن المعني بالأمر يحتل المجال العمومي في الواد، كما لم ينتبهوا أن فك العزلة عن ساكنة هذه الجماعة التي تعاني من غياب ممر خاصة في فترة الفيضانات ، هو حق وواجب على الدولة ويندرج ضمن مفهوم المصلحة العامة. تجربة أخرى رائدة تشتغل عليها الجمعية حاليا وهي انجاز مشروع لترميم وإعادة تأهيل قرية أزرو قرب تحناوت إقليمالحوز بدعم من التعاضدية الفلاحية التي تبنت المشروع الذي سيعيد الحياة لهذه القرية التاريخية التي يوجد بها مسجد وزاوية يعودان إلى العهد الموحدي. ويقوم هذا المشروع وفق ما شرحه اسماعيل العلوي، على ترميم الدور الآيلة للسقوط ومساعدة الساكنة على إحياء بعض الأنشطة التقليدية التي ستمكن من استقطاب السياح للمساهمة في تنمية هذه القرية التي توجد بها كذلك مقبرة يهودية قديمة يتردد عليها السياح من ديانة يهودية. وضمن مجال اشتغال جمعية تنمية عالم الأرياف، عملت الجمعية منذ تأسيسها على تأهيل سكان الأرياف عن طريق محو الأمية والتحسيس وإدماج المرأة القروية وتشجيع التمدرس وتنظيم أيام ولقاءات تكوينية لفائدة الفلاحين وأبنائهم من الشباب والمرأة القروي، حيث تم في هذا الإطار إنجاز 15 حجرة لمحاربة الأمية استفاد منها قرابة 300 شاب قروي، كما تمت إعادة بناء مدرسة تضررت من زلزال الحسيمة وتهيئ مكتبة متعددة الوسائط بإحدى المدارس بنفس الإقليم. كما نظمت يوم تكويني بعين الدفالي لفائدة 100 فلاح بهدف تمكنيهم من التقنيات الجديدة في غرس الزياتين واعتماد معايير الجودة بالنسبة لمنتجاتهم، بالإضافة إلى يوم دراسي حول قطاع الزيتون الواقع والأفاق بإقليم تحناوت، وتكوين 23 مربية في التعليم الأولي بإقليم بنفس الإقليم. كما تم تنظيم يومين دراسيين الأول في دمنات والثاني بمراكش حول موضوع التنمية في المناطق الجبلية، لفائدة طلبة كلية العلوم الانسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش والجمعيات المحلية. واستفاد 15 من التقنيين العاملين بالجماعات القروية بإقليمالحوز من تكوين لمدة 12 أسبوعا للرفع من مستواهم التقني والمعرفي ولتمكينهم من القدرة على انجاز مشاريع التنمية القروية وتعويدهم على المسح الطبوغرافي وعلى الأنظمة المعلوماتية، وكانت الغاية من هذا التكوين بالنسبة لجميعة تنمية عالم الأرياف هو أن يتملك هؤلاء المستفيدين من تقنية انجاز الدراسات وتتبع مشاريع فك العزل على الدواوير التي تدخل في النطاق الترابي لجماعاتهم. وبجهة الغرب الشراردة بني أحسن، قامت الجمعية بعمل جبار في مجال محاربة الأمية حيث استفادت من برامج الجمعية 520 امرأة بخمس جماعات قروية وينجز هذا البرنامج الذي تشرف عليه الأستاذة نادية التهامي ، في إطار شراكة مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. وفي سياق ذي صلة، عملت الجمعية على توزيع سيارتين للإسعاف بجماعة حد كورت وتوزيع الحقائب المدرسية لفائدة 320 تلميذ وتلميذة بجماعة النويرات ومشرع بلقصيري. وفي نفس الجهة، ساهمت جمعية «أدمر» في تقديم مساعدات لضحايا الفياضنات التي ضربت الجهة سنة 2009 و 2010 حيث تم توزيع مجموعة من الأغطية والألبسة على الساكنة المتضررة بالإضافة إلى تنظيم 9 قافلات طبية وسبع قافلات للتحسيس والتوعية. وحرصت الجمعية على انجاز مجموعة من المشاريع المدرة بشراكة مع جمعية إسبانية (الخارج 21) وبدعم من الهيئة الإسبانية للتعاون الدولي حيث ساهمت