انتقل إلى عفو الله مساء الإثنين الماضي بالدارالبيضاء الفنان والممثل مصطفى سلمات عن عمر يناهز 67 عاما بعد معاناة مع مرض شرس نهش جسد الفنان الذي طالما تحرك بحيويته المعتادة على المسرح وعبر شاشتي السينما التلفزيون، من أجل إدخال البسمة على المشاهد المغربي ليرحل في صمت بعد أن نال منه هذا الداء الخبيث. بدأ مصطفى سلمات المسرح وهو تلميذ بمدرسة التعليم الابتدائي سنوات الستينات، وفي أنشطة نوادي الأحزاب الوطنية ودور الشباب والثقافة، حينما كانت تتواجد دار ثقافة واحدة في المدينة القديمة.. وبعد انتقاله إلى مستوى التعليم الثانوي، سيدخل مصطفى سلمات إلى المعهد المسرحي وهو ما سيفتح له إمكانية أن يلتحق بفرقة مسرح الطيب الصديقي، ومع فرقة المعمورة الذائعة الشهرة والصيت آنذاك. ثم مع فرقة مسرح اليوم رفقة المسرحية ثوريا جبران.. لم يكتفي المسرحي مصطفى سلمات بالتمثيل على الركح، بل مارس الإخراج المسرحي، كما اشتغل في الدراما التلفزيونية وفي السينما. وتعد «مدينة النحاس» أول مسرحية لعبها سلمات كانت مسرحية «مدينة النحاس» في سنة 1965 مع المسرحي الطيب الصديقي على ركح المسرح البلدي. بالنسبة للتلفزيون، شارك مصطفى سلمات في «الأب العجوز» و»زهر وقدور»، وغيرها من الأعمال، بحيث عرف رحمه الله بعمله الغزير مع المخرجة فريدة بورقية التي شارك معها في أغلب أعمالها التلفزيونية، فهو لا ينسى هذه التجربة المتميزة والفارقة في مساره الفني إلى جانب بورقية التي يؤكد في تصريحاته الصحفية وخرجاته الإعلامية على أنها كانت أعمالا جيدة. من بينها «عز الخيل مرابطها» و»حوت البر» و»الدار الكبيرة» و»جنان الكرمة» و»عبد الرحمان المجذوب». وفي المسرح أبدع وتألق مصطفى سلمات في العديد من الأعمال المسرحية المغربية التي لا زالت خالدة في وجدان جمهور المسرح وذاكرة المهتمين والمشتغلين بأب الفنون، كمسرحيات «سلطان الطلبة» و»عطيل» و «أبو حيان التوحيدي» و «المقامات» و»الغفران»، وهي أعمال، قال عنها المسرحي مصطفى سلمات، بأنها إبداعات لا تنسى، ولا تموت. كما كان لمصطفى سلمات مشاركات مسرحية إلى جانب مسرحيين عرب في بلدان عربية، كالفنانة السورية نضال الأشقر، ومن خلال جولات وعروض مسرحية من بينها «المقامات» في العراق وسوريا والأردن. إضافة إلى أعمال من المسرح العالمي. ولم يقتصر عمل سلمات في المجال الفني على المسرح والتلفزيون بل استهوته السينما والشاشة الكبرى، إذ تعامل مع أغلب المخرجين السينمائيين المعروفين في الساحة الفنية المغربية في أفلامهم السينمائية، كحسن بنجلون ومحمد إسماعيل وعبد الكريم الدرقاوي ومصطفى الدرقاوي. ومن أحدث أعمال سلمات قبل توقفه عن العمل الفني بسبب محنته الصحية مشاركته في الشريط التلفزيوني «الزمان العاكر» للمخرج محمد إسماعيل، والفيلم السينمائي «دوار الكلاب» للمخرج مصطفى بلخياط.