كانت السنة التي نودعها حافلة بالأحداث المهمة في تاريخ المغرب، سواء على المستوى الاجتماعي أم الاقتصادي أم السياسي أم الأمني، إذ شهدت ميلاد مجموعة من المشاريع الكبرى، وإندلاع أزمات دبلوماسية كبرى وضعت حكومة الرباط، التي خرجت إلى النور بعد مخاض عسير، في موقف لا تحسد عليه. وعلى الرغم من نجاح المغرب في كسب التأييد الدولي بخصوص مقترح الحكم الذاتي حول الصحراء، الذي يعد من أكبر المشاريع التي بلورها المغرب على أرض الواقع، إلا أن نشوته بهذا الانتصار الدبلوماسي لم تكتمل بعد توتر علاقاته مع إسبانيا والسينغال، فيما بدأت جبهة البوليساريو تقرع طبول الحرب، قبل أسابيع من انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات بمانهاست في نيويورك. ""
وفي ظل هذه الأوضاع عاد شبح الإرهاب ليخيم على المغاربة، إذ عاشوا عامًا عصيبًا بعد أن جربوا، لأول مرة، النوم والاستيقاظ على أنباء تفجيرات انتحارية، ليستمر الاستنفار الأمني لأسابيع، قبل أن يدخلوا دوامة الانتخابات التي كانوا نجومها من دون منازع، اذ شارك فيها فقط 37 في المئة منهم فقط وهي أدنى نسبة تسجل في تاريخ الانتخابات بالمغرب.
غير أن الفترة الأصعب كانت عملية تشكيل الحكومة، التي تشكلت بعد مشاورات عسيرة، خلطت المشهد السياسي وأزاحت زعماء أحزاب من مقاعدهم، في وقت كان سوط ارتفاع أسعار المواد الأسياسية إلى مستويات قياسية يجلد المواطنين.
أما الجانب الاقتصادي، فعرف إبرام صفقة بين المغرب وفرنسا لإنشاء أول ميترو الذي سيرى النور في السنوات المقبلة وسيربط بين مدينتي الرباط وطنجة. مشروع آخر أطلقه الملك محمد السادس في شهر كانون الأول، ويتعلق الأمر بأول ترامواي في المغرب. الترامواي سيربط المدينتين الجارتين الرباط وسلا، على مسافة 14 كيلومترًا، وقد انطلقت أعمال هذا المشروع الضخم. خلال هذه السنة، كذلك، افتتح الملك محمد السادس ميناء طنجة المتوسط، أكبر مشروع في عهد الملك محمد السادس، ويتوفر الميناء على أكبر حاويات في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. سفينة "إيفيلن مايرسك" الهولندية، كانت أول سفينة عملاقة ترسو فيه.
(الرياضة: الإخفاقات أكثر من الإنجازات) عاشت الرياضة المغربية سنة 2007 تراجعًا كبيرًا وأحداثًا سيكون لها أثرًا مؤكدًا على مستقبلها. آخر أحداث الرياضة كان تعيين محمد منير الماجيدي مدير الكتابة الخاصة للملك محمد السادس رئيسًا لنادي "الفتح الرياضي".ويحمل هذا التعيين رسالة إلى رياضة كرة القدم، فرئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم الجينرال حسني بنسليمان أضحى مسنًا، والدولة بحاجة إلى شخص منها لتسيير اللعبة الأكثر شعبية في المغرب، لذا ذهبت التوقعات أن يكون الماجيدي الرئيس المقبل للاتحاد المغربي لكرة القدم. رسالة أخرى وجهتها الدولة إلى الأندية المغربية وهي وجوب الدخول في عصر الاحتراف ، على ان يكون فريق "الفتح" النموذج الذي يجب أن يحتذى به. كما شهدت سنة 2007 عودة المدرب الفرنسي هنري ميشال الى الإشراف على المنتخب المغربي لكرة القدم، عوضًا عن المدرب امحمد فاخير الذي أبعد من منصبه دون علمه.
