وزير الصحة يؤكد استمرار انخفاض حالات الإصابة ب"بوحمرون" للأسبوع الثامن تواليا    استفزازات متكررة من الجزائر في الأعياد الدينية.. مصادفات متفرقة أم سياسة ممنهجة؟    إيقاف ثلاث قاصرات متورطات في سرقة منزل بتجزئة المغرب الجديد بالعرائش    تساقطات مطرية ورياح قوية بالمملكة غدا الجمعة    نفحات إيمانية وأصوات خاشعة.. "برلمان.كوم" ينقل أجواء ليلة القدر من قلب أحد مساجد العاصمة الرباط (فيديو)    الجزائر تعتبر نائب القنصل المغربي بوهران "شخصا غير مرغوب فيه"    بركان تقصي طنجة من كأس العرش    أمير المؤمنين يحيي ليلة القدر المباركة ويسلم جوائز لأهل القرآن والحديث    طنجة: توقيف سائق اعتدى جسديًا على شرطي مرور بعد رفضه الامتثال وسط الشارع العام    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    محاولة اختطاف توقف أربعة أشخاص    مبادرة الحوث بثمن معقول إنجازات متميزة وتحديات جديدة في مسار الاستدامة    نشاط احتفالي بمركز "أمل الرباط" النفساني إحياء لليلة القدر    مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي للاحتفاء بمرور 250 سنة على اعتراف المغرب بالولايات المتحدة    "قائد تمارة" يقدم شهادة عجز .. والمتهمة تنفي معرفة هوية المسؤول    "كأس إفريقيا U20" تنظم في مصر    مدرب لبؤات الأطلس : نتوفر على منتخب تنافسي قادر على إحداث الفارق في كأس إفريقيا    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    شراكة استراتيجية بين اتصالات المغرب وإنوي لتسريع تعميم الألياف البصرية وشبكات 5G بالمملكة    الهاكا تُحذر من التراكم الإشهاري في رمضان وتدعو لموازنة الحقوق الاقتصادية والجماهيرية    حماس تنعي الناطق باسمها بعد استهدافه في غارة إسرائيلية    صواريخ حوثية تمطر مطار بن غوريون وحاملة طائرات أمريكية واسرائيل تعترض إثنين    أداء إيجابي ينهي تداولات البورصة    مخزون السدود يواصل الارتفاع بالمغرب وسط تفاوت بين الأحواض المائية    القضاء الجزائري يحكم على الكاتب بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات مع النفاذ    السماح لنزلاء المؤسسات السجنية بالتوصل بقفة المؤونة ابتداء من ثاني أيام عيد الفطر لمرة واحدة    في مقهى «الأندلسية» بالقاهرة وعندك قهوة زيادة وشيشة للبيه الأفندي المغربي    رسائل الإمارات 21 .. متحف المستقبل بدبي: المستقبل ليس شيئاً ننتظره وإنما نصنعه 2/2    بينهم رئيس بيت الشعر في المغرب مراد القادري .. تعيين أعضاء لجنة البطاقة الفنية المهنية    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    مطالب للحكومة باسترجاع أموال الدعم "المنهوبة" من مستوردي الأغنام    غيلان يخلف بن عيسى رئيسا لبلدية أصيلة    كرة القدم النسوية .. هذه لائحة اللاعبات المدعوات لوديتي تونس والكاميرون    الكونغرس الأمريكي يصدر قرارا يحتفي بالتحالف التاريخي والشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    بوطازوت تضطر للانسحاب من تقديم "للا العروسة" بعد إجرائها عملية جراحية    اعتقال أكثر من 1800 شخص على خلفية الاحتجاجات المناصرة لإمام أوغلو في تركيا    المنتخب السعودي ضيفا لبطولة الكأس الذهبية "كونكاكاف"    ألمانيا تدين داعشيا بفضل تعاون مغربي    غزة: 855 شهيدا منذ استئناف الضربات    الحكم في الجزائر على الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بالسجن النافذ 5 سنوات    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للفتيان    عادل أبا تراب ل"رسالة 24″: هذا هو سبب نجاح "الجرح القديم" ومقبل على تقمص جميع الشخصيات    المملكة المتحدة.. الذكاء الاصطناعي في طليعة المعركة ضد الجريمة    الجيش والكوكب يعبران إلى ثمن نهائي كأس العرش..    بنعلي : الهيدروكربورات والمعادن مفتاح السيادة الطاقية للمغرب    حب الحاجب الذي لا يموت..!    كأس العرش.. شباب السوالم الرياضي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على شباب بن جرير (3-1)    رايان إير تضاعف رهاناتها بالمغرب.. 30 مليون مسافر في الأفق    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فيدرالية قطاع الدواجن ترد على الاتهامات .. ردود مهنية على مزاعم المضاربة والتهرب الضريبي    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من الذاكرة السياسية للمناضل المحجوب الكواري -الحلقة 6-