، وآخر ظهور للفنان مصطفى سلمات كان على شاشة القناة الثانية في حلقة خاصة من برنامج «مسار» عرض مساء يوم الجمعة، 10 يونيو 2011، احتفى فيها عتيق بنشيكر، منشط البرنامج، بالفنان مصطفى سلمات، الذي أطل على عشاقه، بعد فترة صارع فيها المرض، بمظهر الرجل القوي، الوفي لفنه وجمهوره والمحب للحياة والسلام والأمل والوطن، وقد حضر هذه الحلقة بعض أبرز أصدقاء ومعارف مصطفى سلمات للإدلاء بشهاداتهم وانطباعاتهم في شخص هذا الفنان القدير، باعتباره أحد أبرز معالم ذاكرتنا الثقافية والمسرحية، حرصا على تقريب المشاهدين من أصالة دوره الفني الكبير، فضلا على رسالته الثقافية والاجتماعية والإنسانية العميقة، التي كان يضطلع بها طيلة مشواره، الحافل بالعديد من الأعمال والإنجازات. حضي الفنان القدير قبل رحيله بتكريم من طرف مسرح الطيب الصديق، بالدارالبيضاء، كان فيه نجم الأمسية والذي بدا سعيدا وهو محاط بإخوانه في العائلة الفنية من أمثال أحمد الصعري، حسن النفالي، عزيز الفاضلي، وحنان الفاضلي، وبنجله بكر السكرتير العام لمؤسسة الصديقي وشقيقه الزبير، ولقد عبر الفنان الطيب الصديقي في تصريح سابق لبيان اليوم بهذه المناسبة قائلا «الفنان مصطفى سلمات بالنسبة لي شخصيا هو أكبر ممثل في العالم العربي وذلك للعديد من الاعتبارات أولها احترامه الكبير لمهنته وانضباطه الشديد ولم أسجل أدنى مشكل يذكر في حق هذا الفنان على امتداد سنوات ممارسته الطويلة للتمثيل، وكدليل على ما أقول أن مصطفى سلمات يحترم وعوده ومواعيده، ومعروف عن هذا الفنان كذلك حفظه لدوره قبل الجميع، وبالنسبة لي يعد من كبار الممثلين في العالم العربي أحب من أحب وكره من كره». كما عبر حسن النفالي رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح في اتصال هاتفي أجرته معه بيان اليوم عن مدى أسفه لفقدان هذا الرجل العزيز الذي يعد هرما من أهرام المسرح المغربي، والذي كان يتميز عن زملائه الفنانين بأخلاقه وانضباطه والتزامه بمواقيت العمل، ويعد الراحل من أبرز الأسماء الفنية في مجال المسرح والسينما والتلفزيون بالمغرب، وقد انطلقت مسيرته الفنية منذ ستينيات القرن الماضي، وتألق سواء على خشبات المسرح أو عبر أدواره السينمائية والتلفزيونية، كما كان الراحل، يضيف النفالي، يتمتع بعزة نفس وببساطة في التعامل مع الآخرين، ويؤكد نقيب المسرحيين المغاربة ما ذهب إليه الطيب الصديقي من كون الفنان مصطفى سلمات ممثلا من العيار الثقيل، أداؤه التمثيلي يمتاز بالرقي، إضافة إلى كونه من بين أفضل العازفين، وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم النفالي بأحر التعازي لأسرة الفقيد ولكل الفنانين الذين عايشوا الراحل. وبصوت يملأه الحزن قال أحمد الصعري لبيان اليوم إن المغرب فقد شخصية كبيرة في مجال الفن، رجل ضحى بكل وقته وبكل ما يملك في سبيل الرقي بالفن المسرحي على الخصوص، كما أنه ترك بصمته على مستوى المسلسلات التلفزيونية والأفلام المغربية، زرع على شفاه مشاهديه البسمة وتجرع مقابله المرارة، عبر بعفويته وتلقائيته عن هموم المواطن المغربي وجسد شريحة هامة من مجتمعنا المغربي، تقمص أدوارا ثانوية ورئيسية، تعرفنا عليه، يقول الصعري، من خلال مسلسلات، لاسيما عبر تجسيده لشخصيات مختلفة، أدى أدواره بإتقان متناسيا ذاته وهو المعروف عند المقربين من الوسط الفني بنكران ذاته وبفنه الراقي الشعبي الذي يعبر وبجلاء عن بساطة هذا الفنان، واستطاع أن يدخل قلوب المشاهدين في مجتمعنا المغربي، عبر الشاشة الصغيرة من خلال أدواره المميزة. تغمد الله الفقيد برحمته وأدخله فسيح جناته وإنا لله و إنا إليه راجعون.