تفاوتت آراء وخلاصات نخبة من الأدباء والفنانين والمثقفين، حول الحصيلة الثقافية لسنة 2011، ففي الوقت الذي لم يخف فيه البعض إحساسه بالحسرة على ضياع سنة أخرى من عمر المغرب، دون تحقق مجموعة من الانتظارات، ودون حصول النهضة الثقافية المنشودة، فإن البعض الآخر، كان متفائلا جدا، مؤكدا على أن بلادنا عرفت خلال السنة التي نودعها مجموعة من الأحداث الثقافية، وبأنها لم تكن سنة بيضاء. المؤكد أن سنة 2011 عرفت حراكا ثقافيا، خصوصا في الشق المتعلق بالسجال الذي فتح بقوة بين نخبة من المثقفين وبين المؤسسات الرسمية، المتمثلة على الخصوص في وزارة الثقافة، وكان لهذا السجال والصراع انعكاس سلبي على تنشيط حياتنا الثقافية، كما تجلى ذلك في فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، الذي عرف عزوف العديد من الأدباء والمفكرين عن المشاركة في أنشطته، إلى غير ذلك من المناسبات. وفي ما يخص حركة النشر، فقد تميزت السنة بتراجع في نسبة الإصدارات، وهذا ليس مرده إلى شح التأليف، بل هو عائد بصفة أساسية إلى تخلي وزارة الثقافة عن مبادرة دعم دور النشر. وبرز مرة أخرى أن دعم الإنتاج المسرحي، من لدن الوزارة الوصية، لم يحقق الأهداف المرجوة، حيث أنه بالرغم من استمرارية هذا الدعم، فإن الحركة المسرحية، لم تعرف الازدهار المنشود، وهو ما يحتم إعادة النظر في سياسة هذا الدعم، كما أنه من الضروري العناية بالبنيات التحتية، وفي هذا الإطار، يظهر بشكل بارز الأزمة التي تعانيها السينما المغربي، حيث أن قاعات العرض في تقلص متواصل، في الوقت الذي تقام فيه مهرجانات سينمائية دولية، ويتم فيه الحرص على دعم الأشرطة السينمائية، حيث عرفت وتيرة الإنتاج على هذا المستوى تصاعدا مضطردا. وإذا كان مبدعو الأغنية قد استبشروا خيرا، بسياسة الدعم التي تم سنها لفائدة هذا الفن، فإن النتائج لم تتم ملامستها بعد على أرض الواقع، وهو ما يعني أن الدولة وحدها لا يمكن لها أن تدعم كل شيء وبالقدر الوافر، وهو ما يحتم على القطاع الخاص أن يتحرك في هذا الاتجاه ويهتم بالاستثمار في المجال الثقافي، سيما وأن التجارب أكدت على أن هذا المجال له مردودية مادية أكيدة. غير أن الوجه المشرق للحركة الثقافية ببلادنا، تجسد بصفة أساسية في الحضور المشرف لمبدعينا ومفكرينا في المحافل الدولية، حيث استطاعوا انتزاع جوائز معتبرة عن جدارة واستحقاق، وهو ما يدل على أن ما نفتقد إليه، ليس هو الكفاءات، بل الاستراتيجية الثقافية لدى المؤسسات الرسمية. حضور ثقافي مغربي وازن خارج الحدود قوافل ومعارض وندوات أضفت الكثير من البهاء على مغرب حديث يواصل مسيرته نحو الحداثة أبان المغرب، المتميز بثقافته وحضارته المتجذرة في التاريخ، خلال السنة الجارية عن كل المؤهلات التي تجعل منه مصدر إلهام لعشاق الفنون الجميلة وفن العيش. وتألقت الصناعة التقليدية المغربية، ومن خلالها الصانع المغربي بعفويته المعهودة، خلال السنة الجارية، الذين جابت أعمالهم الإبداعية العديد من المدن البريطانية حاملة، بذلك، رسالة صداقة بين مملكتين تربطهما وشائج تزداد عمقا ومتانة مع مرور الزمن. وأضفت القوافل والمعارض والندوات ومكونات البرنامج الثقافي الذي أعدته بعناية فائقة سفارة المغرب ببريطانيا، تحت إشراف سفيرة المغرب بالمملكة المتحدة الشريفة لالة جمالة، أضفي، الكثير من البهاء على مغرب حديث يواصل، بإصرار، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، مسيرته نحو الحداثة، مدافعا، في الآن ذاته، عن إرثه الحضاري الإستثنائي. وهكذا، جابت القافلة العديد من المدن البريطانية، من مانشستر إلى ليفربول، مرورا ببريستون وأكسفورد وبورغس هيل وشيفيلد، لتعكس بذلك اتجاه المغرب المنفتح على الثقافات الأخرى. واسترعت هذه القافلة، التي أطلق عليها إسم سوق