نشر في بيان اليوم يوم 30 - 03 - 2023

شهد مغرب ما بعد الاستقلال وقائع سياسية كبرى مست الدولة والمجتمع، وأحداثا مؤلمة ميزت التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، ومحطات كان لها تأثير كبير على ما نحياه اليوم من حراك لا يختلف في أهدافه، برغم اختلاف الأسلوب والأدوات المستعملة فيه، عن حراك أشد وأقسى كان فاعلوه مناضلين من طينة متميزة، قهروا القمع والمعتقلات منذ ستينيات القرن الماضي، واستماتوا من أجل حق الشعب في إسقاط الفساد وفي نظام ديمقراطي وفي عيش كريم. فظلت أعينهم على الدوام شاخصة نحو وجه مغرب مشرق وجميل. ليس كل تاريخ هذه المرحلة من مسار الوطن مدونا. فمن المؤكد أن تفاصيل بقيت مخبأة تنتظر منا النبش في الركن الخفي من الذاكرة السياسية لرجالات رسموا بنضالاتهم أخاديد شاهدة على معلومات تفيد في إزالة بعض العتمة المحيطة بكثير من التفاصيل الغائبة. في حياة هذا الرعيل الأول من زعماء وقادة سياسيين أحداث مختلفة، فردية وجماعية، لا يمكن الاستهانة بأهميتها، لأنها تشكل عناصر من شأن إعادة قراءتها وترتيبها تسليط أضواء كاشفة على صرح الحدث أو الأحداث التي كانوا شهودا عليها أو اعتبروا جزء لا يتجزأ منها. لم يكن لنا من خيار للإسهام المتواضع في قراءة مرحلة ما بعد استقلال المغرب سوى طرق ذاكرة شخصية سياسية من الشخصيات التي راكمت خبرة سنين طويلة من النضال الملتزم، وما تعنيه من نضج ودراية وصدق في استحضار معطيات هامة ومثيرة يحصرها البعض في خانة «واجب التحفظ».
وقع اختيارنا على المحجوب الكواري، عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، كذاكرة مفتوحة على أحداث النصف الثاني من القرن الماضي وعلى أكثر من عقدين من هذا القرن الجديد عاشها أو عايشها. لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا. فالرجل لازال قائدا سياسيا تمتزج بين طيات شخصيته المتناقضات والمتآلفات. يفتح لنا صفحات سجل حياته بنوع من الحنين لتلك الأعوام التي عاشها أو عايشها.... المحجوب الكواري شخصية بارزة في حزب عريق. حزب ناضل، منذ أربعينات القرن الماضي، بتميز وبصدق وإصرار، رغم المنع والقمع، وذلك تحت يافطات متنوعة، فرض تغييرها صموده من أجل الأفضل للبلاد، قبل أن يحمل، أخيرا، اسم حزب التقدم والاشتراكية. المحجوب الكواري، المراكشي، ابن الطبقة الشعبية التي ظل ملتصقا بها، بهمومها ونضالاتها وأحلامها، بادلا لها من ذات نفسه كل ما يستطيع أن يبذله المواطن الصالح لوطنه، وجاعلا من صدر الطبقة الكادحة، في أشد لحظات النضال قتامة، متكئا لينا يلقي رأسه عليها فيجد فيه برد الراحة والسكون. من معين هذا المناضل، ومن تفاصيل حياته الشخصية، نقدم لقرائنا هذه الحلقات التي حاولنا صياغتها على شكل قصص وروايات وأحداث، وأحيانا طرائف ومستملحات، لتعميم الفائدة ولتسجيل أوراق شاهدة على مرحلة من تاريخ ما بعد استقلال المغرب.
طبع وتوزيع المناشير قنبلة موقوتة حملتها مع الرفاق بيوض وبلعكاف والغربي
في سنة 1968 انخرط المحجوب الكواري في النقابة الوطنية للمصالح الاقتصادية المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي، وشرع في تكثيف نشاطه الحزبي. كانت اجتماعات الخلية وقتئذ لا تمتد لأكثر من ساعة واحدة، حيث يهيئ جدول أعمال الاجتماع بشكل مدقق ومضبوط، ويتم تبادل الآراء بتركيز ثم توزع المهام وفق الأعمال المقترح على أعضاء الخلية القيام بها، وبعدها ينصرف كل واحد من المجتمعين إلى حال سبيله.
