شكل الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب المغربي بأغلبية ساحقة في يوليوز الماضي والانتخابات التشريعية ل25 نونبر، محور مائدة مستديرة، احتضنتها بداية الأسبوع الجاري الماضي كلية الحقوق ببرشلونة (شمال-شرق إسبانيا). وقد تم تنظيم هذه المائدة المستديرة، التي شارك فيها باحثون مغاربة وإسبان متخصصون في القانون الدستوري، بمبادرة من المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية والمركز الأوروبي-العربي للدراسات القانونية المتقدمة التابع لجامعة بابلو دي أولافيد لإشبيلية (جنوبإسبانيا) وكلية الحقوق ببرشلونة. وانكب المشاركون، خلال هذه المائدة المستديرة، على تحليل عميق ومفصل لأهم مقتضيات الدستور الجديد. وذكرت أمينة المسعودي أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق (الرباط-أكدال)، خلال مداخلتها أمام ثلة من الأكاديميين والحقوقيين وطلبة الكلية، بمختلف المراحل التي عرفها مسلسل الإصلاح الدستوري منذ خطاب جلالة الملك محمد السادس في تاسع مارس الماضي إلى غاية تبني نص الدستور الجديد بالاحتكام إلى الاستفتاء، مرورا بوضع لجنة لمراجعة الدستور والآلية السياسية لمتابعة الإصلاح الدستوري. وأشارت المسعودي، على الخصوص، باعتبارها أحد أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، إلى أهمية الخطاب الملكي، الذي قالت إنه سطر معالم التوجهات الكبرى للإصلاح الدستوري، وكذا المسار الذي ينبغي سلوكه لإتمام هذا المشروع. وأضافت المحاضرة أن الدستور الجديد ثمرة «مقاربة تشاركية شاملة» أشركت مجموع الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وأيضا ممثلي المجتمع المدني والشباب، موضحة أن نص القانون الأساسي، الذي أخذ بعين الاعتبار المطالب والآراء المعبر عنها من قبل مختلف الفاعلين السياسيين والجمعويين، تمت صياغته، ولأول مرة في تاريخ المملكة، من قبل حقوقيين مغاربة. وأشارت أن الأمر يتعلق بمستجد هام مقارنة بالإصلاحات الدستورية السابقة، مضيفة أن الدستور الجديد جعل من المغرب «ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية». وأثارت المسعودي الانتباه إلى أن النظام الدستوري المغربي أصبح من الآن فصاعدا مؤسسا على الفصل بين السلط، وعلى الديمقراطية المواطنة والتشاركية، ومباديء الحكامة الجيدة والربط بين المسؤولية والمحاسبة، مسجلة أن أهم مستجدات الدستور الجديد هي، على الخصوص، تحديد صلاحيات المؤسسة الملكية وكذا الجهاز التنفيذي الذي يتم تعيين رئيسه من الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية. وبعد أن قدمت الخطوط العريضة لمقدمة الدستور الجديد التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من القانون الأساسي، أبرزت المتدخلة أهمية دسترة عدد هام من المؤسسات كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط ومجلس المنافسة والهيئة المركزية لمحاربة الرشوة. وذكرت بأن الدستور الجديد أقر أيضا استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومن جهته، ركز محمد بنيحيى أستاذ القانون الإداري بكلية الحقوق بالرباط-السويسي وأحد مديري المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية مداخلته على الانتخابات التشريعية ل25 نونبر التي ذكر بأنها جرت في ظل الدستور الجديد. وبعد أن قدم المعطيات التقنية الخاصة بهذا الاقتراع، خصوصا نسبة المشاركة ونمط الاقتراع وعدد المرشحين والنتائج النهائية، قال بنيحيى أن هذه الانتخابات كرست «مصداقية الإصلاح الدستوري». وأشار إلى أن هذه الانتخابات ساهمت في إبراز معالم المشهد السياسي، مضيفا أن نسبة المشاركة التي بلغت 45.40 في المائة «كانت أحد الرهانات الأساسية» لهذا الاستحقاق. وقال بنيحيى إن الأمر يتعلق بنسبة مشاركة «مشرفة، برأي المراقبين، بالرغم من الدعوات إلى المقاطعة التي كانت وراءها بعض التشكيلات السياسية»، مذكرا بالإجراءات التي اعتمدتها الحكومة لضمان حياد الإدارة وترتيب الظروف المناسبة لتنظيم هذا الاقتراع في جو تسوده الحرية والشفافية. وذكر بأن هذا الاقتراع جرى بحضور أكثر من 3800 من المراقبين المغاربة والأجانب، مسجلا الأهمية التي منحت في هذه الانتخابات، على الخصوص، لترشيح الشباب والنساء. ومن جهته، ركز أحمد بوعشيق أستاذ كلية الحقوق بسلا وأحد مديري المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية مداخلته على الجهوية المتقدمة التي سيتم إطلاقها بالمغرب في إطار التنزيل الفعلي للدستور الجديد، مبرزا أهمية الخطاب الملكي لثالث يناير 2010 الذي سطر معالم النموذج المغربي في مجال الجهوية. واعتبر بوعشيق العضو السابق باللجنة الاستشارية للجهوية أن الجهوية المتقدمة ستمكن الدولة من التموقع كمنظم وفاعل محرك للتغيير. وأوضح أنه إلى جانب تعزيز قدرات الجهة فقد منحت اللجنة الاستشارية للجهوية دورا «بارزا» للمجلس الجهوي الذي سيتم انتخابه بالاقتراع العام المباشر، وسيتم تكليفه بإعداد مخطط تنمية الجهة وكذا التصميم الجهوي للتهيئة الترابية، مضيفا أن المجالس الجهوية ستكون مزودة بآليات لتمويل التنمية المندمجة، من خلال على الخصوص، إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي وصندوق عمومي للتضامن بين الجهات. وأشاد الأساتذة الإسبان بالتقدم والمستجدات التي جاء بهذا الدستور الجديد. وأشار أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق ببرشلونة خوان بينترو، على الخصوص، إلى أهمية دسترة اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للمملكة إلى جانب اللغة العربية، وتكريس الحقوق الأساسية. وفي السياق ذاته، ركزت أستاذة القانون الدستوري بنفس الكلية جوسيب ماريا كاستيلا، على الخصوص، على الأهمية الممنوحة لموقع المعارضة البرلمانية، وتعزيز آليات الحكامة الجيدة وفقا للدستور الجديد. ومن جهته، أشار مانويل خوصي تيرول أستاذ القانون الدستوري بجامعة بابلو دي أولافيد بإشبيلية إلى أن الدستور المغربي أخذ بعين الاعتبار التطورات التي عرفها المجتمع المغربي، مبرزا تكريس الدستور للحريات والحقوق الأساسية.