هذه السنة كانت سنة المدرب المغربي مصطفى مديح، فقد حقق نتائج باهرة مع الفرق التي دربها، فبعد فوزه ببطولة المغرب مع فريق "أولمبيك خريبكة" تلاها الكأس، عاد ليفوز بالكأس مع فريقه الجديد الجيش الملكي، في سابقة هي الأولى في تاريخ البلاد . ويرغب المدرب هذا الموسم في إحراز لقب البطولة، وهو أمر غير مستبعد خاصة أن الفريق يحتل المرتبة الثانية في البطولة الحالية.
في ألعاب القوى المغربية، شهدت السنة الجديدة تعيين البطلة الأولمبية المغربية نوال المتوكل وزيرة مشرفة على قطاعي الرياضة والشباب، كما شهد اتحاد ألعاب القوى المغربي دخول وجه جديد للإشراف عليه، وهو عبد السلام أحيزون رئيس مجلس إدارة شركة "اتصالات المغرب".
)الشغب يغزو الملاعب) مباراة الديربي بين الفريقين الكبيرين الرجاء والوداد التي جرت في 20 تشرين الأول 2007 ضمن الربع نهائي، حول مدينة الدارالبيضاء إلى ساحة حرب، إذ أحرقت عدد من السيارات والحافلات، وما حدث في البيضاء ليس سوى تجل لظاهرة الشغب التي انتشرت بشكل كبير هذه السنة. لكن فرق البيضاء كانت المتضرر الأول منها، وشهد مركب محمد الخامس أكبر عملية تدمير، ما دفع بسلطات المدينة إلى إغلاقه، فالخسائر فاقت 30 مليون سنتيم، وشملت أحياء كثيرة في البيضاء، وقد أفرزت عن اعتقال 37 شخصًا بتهمة "الإخلال بالنظام العام" و"إحداث الفوضى بالشارع العام" و"تخريب ممتلكات الغير". لم يكن جمهور الوداد والرجاء الوحيد الذي أصيب بعدوى الشغب، فجمهور الجيش الملكي كان أكثر عنفًا، لكن لم تصدر لحد الآن أية عقوبة في حق الفريق كما حدث مع "الرجاء" و"الوداد". الشغب طال رياضة كرة السلة، مشاهد الدمار التي ظهرت في مباراة بمدينة فاس ستظل خالدة في ذاكرة المغاربة، مع فارق أساسي أن أبطالها ليس الجمهور ولكن اللاعبين، فالشغب انتقل من المدرجات إلى الملعب.
(قناص يفضح الرشوة بالفيديو) التحولات الكبيرة التي شهدها المغرب في 2007 ظهرت على أكثر من صعيد، ففي الميدان الاجتماعي ظهرت منظمات نشيط حربًا بلا هوادة على كل أشكال الحيف الاجتماعي، وخاصة الرشوة. مع هذا التيار ظهر شاب من بلدة صغيرة في الشمال المغربي (تاركيست) أطلق على نفسه اسم "قناص تاركيست"، كان يصور رجال الدرك المغربي (أشبه بشرطة لكنها تعمل في البوادي) وهم يبتزون المواطنين في الطرقات ويتلقون الرشاوى، ثم نشر تلك التسجيلات في موقع "يوتوب"، وبدأ الشاب يطلق أشرطة كل مرة تحمل اسما "الوعد الصادق" و"البركان الثائر" و"البركان القاطع" و"الإنذار الصارخ". الشاب قال إنه يفعل ذلك للانتقام من رجال الدرك الذين يبتزون بلدته. شهرته أضحت عالمية ولقب ب "روبن هود" المغربي، وقد نتج عن أشرطته تلك اعتقالات في صفوف رجال الدرك، كما أن السلطة استطاعت أن تتعرف إلى هذا المحارب المغربي المتخفي، وبعد الاستماع إلى أقواله أخلي سبيله. لقد أحدث هذا الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه أكبر ضجة في سلك الدرك الملكي المعروف بقوته وسلطته فرئيسه ليس سوى الجينرال حسني بنسليمان.
