تراث متجذر وخطاب كوني يستهدف القيم الإنسانية السامية على رمال شاطئ الصويرة، سيلتقي اليوم، الفارس على جواده، بالمعلم الكناوي ممتطيا صهوة روحه السامية المتوثبة. الفروسية أما الطقوس الكناوية تراث العائلات الكبيرة وتراث الفقراء. وجها لوجه في مبارزة لاستعراض المهارات الفنية، واستحضار الذاكرة المغربية الجمعية، لتنتصر قيم المحبة والأخوة، ويدا في يد يعطيان انطلاقة الرحلة الثالثة عشرة من مهرجان الصويرة الكبير حيث سيكون لصراخ النوارس الفوضوي مكان داخل هذه اللوحة البديعة. مهرجان الصويرة الذي يحتفي بالتراث الكناوي، مازال لم يتوقف عن إدهاشنا دورة بعد أخرى، من حيث ابتعاده عن المهرجانات ذات الطابع الفرجوي البسيط، ليجعل من كل دورة سؤالا جديدا يكشف عن جانب خفي من الطقوس الكناوية وهذه السنة سوف يتم التركيز على «تثمين فن الرقص الذي يغير ملامح الإيقاعات» حيث سيسود هذه الدورة تناغم بين الموسيقى والحركات الجسدية الراقصة، إبرازا للهوية الاستعراضية لهذا الفن الأصيل. ووفاء لرسالته الفنية المتمثلة في إبراز الأبعاد الكونية والإنسانية للإبداع الكناوي، سيشهد البرنامج المزيد من حفلات المزج بين معلمين كناويين مرموقين وموسيقيين من ذوي الصيت العالمي. في حفل الافتتاح اليوم، وعلى منصة مولاي الحسن سيلتقي الأخوين محمد وسعيد كويو في عرض خاص ستبرز معه الرقصات البلقانية والقوقازية من خلال فرقة البالي الجورجي الوطني سوكيشفيلي و الألوان الموسيقية الكناوية سيشكلون معا فسيفساء من التعبيرات والألوان وموجات إيقاعية من الحركة والسكون. اليوم أيضا وعلى نفس المنصة، سيتألق المعلم حسن بوسو مع فرقة آرمينين نافي باند. ومن خلال تجربته الفنية عبر التأثيرات الموسيقية المختلفة، يعتبر حسن بوسو معلما رائدا في جيل شباب معلمي كناوة، وسيكون لقاؤه مع فرقة آرمينين نافي باند التي تجمع بين الإيقاعات الحديثة والموسيقى الشعبية من أرمينيا، واحدا من أهم حفلات المزج الموسيقية الرئيسية لهذه الدورة. أما بدار الصويري فسيكون اللقاء مع ليلة المعلم عمر حياة، وعند كبير سيتألق كل من المعلم عادل عميمي، إبراهيم تركماني مع نيناد كاجين وألان هويست في حفل مزج رائع أما بزاوية كناوة ستدور الحلقة حول المعلم علال السوداني في ليلته. كما تم تخصيص منصتي الشريكين الرسميين للمهرجان، لأغاني الموجة الجديدة أو ما نسميه مجازا أغاني الشباب حيث لن تنطلق الحفلات على هاتين المنصتين إلا يوم غد الجمعة بحفلاتها التي ستستقطب جمهورا شابا بالأساس. شجرة الكلمات وفاء لتقاليده، سيحتفي مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالتقريب بين الثقافات عبر منبر شجرة الكلمات الذي يعد منتدى حواريا مفتوحا يجمع بين الفنانين والجمهور. يعقد كل يوم ابتداء من الساعة الخامسة بعد الزوال في مقر الرابطة الفرنسية في الصويرة، وتطغى على هذا المنتدى روح الحميمية والمشاركة، التي تعزز التبادل بين الثقافات في جو أخوي، وسيستضيف منتدى شجرة الكلمات الذي ستقوم الناقدة الموسيقية ايمانويل أونوران بتنشيطه وسيشارك الفنانون يوميا في هذه الدورة وكذا معلمي كناوة الأكثر شعبية. من نقط التميز المضيئة لمهرجان كناوة أنه لا يهدف إلى الاحتفاء بالفرجة الكناوية فقط ولا يعمد إلى تقديم الطقوس الكناوية كفولكلور في مهرجان الصويرة ولكن كتراث يمتلك جذورا ثقافية، كخطاب إنساني ينشد السلام والعدالة، الحوار والحفر حول الجوانب العميقة في هذا التراث ودورة بعد أخرى يتم استدعاء متخصصين ونقاد وموسيقيين لمناقشة هذه الظاهرة الغنائية. سوف يتحول هذا المهرجان بحمولة الألم المرافق لدندنات الكنبري، إلى محطة فلسفية تستوقف البشرية، لتتأمل في حجم الشرور التي ارتكبتها في الماضي، وربما الالتفات لحجم الشرور التي ماتزال سارية. لان التراث الكناوي الذي خرج من رحم المعاناة والألم البشري المرتبط بالاستعباد واجتثاث الجذور القسري، لأن هذا التراث استطاع الصمود منتصرا للإنساني، هذه كانت رسالة الفنون الراقية عبر التاريخ، هذا فن مختلف ذو جذور مغربية وأصول موغلة في الثقافة الزنجية الإفريقية فهو يستحق أكثر من وقفة تأمل. وقد يخطئ من يعتقد أن الطقوس الكناوية عبارة عن أغاني، إيقاع ورقصات ستكون نظرة سطحية واختزالية لهذا الفن الذي هو عبارة عن مجموعة طقوس تتكامل في ما بينها يلتقي ويختلف فيها الروحاني الغيبي، والخرافي السحري، والإنساني الثائر الهائج الحزين المستسلم في سلاسله، الطقس الكناوي يدعي اختراق الخفي والقدرة على استدعاء «ملوك الجن» بأسمائهم وألوانهم ومخاطبة الأرواح بالتمائم والبخور، وكل هذه المظاهر ليس من شأنها إلا تأثيث فضائي إبداعي هو قبل ذلك سجل للعذابات الإنسانية، وخطاب كوني يتوجه إلى الإنسان من خلال تعبيراته الحسية المشتركة، لأنه غالبا ما تكون وراء الإبداع النبيل والأعمال الفنية الأكثر جمالا حمولة من الألم والقهر وهذا ما يظهره الكناويون عادة في إبداعاتهم.