بدأت بوادر توتر جديد تخيم على سماء علاقة المغرب مع جارته الشمالية، بعد إعلان زعيم الحزب الشعبي القيام بزيارة إلى الثغرين المغربيين المحتلين. ولم تكن هذه المحاولة اليائسة إلا النقطة التي أفاضت الكأس في علاقات تعرف حركة مد وجزر نتيجة وجود ملفات شائكة بين المملكتين الجارتين تعود إلى عقود مضت، ولم تعرف طريقها إلى الحل. وبينما قلل السفير ووزير الاتصال الأسبق، العربي المساري، من حدة ما يخيم على أجواء العلاقات بين المغرب وجارته الشمالية، التي لا ترقى إلى مستوى التوتر، على حد تعبيره؛ أكد المسؤول سابقا عن العلاقات الخارجية بحزب التقدم والاشتراكية، امحمد كرين، أن العلاقات بين البلدين الجارين تتأثر بالحراك السياسي الداخلي بإسبانيا. وقال المساري في تصريح لبيان اليوم، من الطبيعي جدا أن تبرز بين الحين والآخر مشاكل بين المغرب وإسبانيا، بحكم الجغرافيا التي جعلتهما جارين قريبين، «إذا كان الحال سخون عندنا كيحسو بيه فاسبانيا» يقول المساري، ولكن لا يبدو في الوقت الحاضر أن هناك «حالة توتر في العلاقات بينهما». وحتى زيارة زعيم الحزب الشعبي المرتقبة إلى سبتة ومليلية ليست بنظره سوى «هيجان ضئيل في البحر» مثلما يقول مقدمو النشرات الجوية. وربط عضو مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية، امحمد كرين، تلبد سماء العلاقات بين المملكتين الجارتين بطبيعة الحراك السياسي الداخلي بإسبانيا، باعتباره «الترمومتر» الذي تتأثر به العلاقات بين البلدين. وأكد امحمد اكرين، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن اليمين الإسباني يجعل دائما من العلاقة مع المغرب «حصان الرهان الذي يمتطيه لمواجهة خصومه السياسيين بالداخل، وطريقه لجذب تعاطف ومساندة الرأي العام الإسباني إلى معسكره». ولاحظ عضو مجلس الرئاسة، الذي شغل مهمة العلاقات الخارجية بالحزب، أن الحزب الشعبي الإسباني كان دائما يلعب على ورقة العلاقة مع الجار الجنوبي لإثارة الرأي العام، وحتى عندما كان في الحكومة كان يقوم باستفزازات اتجاه المغرب ليظهر فقط أنه أكثر ضراوة من الآخرين. وكان دائما ملف المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية والجزر المتوسطية المقابلة لهما، مصدر توتر في علاقة إسبانيا بالمغرب. فبعد تصريح الوزير الأول عباس الفاسي أمام البرلمان، الذي دعا فيه إسبانيا إلى ضرورة الحوار من أجل إنهاء احتلالهما، سارعت الخارجية الإسبانية إلى استنكار هذا التصريح، والتشديد على أن المدينتين إسبانيتان على الإطلاق. وجاء إعلان زعيم الحزب الشعبي زيارة المدينتين ليصب الزيت على نار التوتر بين الجانبين، من جهة إثارة حماس الإسبان بعدم التفريط في المدينتين، ومن جهة أخرى المساس بمشاعر الملايين من المغاربة الذين ينادون باسترجاعهما. هذا النوع من الاستفزاز الذي ألفه المغرب من الحزب الشعبي، سواء من راخوي أو من سلفه أثنار، لا يغير من قناعته شيئا ومن تمسكه بضرورة فتح قنوات للحوار حول مستقبل المدينتين. ويرى العربي المساري أن جلالة الملك محمد السادس بدأ تحرير سبتة ومليلية منذ إطلاقه للمشاريع الكبرى بشمال المملكة، أي منذ 2002 بإطلاق مشروع ميناء طنجة المتوسط. وهو الآن سيكرس هذا التوجه من خلال إطلاق مشاريع مهيكلة بالناظور ستجعل منها قطبا اقتصاديا وتنمويا هائلا. وقال وزير الاتصال الأسبق «عندما شاهدت جلالة الملك يعطي انطلاق مشروع الناظور الكبير أحسست بفرحة عارمة لا تضاهى» لأن ذلك منطقيا سيؤدي إلى «عزل مدينة مليلية إلى أن تصبح مجرد حومة وسط قطب كبير». فالملك محمد السادس ليس سهلا، كما يقول المساري، ويعرف بالضبط ما يقوم به، ولا يجب أن ننسى أنه خبير في العلاقات المغربية الأوربية. وأبرز أن المستقبل قد يخبيء مفاجآت غير سارة للإسبان في هذا الاتجاه، بعد التطور الذي يعرفه الشريط الساحلي الشمالي للمغرب، الذي سيؤدي لا محالة إلى عزل المدينتين نهائيا. وقد يؤدي الأمر بالإسبان إلى «تشويش الذبان بهما» على حد تعبيره، خصوصا وأننا على أبواب سنة 2012 عندما تنتفي الحدود الجمركية بين المغرب والاتحاد الأوربي. وشدد امحمد كرين على أن الخطوة التي يعتزم زعيم اليمين الإسباني القيام بها تكمن في تأليب الرأي العام الإسباني، وجعل موضوع المدينتين المحتلتين بؤرة توتر دائم، عوض ابتكار الحلول وجعل هذا الموضوع منطلقا للتعاون والشراكة بين المملكتين. وأكد امحمد اكرين أن سياسة الحزب الشعبي تسعى دائما إلى إظهار المغرب على أنه خصم، وفي أحايين كثيرة عدو، وليس حليفا استراتيجيا. عوض استغلال إمكانيات التعاون المثمر بين الطرفين وتطويرها إلى ما هو أحسن، من خلال توجه استراتيجي يروم مواجهة المشاكل والأخطار التي تهددهما معا، من قبيل تشجيع الاستثمار في المجالات الاقتصادية المتنوعة، ومحاربة التهريب وتفكيك شبكات مهربي البشر والمخدرات والجريمة المنظمة، ومواجهة تحديات الإرهاب التي تهددهما. فالتكامل بين الجارين، حسب اكرين، من شأنه أن يتيح إمكانيات هائلة للاستثمار والنمو بينهما، ورغم ذلك فإن الأجواء الحالية بين البلدين تتعامل معها الحكومة المغربية بكثير من الليونة، وهي ليونة ضرورية. وحذر من الإفراط من التعامل اللين للسلطة التنفيذية بالمغرب التي قد يفهم منها الجانب الآخر على أنها ضعف من المغرب، وبالتالي إذا زادت هذه الليونة عن حدها ستنقلب إلى ضدها. وما يزيد من حنق إسبانيا على المغرب، بالإضافة إلى الأوراش الكبرى التي تعرفها المناطق الشمالية، أن المملكة الإيبرية تصنف ضمن الدول التي تأثرت كثيرا بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتوجد على حافة الانهيار، مثلها مثل البرتغال، وقد يصل بها الأمر إلى أن تعيش مثل الأجواء التي عاشتها اليونان قبل بضعة أسابيع.