قال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إدريس اليزمي، إن تجربة المغرب في ما يتعلق بجبر الضرر الجماعي تعد «أول تجربة حقيقية طويلة النفس على الصعيد الكوني»، مقارنة مع تجارب أخرى مماثلة عرفتها بعض الدول. وأوضح في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش لقاء تأبيني احتضنته مدينة بومالن دادس (إقليم تنغير)، بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة الحقوقي الراحل محمد بردوزي، أن تجربة المغرب في جبر الضرر الجماعي تستمد فرادتها من كونها تعكس تطورا في التفكير حول هذه الإشكالية التي كانت موضوع اهتمام «هيئة التحكيم المستقلة للتعويض» التي شكلت أول آلية من آليات تطبيق العدالة الانتقالية في المغرب. وأضاف أن طول النفس الذي يميز التجربة المغربية في ما يتعلق بجبر الضرر الجماعي يتضح كذلك في أن التفكير في بلورة أفضل التصورات الخاصة بجبر الضرر الجماعي اعتمد مقاربة تشاركية منذ انطلاقته، فضلا عن تعدد المحاور التي يتم الاشتغال عليها في إطار تنزيل برامج ومشاريع جبر الضرر الجماعي على أرض الواقع. وسجل اليزمي في هذا السياق أيضا الجدية التي لازمت العمل على تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الشق المتعلق منها بجبر الضرر الجماعي من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرا في هذا الإطار بالتنسيق الواسع للمجلس مع هيئات المجتمع المدني، وكذا بعشرات المشاريع التي خرجت إلى حيز الوجود، أو التي هي في طور الإنجاز في جميع المناطق المشمولة ببرنامج جبر الضرر الجماعي في المغرب. ومن جملة الأسباب التي أضفت طابع التميز على التجربة المغربية في مجال جبر الضرر الجماعي، يقول اليزمي، هناك المبادرات الخاصة بخلق تنسيقيات محلية لهذا الغرض، وفتح مكاتب إدارية جهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى جانب إسناد مهمة متابعة تنفيذ مختلف البرامج والمشاريع المسطرة في هذا الإطار، على الصعيد المركزي، لأشخاص ينحدرون من المناطق الجغرافية المعنية بهذا البرنامج خاصة منها منطقتي الريف والجنوب الشرقي. من جهة أخرى، أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الأهمية التي تكتسيها التجربة المغربية، ضمن تجارب كونية أخرى، فيما يتعلق بجبر الضرر الجماعي في الشق المرتبط بالأرشيف والتأريخ وحفظ الذاكرة المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وبهذا الخصوص، قال د إدريس اليزمي إن المغرب أصبح يتوفر الآن على قانون عصري للأرشيف، وعلى «مؤسسة أرشيف المغرب» التي ستباشر العمل على ما تتضمنه الأطنان من الوثائق المتوفرة من معلومات ومعطيات حول تاريخ المغرب، مبرزا أن عمل هذه الهيئة لن يتوقف عند حدود الفترة التي اشتغلت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة (1956 حتى 1999)، بل سيشمل عمل هذه المؤسسة الحقبة التاريخية لما قبل الاستقلال، والتي توجد عشرات الآلاف من الوثائق الخاصة بها في الخزانات الأجنبية. وأشار اليزمي إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يولي أهمية قصوى ضمن برنامج عمله الخاص بجبر الضرر الجماعي إلى «الجانب التاريخي بمفهومه العلمي الدقيق»، مشددا على ضرورة التفريق بين المبادرات الخاصة بحفظ الذاكرة من جهة، والبحث التاريخي، خاصة في شقه المتعلق بالتاريخ المعاصر، من جهة ثانية. وأعلن في هذا الصدد أنه سيتم الشروع عما قريب في بناء المعهد المغربي للتاريخ المعاصر داخل حرم كلية الآداب بالرباط، إضافة إلى تنظيم ندوتين علميتين في كل من مدينتي الداخلة (14 و15 دجنبر 2011) وورزازات (23 و24 يناير 2012)، وذلك على شاكلة الندوة العلمية التي نظمت خلال شهر يوليوز الماضي في مدينة الحسيمة. وإلى جانب الأرشيف والتاريخ، قال اليزمي إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوصفه المحرك الأساسي لتنزيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، هو الآن بصدد التفكير في خلق متحف وطني لتاريخ المغرب، أو متاحف وطنية تعرف بالحضارة والتاريخ المادي واللامادي للمناطق التي ستتواجد بها هذه المتاحف التي ستكون في الوقت ذاته منفتحة على الفنون العصرية، ومندمجة في محيطها السوسيو- ثقافي والاقتصادي والمعماري والبيئي، وذلك بالشكل الذي من شأنه أن يجعل هذه المؤسسات أداة فعالة للتنمية المستدامة. وخلص إدريس اليزمي إلى القول إن هذا التصور يندرج ضمن أوراش التفكير المستقبلية، وذلك في إطار ما سيعرفه المغرب من تحولات كبرى في إطار تنفيذ مشروع الجهوية المتقدمة، والتي سيسايرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن طريق خلق لجان جهوية لحقوق الإنسان، عوض المكاتب الإدارية الجهوية المعمول بها الآن، حيث ستضم هذه اللجان النخب المحلية، والمجتمع المدني، والأكاديميين الذين من شأن إسهاماتهم أن تغني التصورات المتوفرة لدى الأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين حول مستقبل التنمية الجهوية التي تدمج البعد الحقوقي، ومقاربة النوع للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، خاصة منهم الفئات الاجتماعية الهشة.