الصحراء حكم ذاتي ومفاوضات سنة 2007، إستطاعت الدولة المغربية أن تكسب تجاوب المجتمع الدولي وعطف عدد من دوله في ملف "الصحراء الغربية"، فقد بادر المغرب إلى إطلاق مبادرة "الحكم الذاتي" والتي تقضي بمنح المحافظات الصحراوية حكمًا ذاتيًا موسعًا به حكومة وبرلمان منتخب وتدبير محلي للخيرات، لكن تحت السيادة المغربية، وبعد أن أطلق المشروع قام أقرب المقربين من الملك برحلات مكوكية لشرحه إلى الدول الكبرى والصديقة، كان هذا المشروع سببًا في مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو المطالبة بالحكم الذاتي، وقد بدأت ب "مانهاست1" ف"مانهاست2" بإشراف من الأممالمتحدة ورعاية أميركية. على الرغم من أن الجولتين الأولتين لم تسفرا على تقدم يذكر، فإن القبول بهذا المبدأ قد يوصل إلى نتائج في الجولة الثالثة من المفاوضات التي ستحضتنها "مانهاست" (نيويورك) شهر كانون الثاني 2008. وقد مثل المغرب في المفاوضات أقرب أصدقاء ومساعدي الملك محمد السادس. بخصوص قضية الصحراء شهدت نهاية السنة تحولات قد تؤثر عليها، فبعد مؤتمر لجبهة البوليساريو في منطقة تيفاريتي المنزوعة السلاح، أعيد انتخاب محمد عبد العزيز على رأس الجبهة، وقد هددت هذه الأخيرة بالعودة إلى حمل السلاح إذا ما فشلت "مانهاست3"، لكن هذا التهديد لا يؤخذ به، فالدول الكبرى، وخاصة أميركا ترفض عودة الاقتتال إلى منطقة قد تكون ملاذًا آمنًا لجيوش تنظيم "القاعدة". قضية "الصحراء" مفتوحة في العام 2008 على كل الاحتمالات، لكن حسابات الدول الكبرى سيكون لها تأثير على مسار المفاوضات.
الدبلوماسية... أزمات متتالية تتنهي بخطأ ودع المغرب سنة 2007 على إيقاع الأزمات الدبلوماسية، إذ ما لم تبدأ بوادر الانفراج تلوح في أفق علاقته مع الجارة إسبانيا حتى دخلت علاقاته الخارجية في أزمة جديدة، لكن هذه المرة مع دولة صديقة وجارة إفريقيا، ويتعلق الأمر بالسينغال. واندلعت الأزمة الأولى مع حكومة مدريد على خلفية زيارة العاهل خوان كارلوس لسبتة ومليلية السليبتين، ما جعل حكومة الرباط تستدعي سفيرها عمر عزيمان قصد التشاور، وهو ما فاجأ الإسبان، إلا أنهم لم يتراجعوا عن الزيارة وهو ما اعتبره المغرب "خطوة مستفزة" تمس بسيادته. الكل كان متأكدًا ان الأمور ستقف عند هذا الحد وستعود المياه إلى مجاريها وتفتح القنوات الدبلوماسية بين البلدين، إلا ان الأقدار كانت تخبأ مفاجأة أخرى كانت النقطة التي فتحت باب الحديث حول "أخطاء الدبلوماسية المغربية"، وتأثيرها على مسار العلاقات الخارجية للمملكة. وهذا ما كشفه التوتر الأخير بين الرباط ودكار التي تسببت إشادة وزيرها السابق، وهو من الحزب الاشتراكي المعارض، بكفاح جبهة البوليساريو من أجل استقلال منطقة الصحراء، في إشعال نار غضب المغرب، الذي سارع إلى سحب سفيره في خطوة وصفها البعض ب "المتسرعة والخاطئة". السينغال ردت بالمثل وسحبت سفيرها في المملكة، ما دفع الوزير الأول عباس الفاسي إلى شرح موقف الرباط من خلال بلاغ جاء