شكلت سنة 2023 منعطفا اقتصاديا حاسما للمقاولات الفرنسية. فما بين التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وسداد ديون جائحة كورونا، تعددت التحديات التي كان على أرباب العمل الفرنسيين مواجهتها خلال السنة الماضية، مما أدى إلى تسجيل مستويات قياسية من حالات الإفلاس، والتي من المتوقع أن ترتفع خلال 2024. ومع فتح 57 ألفا و729 مسطرة إفلاس خلال 2023، بما في ذلك 41 ألف و85 تصفية قضائية، ارتفع عدد حالات الإفلاس في فرنسا بنسبة 36 في المائة تقريبا مقارنة بعام 2022، وفقا للبيانات الأخيرة التي نشرها مكتب "ألتاريس". وهذا هو أحد أعلى المستويات المسجلة خلال الثلاثين عاما الماضية. وعكس الفصل الأخير من 2023 لوحده الصعوبات التي يواجهها الفاعلون الاقتصاديون الفرنسيون، مع بلوغ عدد المقاولات المتخلفة عن السداد 16 ألف و800 مقاولة، وهو رقم قياسي منذ 2012-2013. وفي الوقت الحالي، يعتبر قطاع البناء أحد أكثر القطاعات التي تعاني من ارتفاع حالات إفلاس المقاولات. ويمثل قطاع البناء والأشغال العامة لوحده 24 في المائة من جميع حالات الإفلاس التي سجلها مكتب "ألتاريس" في فرنسا عام 2023. وينعكس ذلك من خلال 14 ألف و112 مقاولة مفلسة، وهي زيادة مذهلة بنسبة 40,7 في المائة في عام واحد. أما في قطاع التجارة، فقد تجاوزت حالات الإفلاس 12 ألف و400 مقاولة وفقا ل "ألتاريس"، مع 1130 فقط في تجارة الملابس بالتجزئة (أي بزيادة 51,3 في المائة). وفي قطاع الخدمات المقدمة للمقاولات، فقد تم تسجيل 7561 حالة إفلاس (زائد 36,1 في المائة)، وفقا للمصدر ذاته. في هذا الصدد، يقول مدير الدراسات بمكتب "ألتاريس"، تييري ميلون، إنه "بعد مرحلة الانتعاش لبعض المقاولات التي ظلت صامدة بفضل تدابير الدعم المطبقة منذ أزمة كوفيد، ندخل الآن مرحلة جديدة أكثر هيكلية وأكثر ارتباطا بأوجه القصور المالية للمقاولات التي يتعين عليها العمل في بيئة اقتصادية متوترة". وأكد الخبير أن "تراجع النشاط الاقتصادي، وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، وضعف الاستهلاك، تشكل عوامل خطر كبيرة على المقاولات الفرنسية التي تعاني من ضعف مالي بعد سلسلة من الأزمات". وأضاف أنه "حتى أكبر الفاعلين لم يسلموا من الأزمة، وبالتالي من المحتمل نقل مخاطر الإفلاس إلى مورديهم والمقاولين المتعاقدين معهم"، مسجلا أن الإفلاسات أثرت على 171 مقاولة تضم 100 مستخدم على الأقل في العام 2023، وهو أعلى مستوى منذ 2014. ووفقا لمحللي مجموعة "بي بي سي إي"، الهيئة المركزية المشتركة للبنك الشعبي الفرنسي وبنك الادخار الفرنسي، من المتوقع أن ترتفع حالات إفلاس المقاولات مرة أخرى في العام 2024، ويمكن أن تصل إلى 62 ألف حالة، بزيادة قدرها 10 في المائة مقارنة بعام 2023. وأكد خبراء "بي بي سي إي" أن هذا السيناريو يخضع للعديد من العوامل، الإيجابية والسلبية، مثل تطور النشاط ومعدلات الفائدة والتضخم، ودرجة مرونة المقاولات في سداد ديون كوفيد". وسجل المصدر ذاته أن حالات الإفلاس ستتسارع بين المقاولات الصغيرة جدا خلال 2024، في حين ستستقر من جانب المقاولات الصغرى والمتوسطة. وتتوقع "بي بي سي إي" تسجيل 62 ألف حالة إفلاس خلال 2024، مع تهديد قرابة 250 ألف منصب شغل.