هل انطلقت معركة «استقلالية» المندوبية السامية للتخطيط يبدو أن مسألة استقلالية الهيئة الوطنية للتخطيط (المندوبية السامية للتخطيط) عن الجهاز التنفيذي ستعود إلى نقطة الصفر مع المشاورات الجارية بشأن هيكلة الحكومة الجديدة، ولا سيما فيما يتعلق بالهندسة الجديدة لمختلف القطاعات الوزارية. مؤشرات معركة استقلالية هذه الهيئة تلوح في الافق بعد ما تم تداوله مؤخرا حول الهندسة الحكومية من كون رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يعتزم إلحاق المندوبية السامية للتخطيط بوزارة الاقتصاد والمالية. ويظهر أن المندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي علمي، بعث ب»رسالة مستعجلة» لمن يهمه الأمر مستغلا الندوة الدولية التي عقدت بالرباط مؤخرا بمناسبة الذكرى الخمسين للمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي حيث شدد على ضرورة أن تظل نتائج الإحصاءات ودراسات الظرفية الاقتصادية ومقاربة السياسات العامة والتوقعات «ملكا عاما» في متناول جميع المواطنين. وأوضح لحليمي في كلمة لدى افتتاح الندوة أنه «عندما يوجد هناك إحصاء مستقل يتوافق مع المعايير المعتمدة من قبل المجتمع الدولي، فإنه يشكل عاملا لدمقرطة المجتمع ومقياسا لمستوى نضجه». وقال إن المؤشرات الإحصائية الموضوعة في «إطار مستقل» والتي تقدم مقياسا موضوعيا للواقع الاقتصادي والاجتماعي وانعكاساته على شروط حياة ورفاه المواطنين، يمكن أن توفر لصانعي القرار السياسي توضيحا مفيدا حول السياسات العمومية وأداة للمواطنين لتقييم مدى ملاءمة تلك السياسات. واعتبر لحليمي في هذه الندوة المنظمة تحت شعار «تقييم دور الإحصاءات في سياق وطني ودولي متغير» أن التحولات التي تواجه العالم حاليا لم تمنع من الإحصاء من لعب دوره الرئيسي وتكييف مفاهيمه وأساليبه لمواجهة الإشكاليات الاجتماعية الجديدة التي يواجهها». وتعد هذه الإشارات رسالة واضحة على أن معاهد وهيئات لا يمكن أن تنتج معطيات ذات مصداقية وأقرب ما تكون إلى الواقع إلا إذا كانت متخلصة من كل الضغوطات ذات الصبغة السياسية أو غيرها.والمغرب، كغيره من الدول التي لا تتوفر على تقاليد ديمقراطية، عانى من فبركة المعطيات ونتائج الأبحاث الميدانية لتطويعها لمصلحة الفاعل السياسي. وفي الوقت الذي تواصل فيه هيئات وطنية تشتغل في ميادين مختلفة، كمجلس المنافسة والهيئة الوطنية لحقوق الانسان، معاركها من أجل استقلاليتها عن الجهاز التنفيذي وتخلصها من كل تدخل سياسي أو غيره في المعطيات التي تنتجها ضمانا لمصداقيتها، في هذا الوقت يبدو أنه من السباحة ضد تيار الديمقراطية والنزاهة العلمية إلحاق هيئات تعنى بالتخطيط وبتنظيم المنافسة ومحاربة الريع الاقتصادي وتقييم السياسات العمومية في هذه المجالات بالجهاز التنفيذي الذي لا يمكن أن يكون الخصم والحكم.