بتعيين الحكومة الجديدة برئاسة عبد الإله بنكيران من طرف جلالة الملك محمد السادس، يدخل المغرب مرحلة سياسية متقدمة عنوانها تنزيل مضامين دستور يوليوز 2011 فعليا على أرض الواقع، واختبار القدرات والكفاءات التدبيرية والقيادية لنخبة سياسية جديدة أفرزتها صناديق الاقتراع. ومن دون شك أن هذه مرحلة فارقة وأكثر تقدما، فهي تطوي عدة أشهر من الحراك السياسي والمجتمعي الواسع والعميق عرف منعطفات حاسمة وشجاعة أبرزها خطاب جلالة الملك ل 9 مارس الذي أعلن فيه جلالته عن إصلاحات سياسية عميقة، ثم الاستفتاء على الدستور الجديد وانتخابات 25 نوفمبر، التي كانت بالإجماع أكثر الانتخابات نزاهة في التاريخ المغربي الحديث. وهي بالطبع ليست لحظة لإعادة إنتاج السجالات والتنظير بقدر ما هي مرحلة العمل لجني الثمار على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ثم السياسية. إذ باعتبارها انبثاقا ديموقراطيا عن صناديق الاقتراع، فكل الآمال معلقة على هذه الحكومة لتقوية المؤسسات وإرساء أسس ديموقراطية لعملها وحكامتها, ثم تلبية انتظارات وتطلعات المواطنين في مختلف مجالات معيشهم اليومي. وفي هذا المجال، ثمة أوراش كبرى اقتصادية واجتماعية بالخصوص تستأثر بالاهتمام من دون شك سيتضمنها التصريح المرتقب لرئيس الحكومة أمام البرلمان. وسيتم اختبار عمل الحكومة بمدى قدرتها على ممارسة صلاحياتها كاملة حسب ما ينص عليه الدستور الجديد، الذي يكرس المسؤولية الكاملة لرئيسها على أعضائها فهو يقترح الوزراء وينهي مهامهم، ويقود وينسق العمل الحكومي، ويشرف على الإدارة العمومية، ويتوفر على صلاحية التعيين، بمرسوم، في المناصب المدنية، وفقا لقانون تنظيمي، يحدد مبادئ وتكافؤ الفرص بالنسبة لكافة المغاربة. ومن جهة ثانية ستختبر عملية تنزيل الدستور الجديد قدرة أعضاء البرلمان الجدد على النهوض بالمؤسسة التشريعية عملا وأداء والقطع مع الممارسات السلبية السابقة كالغياب واللامبالاة, ما جعل هذه المؤسسة تفتقد لثقة المواطنين. ولن تسترجع هذه المؤسسة مصداقيتها كاملة إلا بالانكباب بشكل جدي على ممارسة صلاحياتها كما يتيحها الدستور الجديد خصوصا وأنها مطالبة في الولاية الحالية بإصدار أكثر من 25 قانون تنظيمي ذي علاقة بالمؤسسات الجديدة التي يتضمنها الدستور، علاوة على صلاحياتها التشريعية ومراقبة العمل الحكومي. المحطات المقبلة أمام الحكومة الجديدة وأبرز المحطات المقبلة بعد تعيين الحكومة الجديدة، الذي لن يصبح تنصيبها دستوريا إلا بعد مصادقة مجلس النواب على برنامجها هو تقدم رئيسها، حسب ما ينص عليه الفصل ال 88 من الدستور، «أمام مجلسي البرلمان مجتمعين» لعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. و»يجب أن يتضمن» هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، «وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية». وسيكون البرنامج الحكومي موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. وحسب الدستور فلن تعتبر الحكومة منصبة إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس لصالح البرنامج الحكومي. هكذا وبعد حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب ستباشر ممارسة السلطة التنفيذية حسب ما هي محددة في الفصل ال 89 من الدستور الذي يوضح أن الحكومة تعمل «تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية». الحكومة والبرلمان آليات أكثر تطورا للمراقبة والتتبع وفي ظل هذه الممارسة السياسية الجديدة للشأن العام في المغرب والتي أصبحت ملامحها العامة أكثر وضوحا، سيبرز الدور بالغ الأهمية المناط بالمؤسسة التشريعية، ثم علاقتها بالمؤسسة التنفيذية. فالدستور الجديد ينص على قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة، ويكرس سمو مكانة مجلس النواب، بتخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية، وتعزيز اختصاصاته في مراقبة الحكومة، ولا سيما بتكريس مسؤولية الحكومة الحصرية أمامه. ويحدد الدستور عدة فصول لمراقبة العمل الحكومي وتتبعه بشكل أكثر تقدما فينص الفصل ال 100 على تخصيص جلسة أسبوعية للأسئلة الشفوية على أن «تُدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها». وحسب الفصل ذاته «تُقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس، الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة. كما ينص الدستور في فصله ال 101 على أن «يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين. وعلاوة على كل ذلك «تُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها. هي إذن نصوص دستورية جد متقدمة صادق عليها الشعب المغربي في استفتاء تاريخي، أفرزت بدورها نخبة انبثقت عن انتخابات نزيهة وذات مصداقية بإجماع وطني ودولي، تتطلب حاليا التحلي بخصال العمل الجدي والبناء لتنزيلها على أرض الواقع.