وحدها المادة الأولى من القانون 08.28 المنظم لمهنة المحاماة هي التي تقول: المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء. من يتذكر هذا ومن يقدره؟ المحامون في مؤتمراتهم يدافعون دوما على القضاة وكتاب الضبط ويصدرون توصيات تدعو إلى تحسين الأوضاع المادية للقضاة وكتاب الضبط. المحامون يكرمون القضاة وكتاب الضبط في مختلف المناسبات ولم يسجل لهؤلاء أن كرموا أحدا من المحامين. المحامون هم من يمتلك تصورا شموليا عن مكونات العدالة (قضاة، محامون، كتاب الضبط، مفوضون قضائيون، خبراء، ضابطة قضائية، سلطة إدارية، موثقون، والمحافظون العقاريون، ومتقاضون) وعن دور كل مكون من هذه المكونات. لم يسبق للسادة القضاة أن أصدروا توصية للدفاع عن المحامين لا في إطار وداديتهم الحسنية ولا في إطار ناديهم (نادي قضاة المغرب)، كما لم يسبق لأي إطار من الإطارات النقابية لكتاب الضبط أن أصدر توصية لدعم المحامين في مطالبهم (موضوع تقاعد المحامين لا زال مطروحا على الحكومة منذ المؤتمر الأول لجمعية هيئات المحامين بالمغرب سنة 1962 ولا أحد استنكر إدارة الحكومة ظهرها لمطالب فئة المحامين، وجاء نظام التغطية الصحية وظهر أن المحامين مقصيون من الاستفادة منه ولا أحد من القضاة أو كتاب الضبط استنكر هذا الإقصاء). الحكومة التي من المفروض أن تعتني بكل مكونات العدالة يقتصر نظرها على فئة القضاة والقضاة المتدربين وكتاب الضبط. الحكومة لا تشرك المحامين في البعثات التي تمولها للاستفادة من التكوين لا في الداخل ولا في الخارج. الذين يهيئون مشاريع النصوص القانونية التي تهم تنظيم قطاع العدل لا يفكرون في المحامين ولا يستحضرون دورهم في آلة العدالة. آخر مثال القرار المشترك لوزير العدل ووزير الاقتصاد والمالية رقم 2517.09 صادر بتاريخ 28 سبتمبر 2009 منشور بالجريدة الرسمية عدد5779 الصادرة بتاريخ 19أكتوبر 2009 بتحديد أسعار الأجرة عن الخدمات المقدمة من لدن مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى، ينص هذا القرار في مادته الثانية على أنه يسمح بتخفيض قدره 40% لفائدة القضاة والملحقين القضائيين وموظفي كتابة الضبط وبتخفيض قدره 30% لفائدة من يعيدون البيع فيما يتعلق بجميع الإنتاجات والخدمات المقدمة من طرف مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى وبتخفيض قدره 25% بالنسبة لمبيعات مركز النشر والتوثيق القضائي خلال مشاركته في المعارض. فبأي منطق تم إقصاء باقي مكونات العدالة ومنها المحامين؟. الأمر ليس جديدا بل يبدو أن عقلية الإقصاء بدأت تترسخ منذ إنشاء المعهد الوطني للدراسات القضائية (المعهد العالي للقضاء حاليا) التي حددت مهامه في التكوين الأساسي للملحقين القضائيين وكتاب الضبط حيث لا نجد ضمن لائحة المواد المدرسة (التكوين العام) أي مادة تتعلق بقانون وأعراف مهنة المحاماة. أما فكرة تأسيس معهد لتكوين المحامين فإنه لم يخرج لحد الآن إلى حيز الوجود. مجلة قضاء المجلس الأعلى المختصة في نشر قرارات المجلس الأعلى كانت على الدوام تنشر أسماء المحامين (الدفاع) إلى جانب أسماء هيئة الحكم غير أنه منذ سنة 1996 أي ابتداء من العدد 48 لم تعد تنشر أسماء المحامين بالرغم من أن أساس اجتهاد القضاة هو مذكرات المحامين. يبلغ عدد المحامين في المغرب حاليا حوالي خمسة عشر ألفا. وبالرغم من أن القانون يمنع عليهم الإضراب فإنهم قادرون على إبلاغ صوتهم بطرق نضالية فعالة وقد اكتسبوا مهارة كبيرة على هذا المستوى. مهنة المحاماة ملجأ للقضاة ولكتاب الضبط بعد استقالتهم وعلى هؤلاء أن يستحضروا هذا المعطى. ولم يسبق للمحامين أن رفضوا استقبال الوافدين من هاتين الفئتين. فإذا كان المحامون جزء من أسرة القضاء، فإن على جميع مكونات هذه الأسرة أن تدخل في حوار مسؤول لتطويق كل ما يسيء لعلاقاتها. عندما يصدر من القاضي أثناء الجلسة ما يمس بكرامة المحامي ووضعه الاعتباري، فإن هذا الأخير يرد بابتسامة متفهما أن القاضي لا دراية له بدور المحامي مراهنا على عامل الممارسة لأن القاضي تصنعه الأيام. القاضي الذي يدخل الجلسة وينطق جملة «السلام عليكم» تحية للحضور الواقف إجلالا للمحكمة من محامين ومتقاضين ثم يجلس على مقعده ويشير للحضور بالتفضل بالجلوس؛ هذا القاضي نموذج يجلب الاحترام والتقدير، بمثل هذه الإشارات البسيطة تقوم علاقة الاحترام المتبادل وتترسخ صورة ذلك القاضي في أذهان الناس كقاض نموذج متخلق وإنساني سواء وفق في حكمه أم لا. الضجة القائمة هذه الأيام حول صراع وهمي بين القضاة والمحامين وكتاب الضبط بسبب خلافات عادية في وجهات نظر يجب تطويقها بسرعة لأن هذا الصراع لا يخدم أي طرف. رجاء شيء من التعقل.