فيه "لقد شرح المغرب بوضوح الدافع الوحيد لاستدعاء سفير جلالة الملك بدكار إلى الرباط لفترة ثلاثة أيام، ألا وهو المساهمة في تحليل ملابسات التغير الجذري والخطر والمفاجئ في موقف كبار مسؤولي الحزب الاشتراكي السينغالي بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة". وأضاف أن "الأمر يتعلق إذن بخطوة محددة، وبهدف محدد حول موضوع محدد، ولم يكن بأي حال من الأحوال استدعاءً للتشاور الذي قد يثير خلافًا أو توترًا ذا طابع سياسي بين الدولتين أو يفهم منه على أنه تصرف غير ودي إزاء الشعب السينغالي الشقيق". وعلى الرغم من محاولة تلطيف الأجواء، إلا أن مراقبين اعتبروها بأن آخر ورقة توت تسقط عن شجرة الدبلوماسية المغربية التي تلاحقها تهمة "العجز".
الشعب يحتج على الغلاء ارتفاع الأسعار، خاصة المواد الاستهلاكية، كاد يفجر ثورة شعبية لا تعرف عواقبها، فيوم 21 أيلول (سبتمبر) 2007 خرج سكان مدينة هادئة تدعى صفرو، في الوسط الشمالي للمغرب، إلى الشارع ودخلوا في مواجهات عنيفة ضد رجال الامن وأفراد القوات المساعدة، وحاصروا بنايات تابعة للدولة. المسيرة بدأت سلمية من ساحة "باب لمربع" بدعوة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، غير أنها تحولت إلى مواجهات دامية، بعد تلفظ مسؤول من المدينة بكلمات نائبة في حق أحد المتظاهرين، كانت تلك الكلمات ذريعة لإشعال غضب سكان قهرهم الغلاء ولم يعودوا باستطلاعتهم مواجهته، فقد نهبت مؤسسة بنكية، وأحرقت مقاطعة (للدولة) بأكملها واستولى المتظاهرون على جرافة وهاجموا سجن المدينة لإطلاق سراح المسجونين ورشقت كل منشآت الدولة بالحجارة. وقد أسفرت هذه المواجهات، الأخطر في العام 2007، إلى اعتقال 40 متظاهرًا منهم عدد من الأطفال القاصرين، كما فتحت الباب على مصراعيه حول قدرة المواطن المغربي على تحمل غلاء الأسعار وإمكانية عودة مسيرات أكثر عنفًا، وهذا ما دفع الحكومة الجديدة إلى ضخ مليار جديد في صندوق المقاصة الذي يدعم الأسعار ذات الاستهلاك الكبير في المغرب.
حاميها حراميها من غرائب ما تابعه المغاربة هذه السنة الاعتقالات والعقاب الذي طال بعض حراس الملك محمد السادس وبعض رجال الأمن، فبعد فضيحة المسؤول عن أمنه إيزو في قضية المخدرات المعروفة ب "بين الويدان" لضلوعه فيها، ثم سجنه وبداية محاكمته، جاء الدور على حراسه الشخصيين ورجال الأمن، فقد كشف تقدم إمام مسجد بمدينة فاس إلى الملك مذكرًا إياه بما وعده به، كشف عن شبكة تتاجر في الهبات الملكية أبطالها بعض حراسه وبعض رجال الأمن، وبعد التحقيقات الأولية توصل المحققون إلى شبكة متخصصة في الاتجار في هذه الهبات الملكية. كما كشفت التحقيقات عن وجود وسيط بين المستفيدين من الهبات الملكية وبين عدد من المسؤولين. وشهدت هذه السنة كذلك إصدار الملك لعقوبات في حق أقرب حراسه الشخصيين فأحدهم ضبط، وهو يتكلم بالهاتف وآخر تهاون في إحدى الجولات. هذه السنة شهدت كذلك تناوب ثلاث مسؤولين على الأمن الخاص بالملك.
