اجتاز المغرب محطة الانتخابات التشريعية، الأولى في ظل الدستور الجديد، وعبر المغاربة عن رأيهم، وقدمت لنا أصوات الناخبين ترتيبا للأحزاب، سيؤطر المرحلة المقبلة. وبالرغم من كل الاختلالات التي سجلت يوم الاقتراع هنا وهناك، خاصة عبر الاستعمال المكثف للمال في عدد كبير من جهات المملكة، والإغراءات والضغوط المختلفة التي مورست في محيط مكاتب التصويت، وبالرغم أيضا من ضغوط واستهدافات تمت أثناء فترة إيداع الترشيحات، فإن المحصلة الإجمالية تؤكد مع ذلك أن المحطة جرت بنجاح إجمالا، ويتطلع شعبنا أن تؤدي نتائجها إلى التقدم في مسلسل التنزيل السليم لمقتضيات دستور فاتح يوليوز، وإلى جعل بلادنا تمر إلى سرعة أكبر في دينامية إنجاح الأوراش الديمقراطية والتنموية الكبرى. لقد شهدت انتخابات 25 نونبر2011 نسبة مشاركة بلغت 45 في المائة، ورغم أن الأمل كان أن تكون النسبة أكبر من ذلك، لكن إكراهات السياق الوطني والإقليمي، والظرفية المناخية في بعض المناطق ربما كان لها رأي آخر، وتبقى النسبة مع ذلك معدلا إيجابيا، ويمكن الانطلاق منه لمواصلة التعبئة والاعتماد على الأحزاب الجادة لجعل الاهتمام بالشأن العام أكثر جاذبية للمغاربة. أما من حيث النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، فإن كثيرا من المراقبين كانوا يتوقعونها بخصوص موقع الصدارة، كما أن سياقات إقليمية ومزاجية عامة، بالإضافة إلى المجهود الذاتي للحزب الفائز كانت تقود إلى ذلك، ويسجل كذلك هنا أن التصويت جعل أيضا عددا من أحزاب الأغلبية المنتهية ولايتها، وأحزاب الكتلة الديمقراطية في المراتب المتقدمة، ومكن من فرز ثمانية أحزاب كمكونات أساسية لمجلس النواب الجديد، وكل هذا يجعل النتيجة بمثابة تعبير عن رغبة شعبية في اختيار الأحزاب الجادة، وأيضا في دفع مكونات مشهدنا الحزبي إلى قطبية أكبر، وإلى عقلنة أكثر وضوحا لتعدديتنا السياسية، وهي خلاصات أولية ربما يجب تطويرها وبلورتها في المستقبل على مستوى تفكيرنا الحزبي والسياسي الجماعي. وفي السياق نفسه، فإن نتائج الاقتراع تطرح أيضا على كل حزب دروسا لتقييم ذاته وأدائه الخاص، والسعي للتطوير في المستقبل، وهذه مهام موكولة طبعا إلى الهياكل الداخلية لكل حزب، على أساس تفعيل نقاش حزبي عقلاني رزين بغاية تطوير منظومتنا الحزبية الوطنية وتأهيلها للقادم من التحديات. وحيث أن القاعدة الديمقراطية تحتم اليوم، بالرغم مما سلف، احترام إرادة شعبنا والقبول بما أفرزته صناديق الاقتراع، بغض النظر عن الارتياح أو عدم الارتياح للنتيجة ، فإن حزب العدالة والتنمية الذي احتل الرتبة الأولى يستحق التهنئة على ذلك، ونتمنى لبلادنا مواصلة نجاحها على صعيد العملية الديمقراطية، والاستمرار في الإصلاحات بما يعزز مشروعها المجتمعي الديمقراطي الحداثي، كما نأمل أن ينجح العدالة والتنمية في امتحان ممارسة تدبير الشأن العام في هذه الظرفية الصعبة سياسيا واقتصاديا ودوليا وإقليميا. إن الجهات السياسية المعروفة اليوم، والتي عمدت في فترة سابقة إلى محاولة إعادة إنتاج أساليب التحكم في الحياة السياسية، وكانت ترسم الخرائط والتوقعات كما تشاء وتسعى إلى فرضها، عليها اليوم أن تقرأ جيدا رد الشارع، وتفهم نتائج صناديق الاقتراع، وتدرك حجم تيهها. لقد صوت المغاربة يوم 25 نونبر من أجل الاستمرار الجدي في مسلسل الإصلاح، ونادوا بضرورة الانكباب على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وطالبوا بحماية تميز النموذج الديمقراطي لبلادهم وحفظ استقرارها وأمنها ووحدتها، وقد بين التصويت أن طريق التغيير يوجد في كثافة المشاركة الشعبية، وفي تقوية الأحزاب الجادة وذات القرار المستقل، وفي مواصلة دينامية الإصلاح والانفتاح. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته