تنطلق يومه الأربعاء (10 يناير 2024) فعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح العربي التي تحتضنها العاصمة العراقية بغداد، والتي تنظمها الهيئة العربية للمسرح بشراكة مع وزارة الثقافة العراقية ونقابة الفنانين العراقيين، والتي ستتواصل على مدى تسعة أيام بنهاراتها ولياليها إلى غاية الثامن عشر من الشهر الجاري.. لاشك أن هذه الدورة تعد بالشيء الكثير، إذ ستتسم بثراء استثنائي وبرمجة غنية، كما ستحمل في طياتها، إلى جانب ما دأب عليه المهرجان من تقاليد، بعض المستجدات والمتغيرات سواء على مستوى البرمجة أو الهيكلة التنظيمية أو على مستوى التواصل والإشعاع.. ولعل زخم العروض المسرحية واختلاف مشاربها الفنية، وكذا "استوديو التحليل" الذي يحل محل الندوات التطبيقية، والتصور الجديد للمجال الفكري للدورة وتعدد محاوره وموضوعاته… كل ذلك سيحفل بعدد من الإضافات النوعية وسيشكل فضاء رحبا للفرجة والمتعة الفنية، وإطارا مفتوحا للمعرفة والتبادل ومنصة منفتحة لإشراك أكبر عدد من المسرحيين، الفنانين منهم والباحثين والنقاد والمهتمين.. على حد سواء. من ثمة من المتوقع أن تحبل هذه الدورة، سواء في شقها الفني الإبداعي أو في جانبها الثقافي الفكري، بالكثير من الأسئلة المستجدة في العالم المسرحي ولا سيما في المشهد المسرحي العربي الراهن؛ حيث سنشاهد عروضا وتجارب مسرحية مختلفة بأنفاس جديدة وباقتراحات واجتهادات فرجوية وبصرية معظمها من إبداع الجيل الجديد من الشباب المسرحي العربي الزاخر بالطاقات الإبداعية والكفاءات الثقافية. كما سنستمتع بالأبحاث العلمية، النظرية منها والنقدية، التي ستقدمها نخبة من نساء ورجال البحث المسرحي خلال الندوات الفكرية للمهرجان التي ستلتئم تحت الشعار الدائم "من أجل مسرح عربي جديد ومتجدد"، وسيدور محورها المركزي حول موضوع "المسرح في الوطن العربي، الآن وهنا… مساءلة المسارات والتحولات والأصداء". وهو موضوع يكتسي راهنية قصوى وسيثير لا محالة جملة من الأسئلة المرتبطة بنوعية وطبيعة الإبداع المسرحي العربي اليوم في علاقته بالعالم وما يستجد حوله من تغيرات.. وفي علاقته أيضا وأساسا بالفن المسرحي عموما وما تطرحه العولمة والتقنيات الجديدة والفضاء الرقمي من أسئلة وتحديات. وضمن المجال الفكري العام، سيتيح لنا المهرجان فرصة الاستماع والتعرف إلى تجارب مسرحية فلسطينية ناجحة في جلسة بعنوان "المسرح والمقاومة الثقافية في فلسطين"، حيث سنطلع على نماذج من تجربة مسرح الحرية من جنين؛ والمسرح الشعبي من رام الله؛ ومسرح سنابل من القدس.. ولأن فلسطين تعيش حاليا أياما أكثر تراجيدية ومأساوية، جراء الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة، وللإعراب عن تضامن المسرحيين العرب مع فلسطين وشعبها ومسرحييها، وللتعبير عن إدانتهم للعدوان الصهيوني الغاشم، فإن افتتاح مسلسل العروض المسرحية سيكون فلسطينيا بعرض مسرحية "ميترو غزة" لمسرح الحرية من مخيم جنين، عن نص لخولة إبراهيم، إعداد محمد أبو سل، إخراج الفرنسي هيرفي لويشيمول. وكالعادة، يصادف افتتاح المهرجان تخليد المسرحيين العرب لليوم العربي للمسرح.. حيث دأبت الهيئة العربية للمسرح على تكليف مبدع (ة) عربي (ة) ليكتب كلمة/ رسالة اليوم العربي للمسرح، كل سنة، منذ تأسيسها سنة 2008، إذ تقرر في مؤتمرها التأسيسي