سكان أنفكو... البرد يقتل بداية 2007 سيكتشف المغاربة أن الانخفاض الكبير لدرجة الحرارة تقتل في مغرب القرن 21، فقد لقي 14 شخصًا حتفهم، ومعظمهم من الأطفال في بلدة صغيرة ونائية تدعى أنفكو. فضيحة كبيرة كشفتها صور التقطت لهؤلاء الأطفال لا يجدون ما يلبسون حفاة عراة في منطقة يصعب الوصول إليها لصعوبتها ولانخفاض درجة الحرارة فيها. بداية الشتاء الحالي من نهاية 2007 شهدت المنطقة نفسها وفيات أخرى في الأطفال، هذه المرة لم تكن بفعل قساوة الطبيعة فقط، بل نتيجة للزواج المبكر، ففتيات وفتيان القرية يتزوجون في سن مبكرة (ابتداء من 12 سنة). وعلى الرغم من إنشاء وزارة الداخلية المغربية لهيئة خاصة بتتبع حالة المناطق النائية التي يهدد الموت أطفالها بسبب البرد والجوع لم يحل المشكلة، القضية تحتاج إلى استراتيجية أكبر لوقف موت الأطفال.
إرهاب بلا هدف عاد شبح الإرهاب، بعد حوالى 5 سنوات، ليخيم على المغرب من جديد بعد أن قام مجموعة من الانتحاريين بتفجير أنفسهم، في عمليات وصفت ب "الاستعراضية"، فيما قال بعضهم بأن هؤلاء الإرهابيين "هواة"، قاموا بهذه التفجيرات لإسقاط أبرياء في محاولة يائسة. وكان 11 آذار (مارس) الماضي، أول يوم في سلسلة هذه التفجيرات، التي أسقطت مفتش شرطة وبعض الجرحى، عندما فجر الانتحاري عبد الفتاح الرايدي نفسه، بمقهى للإنترنيت في حي سيدي مومن بالدارالبيضاء، في حين فر يوسف الخودري من مكان الحادث، ليلقى عليه القبض في الحي المجاور. وبعدها بيومين، توصل الأمن إلى الشقة التي كان يخبئ فيها الإرهابيون المواد المتفجرة، ليقوموا بإبطال 200 كلغ من هذه المواد، قبل أن تنفجر. وفي 10 نيسان (أبريل) المنصرم، تمكنت مصالح الأمن من كشف الوكر الذي كان يختبئ فيه بحي الفرح باقي عناصر الخلية، الذين كان من بينهم مبحوث عنهم في اعتداءات 16 أيار (مايو) الإرهابية في 2003، غير أن محمد منطالا، الملقب ب "وردة"، رفض الاستسلام فقتله رجال الشرطة بالرصاص، إثر محاولته استلال قنبلة يدوية تقليدية الصنع من حقيبة كان يحملها على ظهرها، قبل أن يعمد المبحوث عنه في اعتداءات 16 أيار محمد الرشيدي إلى تفجير نفسه. في تلك الأثناء، تسلل الإرهابي أيوب الرايدي إلى المنطقة المؤمنة، وعانق مفتش شرطة وفجر نفسه، ليلفظ أنفاسه في طريقه إلى المستشفى، ما أوقع الجميع في صدمة، خرجوا منها بعد ساعات ليواصلوا عملية البحث قبل أن يقع انفجار جديد، كان المستهدف به بالأساس هذه المرة والي الأمن عبروق ومسؤولين في المدينة، وذلك على يد الانتحاري سعيد بلواد، الذي فجر نفسه وسط الحشود. وبعدها بيومين، عاد أفراد الشرطة إلى حي الفرح، إثر