ضرورة إخراج الثقافة من مفهومها النخبوي الضيق من أولوياتنا وضع مخطط خماسي يسمح لكل الجماعات المحلية والأحياء أن تتوفر على دار للثقافة بمفهومها العصري يتابع وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي أنشطة الدورة الثامنة عشر للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، عن كثب، يجس نبض القراءة والنشر، يحضر اللقاءات الثقافية، يؤطر بعضها، كما هو الحال بالنسبة للمحاضرة الافتتاحية. إنه حاضر بروحه الديناميكية في قلب هذه التظاهرة الثقافية السنوية، وبالمناسبة كان لبيان اليوم حوار معه، هم شؤون وشجون القراءة والنشر ووظيفة المثقف وتحديات تفعيل مقتضيات الدستور الجديد. * ما موقع المعرض الدولي للنشر والكتاب ضمن اهتمامات وزارة الثقافة؟ - هذا المعرض هو لحظة أساسية على الصعيدين الثقافي والمعرفي، وأنا أدعو المواطنين إلى المجيء بكثافة إلى هذا الفضاء الثقافي، الذي يعرف مشاركة أزيد من 750 دار نشر، وأربعين دولة، هناك كتب متنوعة، ثقافية وفنية، ودراسات ومراجع مدرسية، ومختلف أنواع الكتب، وإلى جانب ذلك، هناك برمجة لمجموعة من الندوات المهمة، هي إذن لحظة قوية، ولكن لا يمكنها أن تنجح إلا بحضور قوي للمواطنين، بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم الدراسية. * ما هي طبيعة السياسة التي سوف تنهجها وزارتكم لبلورة الحياة الثقافية ببلادنا؟ - ينبغي في تقديري إخراج الثقافة من مفهومها النخبوي الضيق الذي يهم جزءا ضئيلا من المجتمع، اليوم على الحكومة أن تسن سياسة ثقافية تهتم بمنحى القرب، التي تجعل كل الجماعات المحلية ومختلف الأحياء، لها دار للثقافة مشتملة على خزانة للكتب ومكتبة وسائطية وقاعة مسرح، على العموم فضاء يسمح للشباب أن يكون لهم دراية بالفن ويمارسونه وينموا قدراتهم الفنية، هذا أمر أساسي وهو أولى الأولويات، حيث نضع مخططا خماسيا، يسمح لكل الجماعات المحلية والأحياء أن يكون لها دار للثقافة بمفهومها العصري، وأنا لا أفهم كيف أن دور الثقافة بفرنسا وإنجلترا في المستوى، ولكن حين الحديث عن دار للثقافة تابعة لوزارة الثقافة المغربية، نجدها في مستوى غير مقبول، هذا الأمر ينبغي أن يتغير، ولنا الإرادة مع هذه الحكومة لكي نغير. هذه نقطة الانطلاق، أما النقطة الثانية، فتنطلق من أن المجتمع الذي لا يولي الاعتبار للمبدع والمثقف ولوضعه الاجتماعي، مجتمع محكوم عليه بالجمود، نحن بحاجة إلى سياسة تدعم الفن والمسرح والفنون التشكيلية والإبداع والموسيقى، لأنه بواسطة ذلك، سيسود الاطمئنان داخل المجتمع، وكل ذلك مرتبط بقدراتنا لكي تكون لنا سياسة ثقافية قوية. * ركزتم خلال هذه الدورة من دورات المعرض على فئة الشباب، وعلاقتهم بالمواطنة، ما مدى رهانكم على الثقافة لترسيخ هذا المبدأ؟ - ثقافة مواطنة جديدة، هذا مجرد شعار، نحن اليوم بحاجة إلى سياسة تبلور على أرض الواقع المواطنة، باعتبارها تجعل الفرد في المجتمع مطمئنا، ويعتز بانتمائه إلى بلد اسمه المغرب، ولكي ننمي هذا الاعتزاز ببلدنا المغرب، هناك الجانب الثقافي، بمفهومه الواسع، مجتمع به حياة ثقافية سليمة، به المسرح ودار الثقافة وكل الوسائل التي تسمح له بتنمية قدراته المعرفية، هذا مجتمع يسير نحو الاطمئنان وهكذا نبني المواطن المسؤول والمطمئن، وأنا لا أظن أنه من خلال الشعارات سنصل إلى هذا المجتمع، أي مجتمع المواطنة المسؤولة، باعتبارها ثقافة مسؤولة أساسا، نبلغها عن طريق سياسة ثقافية إرادية. * تضمن الدستور الجديد مجموعة من البنود التي تهم الجانب الثقافي، ما هي التحديات التي تواجه وزارة الثقافة في ما يخص تفعيل هذه البنود والمقتضيات؟ - تنزيل مقتضيات الدستور عمل نقوم به الآن، الأجرأة القانونية، هي قوانين تنظيمية. الدستور ينطق بما يريده المغرب اليوم. أي مغرب نريد؟ نحن نعرف ما ينطق به الدستور، أي أننا نسير في اتجاه ملكية برلمانية، بمعنى أن يكون لنا برلمان في المستوى، يقوم بدوره، لنا حكومة مسؤولة تقوم بدورها، لأن كل مواطن ينبغي أن يحس بأن المغرب للجميع، وليس لفئة ميسورة، وكل مواطن يقتنع بأن هناك سياسات تجعل المغرب للجميع، وأننا نستفيد كلنا من خيرات هذه البلاد، فهذا هو المبتغى. الاطمئنان والمسؤولية وسياسة ثقافية تجعل الفرد يعتز بانتمائه للوطن، هذا هو المحفز الأساسي، أما القوانين التنظيمية أو العادية، فهي مجرد أجرأة، في حين أن السلوكات هي التي تعطي معنى لمضمون الدستور الحقيقي. * هل ما زال للمثقف دور في تغيير المجتمع؟ - أولا ينبغي التفكير في دور المجتمع إزاء المثقف، على المجتمع أن يعتبر أن المثقف له دور أساسي، هو عبرة، هو ينير الطريق، ولما يكون لنا مجتمع يعترف بدور المثقف، آنذاك يمكن أن نراهن على المثقف، ولكن المسؤولين، ليسوا هم المجتمع، إذا لم تكن لنا سياسة تجعل المجتمع يحس بأن المثقف له دور في إنارة الطريق، لجعل المواطنين يفهمون في أي لحظة تاريخية هم يعيشون، وما هي التحديات، وماذا ينتظرنا؟ هذا هو دور المثقف. مع الأسف سادت في السابق سياسة ثقافية نخبوية أبعدت المجتمع عن فهم هذه التحديات، والآن لنا مع كل الفاعلين والمثقفين والمجتمع والجمعيات الثقافية، هذه الإرادة لنعيد للثقافة دورها المحوري، لتعبئة المجتمع نحو هذا الطريق. * واقع النشر والكتاب يعرف مستوى متدنيا، ماهي التدابير التي ستنهجها الوزارة للنهوض بهذا الواقع؟ - كمدخل لهذا السؤال، أستحضر رقما قدمته منظمة اليونسكو، حيث حدد متوسط القراءة سنويا لكل فرد في الدول الأوربية الغربية: مائتي ساعة، نفس المعدل السنوي لكل فرد في الدول العربية هو ثمان دقائق، ونحن في المغرب لسنا بعيدين عن هذا المستوى الهزيل للقراءة. لا بد من أن تكون لنا سياسة وطنية لجعل الطفل والتلميذ يكونان قريبين من الكتاب، وأول لحظة يتعامل فيها الطفل مع الكتاب، هي المدرسة، لنا في جل المؤسسات التعليمية، خزانات للكتب نادرا ما يتم تفعيلها، وهذه مهزلة لا تقبل. علينا بشراكة مع وزارة التربية الوطنية، ووزارة الشباب والرياضة، والجماعات المحلية، أن نجعل أولا وقبل كل شيء من الخزانات المدرسية، المنطلق القوي لتصالح الطفل مع الكتاب، هذا ليس كافيا، لنا اليوم المكتبة الوطنية، وهي اليوم نموذج مرجعي للخزانات سواء على الصعيد التدبيري، أو على صعيد المهن المرتبطة بالخزانات، أو على صعيد سياسة اقتناء الكتب، لأنه من أصعب الأمور هو أن تكون لنا سياسة لاقتناء الكتب، ما هي هذه الكتب التي ينبغي اقتناؤها لفائدة التلاميذ بالمدارس الابتدائية وغيرها من المستويات الدراسية، في اللغات الرائجة عندنا. إن سياسة اقتناء الكتب مسألة أساسية، لنا اليوم، المؤسسة المرجعية، عليها أن تفعل وتقوم بوظيفتها، باعتبارها قاطرة لسياسة الخزانات المدرسية والخزانات المحلية، مع الأخذ بعين الاعتبار توسيعها. اليوم بعد خمسة أسابيع فقط على رأس المسؤولية داخل الحكومة، نشتغل بصراحة ووضوح وقوة، أولا لتبسيط سياسة حث المغاربة على التصالح مع الكتاب، بدءا بالتلاميذ والطلبة، وأن نوجد لهذه السياسة الإمكانيات لكي تتبلور في القادم من الأيام.