بان كي مون: انتقال تاريخي وديمقراطي في ليبيا هيلاري كلينتون: بداية عهد جديد للشعب الليبي ليبيا حرة بالكامل.. وفرحة شعبية عارمة سيظل الخميس 20 أكتوبر، يوم مقتل معمر القذافي، يوما مشهودا في تاريخ الشعب الليبي، عنوانه الخلاص من أربعة عقود من حكم لم يؤمن أبدا بالغد الأفضل لشعب فرضت عليه الوصاية المطلقة، وسلطت عليه مظاهر الطغيان والاستبداد، وظل، مع ذلك، تواقا للحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية. بيد أن الثوار فضلوا، عقب قتلهم للقذافي، التريث وعدم الإعلان عن تحرير بلدهم بالكامل، واختاروا يومه السبت لتمرير خطاب يحدد خارطة الطريق لليبيا الجديدة. فقد قال محمود شمام وزير الإعلام الليبي، في تصريحات صحفية، أول أمس، بالعاصمة طرابلس، إن إعلان التحرير سيتم عبر بيان رسمي مفصل للمجلس الوطني الانتقالي. وأشاد محمود شمام بالتضحيات التي قدمها الشباب الليبي والنساء الليبيات من أجل إنجاح الثورة، مؤكدا أن ما جرى في ليبيا «هو ثورة شعبية بكل ما في الكلمة من معنى»، وأن «ليبيا الجديدة لن تحيد عن أهداف الثورة التي شرعت أبواب الأمل والمستقبل الواعد ليس فقط لمواطنيها، ولكن أيضا لباقي الشعوب والبلدان في محيطها المغاربي والعربي وكذا الدولي. وحرص شمام على إبراز معاناة المجتمع الدولي، والمنطقة المغاربية بالخصوص، من ممارسات القذافي أحد أهم الداعمين والممولين للانفصاليين، والذي لم يبخل يوما ما بتوفير الوسائل الضرورية لدعم البوليساريو ماديا وعسكريا ولوجيستيا بمباركة النظام الجزائري الذي سانده حتى آخر لحظات حياته في محاولة منه لمضايقة المغرب. بهذا الخصوص، سيحفظ التاريخ الإفريقي للعقيد المخلوع/ المقتول خرجاته الإعلامية الداعية إلى ما يسمى تقرير المصير والاستفتاء في الصحراء الذي رفضته الأممالمتحدة والمجتمع الدولي منذ مدة طويلة كحل غير واقعي ولا يمكن تحقيقه. كما سيحفظ التاريخ للبوليساريو ومن ورائها الجزائر عدم نسيان رد الجميل للقذافي خلال أيامه الأخيرة العصيبة. حيث قام مئات من مرتزقة (البوليساريو)، الذين مروا من التراب الجزائري، بتقديم يد العون للقوات الموالية للعقيد منذ بداية الثورة. وقد تم الكشف من قبل المجلس الوطني الانتقالي الليبي عن هذا التوطؤ القذافي-البوليساريو بكل وضوح، ورددته العديد من وسائل الإعلام على الصعيد العالمي، مقرونا بجرد لتصرفات الزعيم الليبي الذي كان يزرع الفتنة باسم الثورة ولا تعوزه الإمكانيات في ذلك لدعم ما يسمى حركات التحرير. فمن اعتداء لوكربي، إلى المحاولات التي ساهمت في تقسيم السودان، مرورا بالانقلابات والتمردات في أمريكا اللاتينية وأوروبا (منظمة «إيرا» الإيرلندية وإيتا) وإفريقيا. تصرفات جنونية جعلت من القذافي وبالإجماع زارع الفتن في عهده. صفحات قاتمة، أجمعت ردود الفعل الدولية الصادرة أمس، على ضرورة أن يقوم الليبيون بطيها من أجل التوجه نحو بناء عهد جديد، تشكل المصالحة والإصلاح والانتقال وتعزيز قدرات البلاد على مواجهة التحديات عناوينه الرئيسية. ولعل أبرز الجوانب التي ركزت عليها ردود فعل المجموعة الدولية، تلك المتصلة بالتحديات التي تواجهها ليبيا الجديدة، بعد تخلصها من دكتاتور أحكم قبضه على البلاد لمدة 42 سنة، وإدارة المرحلة القادمة، وإقامة النظام الديمقراطى الحر الذي يلبي طموحات الشعب الليبى ويحقق أهداف ثورته ويتفق مع تضحياته العظيمة، لتعود ليبيا لتتبوأ مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية، ولتعيد، إلى جانب الدول المغاربية، بناء مغرب كبير على أسس التعاون البناء واقتلاع المشاكل والنزاعات المفتعلة. كما أن جانبا من ردود الفعل أكد على أن انتهاء مرحلة القذافي يلغي حتما أسباب تواجد قوات حلف الشمال الأطلسي (الناتو) في الأراضي الليبية التي باتت مطالبة بمغادرة ليبيا وترك الشعب الليبي يحدد مصيره بنفسه. وفي سياق الدعوات المرتبطة بضرورة طي صفحة الماضي الأليم، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إن مقتل القذافي يعد «انتقالا تاريخيا وديمقراطيا بالنسبة لليبيا».. مستدركا في الوقت ذاته أن «الطريق بالنسبة إلى ليبيا وشعبها سيكون صعبا وحافلا بالتحديات، وأنه حان الوقت الآن أن يتوحد جميع الليبيين». وأضاف بان كي مون الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي خصصه للتطورات الليبية «فلنقر فورا بأن هذا الأمر ليس سوى نهاية البداية» وأن على «مقاتلي الجانبين أن يسلموا أسلحتهم ويتوحدوا بسلام. إنه وقت إعادة الإعمار وتضميد (الجروح)، وقت نبل الأخلاق وليس للثأر». أما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فأكدت، في تعليق لها، أمس الجمعة، على تحول مجرى الأحداث في ليبيا، أن مقتل القذافي يشكل بداية عهد جديد للشعب الليبي، داعية الليبيين إلى البدء في تأسيس ديمقراطية جديدة تنهي «فصلا مؤلما في تاريخ ليبيا الذي يشكل في الوقت نفسه بداية عهد جديد للشعب الليبي». أما الصين التي لها حسابات لا تساير حسابات الغرب في التعاطي مع الربيع العربي، فدعت الليبيين إلى الانخراط في «مرحلة انتقالية توحيدية» وإلى الحفاظ على «الوحدة الوطنية» بعد مقتل القذافي. وإلى جانب ردود الفعل الغربية، خرج الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بموقف يدعو فيه الشعب الليبي إلى تجاوز جراح الماضي والتطلع نحو المستقبل بعيدا عن ضغائن ومشاعر الانتقام ودرء كل ما يعطل استعادة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي بين أبناء الشعب الليبي. وناشد نبيل العربي «جميع القوى السياسية والقيادات الوطنية الليبية التلاقي وتوحيد الصف والتكاثف الوطني الشامل من أجل بناء ليبيا المستقبل التي تحقق أماني الشعب الليبي وطموحاته في الحرية والانتقال السلمي إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن الإرادة الحرة الوطنية للشعب الليبي ويحفظ استقلال ليبيا ووحدتها وأمنها واستقرارها». بدوره رحب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان اوغلو ب «طي صفحة» نظام القذافي، ودعا الليبيين إلى الوحدة والابتعاد عن الثأر، مضيفا أن من شأن «السيطرة الكاملة للثوار على كامل الأراضي الليبية وطي صفحة النظام السابق أن يضعا حدا لنزاع مسلح استمر أكثر من ثمانية أشهر وأزهق أرواح آلاف الأبرياء وهدد وحدة البلاد». وإذا كانت ردود الفعل الدولية قد ركزت في معظمها على دعوة الليبيين إلى الانكباب على معالجة جراح الماضي من دون حس انتقامي، وإرساء دولة المؤسسات بما يمكن من تحقيق النمو، فإنها سلطت من جهة أخرى الضوء على مستقبل قوات الناتو في ليبيا عقب انتهاء مرحلة القذافي. في هذا السياق قال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن انتهاء مهمة الحلف الأطلسي في ليبيا «باتت مطروحة»، موضحا أن الحلف الاطلسي سوف «يدرس مستقبل المهمة خلال الأيام المقبلة»، وبأنه يتوجب على ليبيا أن تواجه «عددا من التحديات..وأن أي قرار يجب أن يتخذ بالتفاهم بين الدول الأعضاء في الحلف. وعلى الرغم من كل السيناريوهات المحتملة لمستقبل ليبيا الحرة، فإن هذه الأخيرة مطالبة بتجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخها وتجنب منطق الانتقام وتدشين حقبة جديدة عنوانها الأبرز المصالحة والإصلاح والبناء الداخلي والمغاربي.