يبدو أن القضاء أصبح المتهم الأول في ما يحيط بالسياسة الجنائية من خلل، حيث ما أوشكت تداعيات الانتقادات التي وجهتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج للقضاء بتحميله المسؤول عن وضعية الاكتظاظ التي تشهدها السجون تهدأ، حتى خرج وزير العدل بتصريح عاصف، وصف فيه الأحكام الصادرة عن هذا الجهاز بالقاسية، حيث يقضي بسنوات من الحبس على المتهمين تتجاوز ما ينبغي الحكم به. و في رد فعل على هذه التصريحات التي رتبها بعض القضاة في حكم الخرق القانوني الواضح، أبدى المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب في بلاغ أصدره بهذا الخصوص وتوصلت جريدة بيان اليوم بنسخة منه، استغرابه لصدور مثل هذا التصريح الخطير وغير المسؤول والذي تكرر لعدة مرات، عن وزير العدل الذي يفترض فيه الالتزام بأقصى قواعد المسؤولية المطوقة بواجب التحفظ واحترام باقي مؤسسات الدولة وسلطاتها، وفي مقدمتها السلطة القضائية. وحرص النادي في هذا الصدد، على التذكير بأن القضاء مستقل عن السلطة التنفيذية وفقا للفصل 107 من الدستور، وليس من اختصاص وزير العدل، كمسؤول حكومي، مؤكدا على أن مراقبة وتقييم الأحكام القضائية الصادرة باسم جلالة الملك وطبقا لما يقضي به القانون، ولا حق له في ذلك، طالما أن القانون قد حدد طرق الطعن فيها على سبيل الحصر. هذا ووصف، التصريحات الصادرة عن المسؤول الحكومي بأنها مساس خطير بهيئة القضاء وسمعته وسلطته واستقلاله ، بل تشكل تطاولا على أحكامه ومقرراته، مسجلا أن من شأنها نسف كل المجهودات المبذولة لإرجاع الثقة في القضاء وأحكامه وذلك لما تنطوي عليه من اتهامات بإصدار أحكام قاسية، يدحضها الواقع والإحصائيات المتوفرة لدى وزارة العدل نفسها، كما تكذبها الأسباب الكامنة وراء الرغبة في سن قانون العقوبات البديلة، وهي كثرة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، أي الأحكام غير القاسية. ويشار أن وزير العدل، أدلى بهذه التصريحات التي كانت مثار انتقادات واسعة لدى الجسم القضائي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية المعقدة بتاريخ 24 أكتوبر الجاري، والتي قال فيها " إن الأحكام القضائية في المغرب قاسية، ومن يستحق سنة حبسا يحكم عليه بخمس سنوات، ومن يستحق عشر سنوات يحكم عليه بعشرين سنة". وللتذكير فإن نادي قضاة المغرب، عاش خلال الأشهر الماضية أياما عصيبة في علاقته مع وزارة العدل التي رفضت استقبال ممثليه، كما استبعدت النادي من المشاورات التي تهم عديد قرارات و مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح منظومة العدالة، بدعوى أن المخاطب الأوحد والمباشر يبقى هو المجلس الأعلى للسلطة القضائية.