إحداث هذه الذكرى، وبعدها قررت الهيئة إطلاق مهرجان المسرح العربي الذي احتضنت القاهرة دورته الأولى عام 2009. وإذا كانت الرسالة الأولى لليوم العربي للمسرح والتي كتبها اللبناني د. يعقوب شدراوي، قد ألقيت في المؤتمر التأسيسي للهيئة، فإنها صارت، فيما بعد، تلقى في افتتاح المهرجان منذ دورته الأولى سنة 2009 بالقاهرة حيث كتبتها الفنانة المصرية سميحة أيوب. وهكذا تعاقب على هذه المهمة الثقافية المشرفة عدد من المسرحيين العرب منهم ثلاثة نساء تعتبر الفنانة نضال الأشقر رابعتهن بعد الممثلة المغربية ثريا جبران في دورة الدوحة (2013)، والكويتية سعاد عبد الله في دورة عمان (2012)، والمصرية سميحة أيوب، كما سبقت الإشارة، في دورة القاهرة (2009). واختيار الفنانة والمناضلة نضال الأشقر لتحرير وتلاوة رسالة هذه السنة ينطوي على أكثر من دلالة رمزية. أولها الإشادة بالحضور الوازن للمرأة المسرحية العربية من خلال مسار الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، وثانيها تثمين قيم النضال والالتزام والحرية التي ما فتئت نضال الأشقر تدافع عليها سواء في المحافل الثقافية أو السياسية.. وثالثها، وليس آخرها، إرسال إشارة ود وتضامن للشعب اللبناني والمسرح اللبناني.. ولعل مفردات ومتون رسالة هذه السنة تعكس عمق الأسئلة حول الديمقراطية والحرية المحيطة بمسرحنا العربي هنا والآن وغدا.. من جانب آخر، تجدر الإشارة والإشادة بنوعية المشاركة المغربية في هذه الدورة، حيث سيشارك وفد مسرحي وازن مكون من ثلاثة فرق مسرحية ومن 57 فنانة وفنانا من ممثلين وكتاب ومخرجين ونقاد وباحثين بالإضافة لإعلاميين من الصحافة المغربية. وفي باب العروض المسرحية التي تم انتقاؤها من قبل لجنة مختصة، ستشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهي "مسار التنافس على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي"، مسرحيتان مغربيتان هما: مسرحية "إكستازيا"، لمؤسسة أرض الشاون للثقافات، من شفشاون، تأليف وإخراج ياسين أحجام. ومسرحية "تكنزا قصة تودة"، لفرقة فوانيس المسرحية من وارزازات، تأليف طارق الربح وإسماعيل الوعرابي وأمين ناسور، إخراج أمين ناسور. علما أن 13 فرقة مسرحية عربية ستتنافس على هذه الجائزة. وتشارك على هامش المسابقة في المسار الثاني، مسرحية "كلام"، لمسرح الشامات من مكناس، نص لمحمد برادة (كلام يمحوه كلام)، إخراج بوسلهام الضعيف، وذلك ضمن 7 عروض تشارك على هامش المنافسة الرسمية. كما سيشارك عدد من الباحثين المغاربة في مناقشات "أستوديو التحليل" وندوات المؤتمر الفكري للمهرجان. ومعلوم أن المسرح المغربي، سواء من خلال هذا المهرجان، أو مهرجانات أخرى، يحتل مكانة مرموقة على صعيد المشهد المسرحي العربي، إبداعا وبحثا، حيث توج المسرحيون المغاربة في أكثر من دورة بنيل "جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي" التي نالتها مسرحية "خريف" في الدورة التاسعة عام 2017، وهي من إنتاج فرقة "أنفاس" ومن إخراج أسماء الهوري.. ومسرحية "صولو" في الدورة العاشرة عام 2018 وهي من إنتاج فرقة "أكون" ومن إعداد وإخراج محمد الحر. كما توج عدد من الباحثين الشباب المغاربة في المسابقة الخاصة بالبحث العلمي المسرحي. في الختام لا يسعنا إلا أن نتمنى لأشغال دورة بغداد وافر النجاح والتوفيق.