توصلهم بإخبارية تفيد أن السكان اعتقلوا شخصًا يشتبه في أنه إرهابي كان يختبئ تحت سرير في المنزل المجاور، ليتبين بالفعل أنه زعيم الخلية. وتزامن هذا الإعلان مع تفجير الشقيقين محمد وعمر مها، الذين يقطنان بشارع بني مكيلد بساحة السراغنة، نفسيها، يوم 14 نيسان/أبريل المنصرم، أمام القنصلية والمركز اللغوي الأميركيين، في حادث أثار أكثر من علامة استفهام، لكون أن الإرهابيين لم يكونا معروفين لدى الأجهزة الأمنية، إلى جانب أنه مشهود لهما بالخلق الحسن، غير أن السؤال الكبير الذي لم تعرف إجابته لحد الآن، هل هناك من خلية ثانية أو أكثر كان وراء الدفع بالأخوين للقيام بهذه العملية التي وصفت ب "الاستعراضية". في هذه الأثناء تواصل سقوط المتهيمن بالتورط في هذا المنشروع التخريبي في الدارالبيضاء وأكادير والداخلة، وغيرها من المدن، من بينهم انتحاريين احتياطيين وبائع مجوهرات اتهم بتمويل هذا المخطط الإرهابي.
مخطط أمني خماسي بربع الميزانية مع تزايد نشاط الخلايا الإرهابية إقليميًا وتطور وسائل الجريمة المنظمة، عمد المغرب إلى وضع مخطط أمني جديد يهدف إلى تعزيز مرفق الأمن العمومي. ويهدف هذا المخطط، الذي خصصت له ربع ميزانية 2008، إلى توسيع التغطية الأمنية باعتماد مجموعة من المعايير وتأهيل الوحدات الإدارية الحالية، وخلق أخرى جديدة مع تكثيف التنسيق بين تدخلات كافة الأجهزة الأمنية. كما يرتكز هذا المخطط، الذي يمتد من 2008 -2012، على تقوية الإدارة الترابية بجعل القيادة وحدة أولية، ومنطلقًا للتأطير لخصائص القرب التي تميزها، والدائرة إطارًا للتنسيق والعمالة مجالا لتوزيع الموارد والجهة فضاء لاتخاد القرارات والتنظيم بما يمكن من رفع تحديات الأمن والتنمية. ويرمي أيضًا إلى تحديث هياكل الإدارة الأمنية وتعزيز مواردها المادية، ولا سيما البشرية بإحداث حوالى خمسة آلاف وأربع مئة منصب مالي سنويًا اعتبارًا من السنة المقبلة. ومن المقرر أن يجري مراجعة النظام الأساسي لرجال السلطة لجعله إطارًا أكثر ملاءمة لممارسة مهامهم بمزيد من المهنية في العمل، وللرفع من جودة الخدمات المقدمة للمواطن بما يتماشى والمفهوم الجديد للسلطة. وعرفت السنة المنصرمة إعادة انتشار عناصر الأمن، في إطار تدبير وترشيد معقلين للموارد البشرية سواء على المستوى المركزي أم على مستوى المصالح الخارجية، ومن بينهم عناصر فرقة اللواء الخفيف للتدخل السريع "البلير"، إذ جرى نشر خمسة فيالق تتكون من 3000 عنصر. وتشدد وزارة الداخلية على ضرورة مواصلة مجابهة الأخطار الإرهابية بكل حزم مع الحفاظ على روح اليقظة والحذر لدى الإدارة ولدى كل مكونات المجتمع.