هذه الأطراف في التكوين وتزويد الجمعية بمجموعة من التجهيزات والمواد الأولية في مجال تعليم الطرازة والخياطة. كما ساعدت في إنجاز مشروع رائد في مجال الطاقات المتجددة وهو مشروع المطابخ الشمسية التي تعتمد فقط على أشعة الشمس لطهي مختلف أنواع الأطعمة وفي ظروف بيئية وصحية سليمة، وقد ساهم هذا المشروع في تقوية معارف الساكنة في مجال الطاقات المتجددة وفي حثهم على الحفاظ على الغابات والحد من استنزافها عن طريق الحطب العشوائي وتمكين الأسر القروية من الاقتصاد في شراء غاز البوطان عن طريق استعمال هذه المطابخ الشمسية التي تم توزيعها في مرحلة أولى على 150 أسرة بدوار أيت أوفي بالجماعة القروية أيت سدرات الجبل السفلى والواقعة على ضفة مضايق دادس بإقليم تنغير. ومن جانب أخر، قامت جمعية أدمر بجهة الرباطسلا زمور زعير بمشاريع لفائدة شباب ونساء العالم القروي بالجهة تهدف إلى تأهيلهم وإدماجهم في النسيج الاقتصادي وتحسين مستواهم المعيشي عن طريق تلقينهم مهارات مهنية التي تمكنهم من التوفر على دخل قار. وقد استفاد من هذه المشاريع 100 امرأة بثلاث جماعات قروية وهي أيت واحي جماعة خميس سيدي يحيى مسقط رأس المناضل الحقوقي المرحوم إدريس بنزكري بإقليمالخميسات وجماعة الكنزرة بالإضافة إلى بلدية بوقنادل بضواحي مدينة سلا، وكل واحدة من هذه الجماعات وضعت رهن اشارة الجمعية مقرا بتنسيق مع الجمعيات المحلية المستفيدة من المشروع من أجل التتبع وضمان استمراريته. ويقوم هذا المشروع الذي لقي تجاوبا من طرف الجمعيات المحلية ، على تكوين تطبيقي لمدة 12 يوما في ظرف ثلاثة أشهر بمعدل مرة واحدة في الأسبوع ، ويهدف إلى تعليم المرأة كيفية إنجاز وسائل للديكور والتزين بالإضافة إلى الطرز والزرابي ومجموعة من أدوات الصناعة التقليدية المحلية. وأنجزب جمعية تنمية عالم الأرياف دليلا للتنمية السياحية والثقافية والتعريف بهذه المناطق من الناحية الثقافية والاجتماعية والطبيعية. وقامت الجمعية مؤخرا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بشراكة مع عامل عمالة الحوز بتكريم المرأة الجبلية وهي سابقة من نوعها في تاريخ بلادنا حيث أن المرأة الجبلية ظلت بعيدة عن التكريم وغير مفكر فيها على هذا المستوى وهي التي تعاني أوضاعا صعبة وتناضل يوميا من أجل ضمان استقرارها وتعلم أبنائها وبالتالي فهي تستحق كل التقدير والاحترام والتنويه بالعمل الجبار الذي تقوم به، فخلال هذا اليوم الدراسي تم الاستماع إلى شهادات حية للمرأة القروية التي حكت يومياتها بالجبل ومعاناتها مع قساوة الطبيعة كما تم عرض شريط وثائقي بيرز حياة المرأة الجبلية. الشطر الثاني من هذا التكريم تم تخصيصه لتدارس سبل تنمية المناطق الجبلية وتحسين ظروف عيش ساكنتها، خلص خلاله المشاركون إلى مجموعة من التوصيات الهامة وعلى رأسها المطالبة بإنشاء وكالة خاصة بتنمية الجبال أو وكالات خاصة بكل كتلة جبلية على حدة، وقد استندت الجمعية في هذا الاقتراح، حسب اسماعيل العلوي على أمرين أساسين الأول هو الخطاب الملكي في عيد العرش لسنة 2009 والثاني هو مقترح قانون كان قد تقدم به فريق التحالف الاشتراكي (حزب التقدم والاشتراكية) بمجلس المستشارين الذي يقضي بإحداث وكالات خاصة بتنمية الكتل الجبلية على غرار وكالات تنمية المناطق الشمالية والجنوبية والشرقية، وإنشاء المجلس الأعلى للمناطق الجبلية.