تعد السينما واحدة من أهم الوسائط التحسيسية والتربوية التي بقدر ما تكشف تباين تجارب وخبرات الشعوب في ما يتعلق بأنماط العلاقات بين الجنسين، تؤكد أن العنف ضد المرأة وامتهانها ممارسة عالمية غير مقصورة على جماعة بشرية بعينها. لسبب ما تستيقظ (بيلار) في عز الليل، تهرول في حالة هياج عصبي، باحثة في خزانة الملابس عن سترة لإبنها الصغير، توقظ هذا الأخير ويتوجها خلسة الى الخارج، لم يحالفهما الحظ في أن يستقلا سيارة الأجرة الأولى التي مرت بالمحاذاة منهما بمجرد ما أن وقفا على الرصيف، لكنهما تمكنا من الوصول عبر حافلة الى منزل عائلة الأم وسط استغراب شديد من هذه الزيارة الليلية، التي لا تلبث أن تبدده المرأة وهي تتحدث عن فظاظة وعنف زوجها (أنطونيو). هذه هي تفاصيل المشهد الأول من فيلم (أهديك روحي) 2003 للمخرجة الإسبانية إثيسار بويايين، الذي تم عرضه مؤخرا بالرباط، في إطار الدورة الثالثة للمنتدى الدولي (نساء في حراك) الذي تنظمه مؤسسة المعهد الدولي والمسرح المتوسطي وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والذي عرف مشاركة الممثلتين سامية أقريو ونورة الصقلي واليسيا لونا (كاتبة سيناريو الفيلم) والممثل ادريس الروخ. ولولا أن هذه المرأة شقراء اللون وتحمل اسم بيلار لاعتقد المرء للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بنزاع أو خلاف بين زوجين في بلد من بلدان العالم الثالث، والحال أن مختلف النقاشات التي تلت عرض هذا الشريط أكدت على أن الخلاصة الرئيسية من (أهديك روحي) هي أن «العنف ضد المرأة ظاهرة كونية» وأن اللجوء الى مختلف أنواع الاعتداء ضد النساء قضية لا تقتصر على بلد دون آخر ولا ترتبط بمجتمع دون غيره ولا ترتبط حصريا بحضارة دون غيرها. يعالج الفيلم موضوع العنف الزوجي من خلال رصد حياة زوج عنيف (أنطونيو) لم تنفض من حوله رفيقة دربه الشقراء الجميلة والصبورة (بيلار) الإ بعد مرور سنين طويلة (حوالي 10 سنوات) لا سيما بعد أن استفحلت مشاكلهما إثر خروج هذه الأخيرة الى سوق الشغل وبعد أن فقدت الآمال في حياة زوجية سعيدة مع (أنطونيو) الذي إحترف تعنيفها، لفظيا، أناء الليل وأطراف النهار، ولم يتردد في العديد من المرات في «تطوير» هذا النوع من العنف الى عنف جسدي واعتداء ممنهج تحت مبررات واهية، فبلغت الأمور نقطة اللاعودة لتقرر الابتعاد كليا عن (أنطونيو) بالرغم من مباشرته، بعد فوات الأوان، لعمليات علاج عند طبيب نفسي. وقال الممثل المغربي ادريس الروخ إن هذا الفيلم «قوي من الداخل» وأشار الى أن «اشكالية المرأة والرجل» مسألة «بالغة الأهمية» تناولتها مختلف الأديان والحضارات داعيا الى مشاركة أوسع للمرأة في مختلف المجالات والوقوف بجانبها لتقلب الحكمة الشهيرة «وراء كل رجل عظيم امرأة» الى العكس، مستطردا بقوله «إننا نقتل المرأة كل لحظة حينما نتركها تعاني دون تسليط الضوء» على مثل هذه الظواهر. ووافقت الممثلة المغربية سامية أقريو زميلها الروخ في ما ذهب اليه، موضحة أن السينما توضح «أشياء لا نقدر على الحديث عنها، لكن الصورة تبرزها» مؤكدة على أن التربية والتنشئة الإجتماعية أمر أساسي لمواجهة هذه الظاهرة. وتخلص سامية أقريو الى أن المعنف (بكسر النون) والمعنف (بفتحها) كلاهما ضحية دورة العنف وأنه يتوجب توخي الحذر من مشاهد العنف والتحرش الجنسي الذي تقدمها أحيانا بعض القنوات التلفزيونية.