كان طبع وتوزيع المناشير من المهام الخطيرة التي يتكلف بها المحجوب الكواري وعبد المجيد الذويب يوميا باستثناء يومي الأحد والاثنين.. يقول بهذا الخصوص: "بعد طبع المناشير كنت أضع على منضدة تلك التي ستوزع على الصعيد الوطني، وعلى منضدة أخرى المناشير التي يجب بعثها للرفاق في العديد من الدول الأوروبية . كانت هذه المناشير تتضمن مواقف وتعليمات الحزب، وبالتالي كان من اللازم اتخاذ كل الحيطة والحذر كي لا تقع في أيدي البوليس السياسي. كان الديوان السياسي هو من مدني بلائحة لكل رفاق الحزب في الخارج، وكانت هذه أمانة تنوء بحملها الجبال".
الرفيق العربي بلعكاف نهاية ستينات القرن الماضي
بأحد شوارع الدار البيضاء
والواقع أن المحجوب الكواري تحمل عبء كبيرا وواجه مخاطر جعلت حياته اليومية عبارة عن سفر وسط الأهوال. فبالنسبة لإرسال المناشير خارج الوطن، كان سي المحجوب يضع الكمية المحددة تحت ثيابه الداخلية ويسترها بمعطفه خلال رحلة عبر حافلة عمومية تأخذ ركابها من حي عين السبع لتلفظهم وسط المدينة. وعند بلوغ مقر البريد، كان ينظر يمنة ويسرة للتأكد من عدم وجود مخبري البوليس السياسي، ثم يشرع في وضع الأظرف داخل صندوق البريد واحدا تلو الآخر.
يقول المحجوب الكواري: " حين أنتهي من مهمتي وأضع الظرف الأخير في صندوق البريد أشعر براحة عجيبة وبنشوة سعادة لاتوصف وكأنني خرجت للتو من ورطة العمر".
بعد ذلك كان الحجوب الكواري يلتقي بالرفيق بيوض للتوجه رأسا إلى الرفيق العربي بلعكاف الذي كان ينتظرهما داخل مقهى بشارع الحرية"rue liberte "، ثم يعرجان على الرفيق عبدالله الغربي من أجل تسليمهما المنشورات الواجب توزيعها داخل المغرب.
كان الوضع السياسي في البلاد وقتئذ غريبا في حد ذاته، لأن القساوة في القمع كان يقابلها استعداد مستمر من أجل الانفتاح. فلا قطيعة بين القصر والمعارضة ولا هدنة بين الطرفين.
يقول سي المحجوب:" يمكنني أن أقول إن هذه العلاقة الملتبسة جعلتنا جد حذرين، سواء عند توزيع المناشير، أو عندما كنا نعقد اجتماعاتنا بعين السبع أو بالناحية أو نلتقي بالخلايا داخل دوار بيه، ودوار الواسطي، وكاريات سنطرال وكاريان زارابا وغيرها.
كنا نأخذ الاحتياطات اللازمة كي لا نقع في كماشة البوليس الذي كان حينئذ لا يفهم سوى لغة واحدة وهي التنكيل والتلذذ في تعذيب الرفاق.
الرفيق عبدالله الغربي في صورة حديثة
طبعا، يقول المحجوب الكواري، كانت خلايا الدار البيضاء تضم مناضلين من طبقات مختلفة. فهناك العامل والطبيب والمهندس والفلاح والمثقف والتلميذ والطالب والأمي. وبالتالي كان لزاما علينا نشر الوعي في صفوف المناضلين مع مراعاة هذا الاختلاق. وقد نجح الرفاق المؤطرون والمكونون ايديولوجيا وسياسيا أيما نجاح، إذ بتنا، في ظرف زمني وجيز نلاحظ أن هؤلاء الرفاق يمتلكون الرؤية وأدوات التحليل للتعاطي من الظواهر الاجتماعية في بعدها التاريخي وما يحكمها من قوانين الجدل. كما أصبحوا ملمين بتراث المقاومة والتنظيمات السرية، وعلى وعي مسؤول بالقضايا العمالية.
كان التقدم والاشتراكية يضم أجود عينات المجتمع يلتفون حول سي علي يعتة وحول قيادة شكلت مدرسة مغربية في ربط المعرفة بالنضال والكفاح الاجتماعي.
يقول المحجوب الكواري: "كان عددنا قليلا مقارنة بباقي الأحزاب السياسية لكن كنا دائما صائبين في تحاليلنا ومقاربتنا للأوضاع الوطنية والدولية ولا سيما قضية الوحدة الترابية التي جعلها سي علي يعته من أولوية الأولويات باعتباره، وعلى خلاف ما قام به لآخرون، حزبا وطنيا لا يساوم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.