اليازغي... وزير بلا حقيبة وحزب بعد نصف قرن من العمل السياسي، ذاق خلالها مرارة المعتقلات وتعرض لشتى أنواع التعذيب، قبل أن يتقلد عدد من المناصب الحزبية والحكومية، كانت سنة 2007 آخر محطة في مسار محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وعلى الرغم من أن سنة 1973 حملت له طرد ملغوم كاد يؤدي بحياته، قبل أن يترك له آثار إصابات ما زالت ظاهرة في وجهه، إلا أن الطرد الذي توصل به من المكتب السياسي، نهاية السنة، كان وقعه أشد، إذ لم يكن أمام اليازغي من تفادي انفجاره سوى التخلي عن كرسيه، بعد أن وجهت له انتقادات لاذعة تركزت جميعها حول "سوء تدبيره مشاروات تشكيل الحكومة وقبوله بمنصب وزير من دون حقيبة، إلى جانب اعتمادة مبدأ المساندة النقضية"، التي كانت النقطة التي صعدت غضب الاشتراكيين. وقال، في رسالة الاستقالة، إن النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات النيابية في السابع من أيلول (سبتمبر) الماضي، والتطورات التي عرفها الحقل السياسي في المغرب فسحت المجال أمام تساؤلات عديدة، تخص المسار الديمقراطي، ودور اليسار المغربي، بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تدعيم هذا المسار وتقوية دولة المؤسسات وترسيخ قيم الحداثة والتقدم. وعاش اليازغي تجربة المعتقلات، إذ اعتقل مع عدد من مناضلي حزب القوات الشعبية، وفي الذكرى الأولى لاختطاف المهدي بن بركة زج به في السجن، وعقب هزيمة حزيران/يونيو 1967 وأثناء قيامه بالتعبئة الشعبية تم اعتقاله لمدة سنة دون تقديمه للمحاكمة والمدة نفسها قضاها سنة 1970 بين سجني الرباط ومراكش.
أحرضان... زعيم يرحل في صمت غادر "الزايغ" الحركة الشعبية في صمت بعد عمر طويل، قضى منه 50 سنة بالتمام والكمال على رأس هذا الحزب الذي أسس أواخر الخمسينات، ليكون بذلك ثاني زعيم تطيح به استحقاقات 2007. ولم يحمل رحيل المحجوبي أحرضان صراعات أو مشاحنات، بل كان هادئًا، وكأن موعد انتهاء المحارب من التدبير اليومي للحركة كان محددًا سلفًا، خاصة أن المكتب السياسي ودع "الزايغ، بعبارات لم ترد فيها ولا كلمة واحدة تفيد أنه أو أحد أعضائه عبر عن تمسكه به. وفي حواره الأخير مع جريدة مغربية حاول أحرضان أن يظهر بمظهر الزعيم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وحتى عندما تمت المقارنة بين ما وقع لمحمد اليازغي وما سيقع له.. انتفض على غير عادته وقال "حكرتوني"، وكأن ما وقع لليازغي يندرج في باب "الحكرة"، وليس في سياق التحولات السياسية التي تعرفها البلاد في هذه المرحلة الحرجة. وأحرضان وجه سياسي مغربي بارز ومناضل عاصر المقاومة المغربية للوجود الفرنسي بالمغرب، كما عاصر الاستقلال ودخل في السياسة مبكرا، تقلد وظائف حكومية عديدة وارتبط بحزبه الحركة الشعبية ثم تركها وتركته. انخرط "الزايغ" في بداية نشاطه في مقاومة الاستعمار، فأصبح عضوًا في المجلس الوطني للمقاومة ومسؤولاً في جيش التحرير. ثم شرع أحرضان في إقامة تنظيم الحركة الشعبية منذ الاستقلال مع الدكتور الخطيب في سياق سياسي لا يخلو من السعي إلى منافسة حزب الاستقلال الذي كان مهيمنا على النخبة وعلى الشارع بالمغرب. حصلت الحركة على الاعتراف القانوني في شباط (فبراير)1959، وانعقد مؤتمرها الأول في حزيران (يونيو) 1959.