يشهد بلدنا على غرار مختلف أقطار المعمور هذا الأسبوع، مظاهر الاحتفال باليوم العالمي للشعر، الذي كان المغرب السباق إلى المناداة بإقراره، ممثلا في هيئة بيت الشعر. وكما دأبت هذه الهيئة على القيام بذلك، منذ انطلاق الاحتفال باليوم العالمي للشعر، صاغت كلمة حابلة بالمعاني والدلالات، حملت عنوان «الانتصار للشعر انتصار للحياة»، تم عبرها التذكير بالوضع المقلق الذي يخيم على الإنسانية جمعاء، نتيجة ما يقترف من جرائم في حق الأبرياء، حيث «استبيحت الحياة واستُرخصت من آلة حرب عمياء لطغاة قيل لهم ارحلوا وما فعلوا إلا بعد أن ذبَّحوا شعوبهم، ضاربين بقيم الحياة عرض الحائط». وتؤكد كلمة هيئة بيت الشعر كذلك في مقابل الوضع المأساوي المومأ إليه، على أن الشعر هو «الحضور المشع في غابة الروح. هو الصباح الدائم فيها والأنداء. لذلك لا يمكن أن نتصور اندفاق الحياة من غير ما يكفي من دفء الكلمات. هذا الزاد المعرفي والجمالي والمعنوي هو ما يجعل الإنسان يواجه قلقه الأنطولوجي وأسئلته الحائرة بما يكفي من سعادة غامرة في المضي إلى الأمام». في سياق هذا اليوم العالمي كذلك، صاغت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، رسالة قيمة ذكرت من خلالها أن «الشعر هو أحد أسمى أشكال التعبير اللغوي والثقافي، وهو يجسد الحرية المطلقة للكلمة والإبداع، ويشكل عنصرا مكونا لهوية الشعوب، وهو أيضا الحيز الذي تنعقد فيه الصلة العميقة بين التنوع الثقافي والتنوع اللغوي، إذ تشكل اللغة الشعرية بما تنطوي عليه من نغمات وصور مجازية وقواعد، حصنا متينا ضد الإفقار الثقافي واللغوي في العالم، وانطلاقا من الامتلاك المثمر لناصية اللغة، يثري الإبداع الشعري الحوار بين الثقافات الذي هو ضامن السلام»، وتدعو بوكوفا في رسالتها كذلك إلى وجوب الابقاء على الطاقة الشعرية حية وألا نغفل دورها في تحقيق التقارب بين الشعوب..». وجرى تنظيم بهذه المناسبة مجموعة من الأنشطة الثقافية التي تحتفي بالشعر بصفة أساسية، سواء عبر إلقاء قصائد من طرف شعراء من أجيال مختلفة، أو تكريم بعض رموز هذا الفن الأدبي أو إقامة ندوات يكون محورها الرئيسي هو الشعر وأسئلته الراهنة. وكانت الاحتفالية الشعرية الكبرى هي تلك التي برمجتها هيئة بيت الشعر، بشراكة مع جامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، وبتعاون مع مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، حيث تم تسليم شهادة وجائزة الديوان الأول للشاعر جمال نجيب، وكذا تسليم ميدالية بيت الشعر، إلى جانب قراءة شعرية بمشاركة عدة شعراء مرموقين. غير أن الاحتفال باليوم العالمي للشعر، لم ينحصر في العاصمة الرباط، بل شمل مختلف مدن المملكة، حيث تجندت له مختلف الجمعيات ذات الاهتمام بالشأن الأدبي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، برمجت جمعية الأنصار الثقافية بخنيفرة، أمسية شعرية تحت شعار «تواصل الأجيال ربيع شعر دائم»، وباردت مؤسسة نادي الكتاب بفاس بدورها، ببرمجة أمسيات شعرية بمشاركة شعراء من داخل الوطن وخارجه، كما أن مدينة إفران ستشهد بنفس المناسبة مطلع الشهر القادم، يوما دراسيا حول التجربة الشعرية لعبدالله الطني، تحت شعار «الشعر وإعادة صياغة العالم»، ويبرز من خلال هذا الشعار مدى القيمة العظمى التي ينطوي عليها الشعر. وكرست جمعية أصدقاء المعتمد بمدينة شفشاون بنفس المناسبة، يومين للشعر، يضمان أنشطة متعددة، منها القراءات الشعرية، وحملة التبرع بالكتب، وحفلات توقيع دواوين شعرية، وغيرها من الأنشطة. كل هذا مجرد غيض من فيض الحركة الثقافية التي تشمل هذه الأيام مختلف مدن المغرب، احتفاء باليوم العالمي للشعر، إيمانا بما لهذا الفن الأدبي من قدرة على تحدي مظاهر القبح والبشاعة.