الصناعة التقليدية المغربية، انتباه المسؤولين ووسائل الإعلام البريطانية الذين اعتبروها سبيلا لتعزيز قيم التفاهم والتقارب في عالم تتسع الفجوات بين أبنائه كل يوم. وأعرب لورد وعمدة مانشستر هاري ليونز، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن سعادته باستضافة سوق الصناعة التقليدية المغربية الذي يعكس التقاليد العريقة للمغرب. وكانت الجاذبية كبيرة جدا لدرجة أن مسؤولين مختلف المدن الإنجليزية عبروا عن أملهم في تنظيم هذا النوع من التظاهرات بشكل منتظم بهدف التعريف الجيد بالثقافة والحضارة المغربيتين والمساهمة في تعزيز العلاقات الجيدة بين المغرب والمملكة المتحدة. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فبهدف إبراز رونق الثقافة المغربية فوق الأراضي البريطانية، تم تنظيم معرض كبير برواق «بروناي» المجاورة لمدرسة الدراسات الشرقية والافريقية بلندن احتفاءا بالتقليد الألفي للنسيج المغربي بمختلف أنواعه وبهائه التقني. واحتفى المعرض، المنعقد تحت شعار «نسج خيوط الحياة: المعرفة الجمالية المشكلة للنسيج المغربي»، بالثقافة الأمازيغية الممثلة في نساجات مدينة الصويرة وذلك من أجل إبراز مساهمة هذه الثقافة في الصرح الحضاري الكبير للمغرب. وأعطى المنظمون أيضا الكلمة للباحثين والخبراء خلال مؤتمر نظم ب «اونيفيرستي كوليجون لوندن»، لإبراز تأثر فنانين كماتيس و دولاكروا و إيف سان لوران بهذا النسيج. وتم تكريم نساء ورجال عرفوا كيف يكرسون هذا التقليد وجعله في قمة التميز. سيبلغ البرنامج الثقافي المغربي الاستثنائي بلندن الذروة بتنظيم سلسلة «هارودز» الشهيرة وأحد أبرز معالم العاصمة البريطانية، معرضا متميزا يحكي بهاء الثقافة وفن العيش بالمملكة. ويترجم المعرض، الذي استمر حتى 18 دجنبر، كما يبرز عنوانه «إنسبايرين موروكو»، تأثير المغرب على الثقافة البريطانية. ويبرز المعرض عن جانب من أفضل منتجات الفن والصناعة التقليدية والمطبخ المغربي في إطار يبهر الحواس ويحمل الزائر عبر سفر الى بهاء حضارة متنوعة عرفت كيف تربط بين الحداثة والتقليد. وبنى حرفيون محنكون، تجاوزت مواهبهم وشهرتهم الحدود الوطنية، في قلب «هارودز»، (رياضا) تقليديا مثيرا للإعجاب، مزين بفسيفساء من الزليج و زخارف من الخشب. ويعكس «انسبايرين موروكو» العلاقة التاريخية التي تجمع المغرب ببريطانيا، وهي العلاقة التي تم تعزيزها مع مرور الوقت. وتتعدد الأحداث التاريخية التي تشهد على تميز هذه العلاقة، على الخصوص أعمال ويليام شكسبير التي استلهم شخصية «عطيل» من عبد الواحد بن مسعود بن محمد عنون، السفير المغربي لدى الملكة اليزابيت الأولى. ويذكر أن رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرتل لم يخف إعجابه بالمغرب مستحضرا جمالية مدينة مراكش في مذكراته ولوحاته. ونالت بادرة تنظيم هذه التظاهرة الكبيرة بلندن ترحيب الحكومة البريطانية التي رأت فيها مساهمة ثمينة في توطيد علاقات الصداقة والتعاون بين المملكتين. وقال كاتب الدولة البريطاني في التنمية الدولية آلان دونكان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا المعرض يعطي «صورة حقيقية» للمغرب، البلد الذي يرتبط بشكل عميق بثقافته وحضارته. وقال المسؤول البريطاني «إننا نكتشف -بفضل هذا المعرض- ثقافة تتميز بالغنى مع توجه نحو الحداثة»، مشددا على أن «الجميع يعرف، خاصة في هذه المرحلة من اللايقين- أن المغرب يظل بلدا مستقرا وجاذبا». ويترك هذا النجاح الكبير المتحقق في هذه السنة التي تشارف على الانتهاء الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المزيد من التألق المغربي ببريطانيا، حيث يتوفر المغرب، عبر غناه وإمكانياته الواعدة، على جميع الحظوظ ليفرض نفسه كشريك مميز لأحد أكبر القوى العالمية.