يلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن يوم الجمعة المقبل، خطابا حاسما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ينتظر أن يطلب فيه بشكل رسمي طلب الحصول على عضوية الدولة الفلسطينية الكاملة في المنتظم الأممي على حدود يونيو 1967 باعتبار ذلك حقا شرعيا يهدف إلى إنهاء الإجحاف التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. من الناحية الإجرائية، وبحسب المادة الرابعة من ميثاق الأممالمتحدة فإن «العضوية في الأممالمتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه»، إلا أن قبول أي دولة جديدة داخل المنتظم ألأممي يتم بحسب ذات المادة «بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن»، وهو الشرط الذي سيقوض بالتأكيد هذا المسعى الفلسطيني على اعتبار أن واشنطن أكدت أنها ستستعمل حق الرفض «الفيتو» لمنع تمرير هذا القرار الذي اعتبرته «أحاديا وانحرافا عن مسار عملية السلام». كما أن المادة 18 من الفصل الرابع من الميثاق تشترط لصدور التوصية من مجلس الأمن موافقة تسعة من أعضائه بمن فيهم الدائمين، وتلزم لصدور قرار الجمعية العامة الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت. فأما على مستوى الجمعية العامة فإن هناك 130 دولة حتى الآن تعترف بدولة فلسطين، وهو ضعف الدول المعترفة باسرائيل، علما أن عدد الدول الأعضاء في الأممالمتحدة حاليا هو 193 دولة، وهو ما يعني ضمنيا ان بإمكان الفلسطينيين الحصول على تأييد ثلثي المجتمع الدولي في حال تخطي عقبة توصية مجلس الأمن خاصة وان القضية الفلسطينينة تحظى بتأييد واضح من كل من روسيا والصين الدولتين الدائمتي العضوية في مجلس الأمن، وجميع القوى الدولية الصاعدة مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وعدد لا بأس به من دول الاتحاد الأوربي. ومع ذلك، تطرح تساؤلات كبيرة حول القيمة القانونية لتوصية مجلس الأمن في حال رفضه الطلب الفلسطيني، ذلك أن اللوائح الداخلية للمنظمة الدولية تفيد بأن هذه التوصية غير نهائية، بمعنى أن السلطة النهائية تبقى للجمعية العامة في تقدير قبول الدولة أو رفضها رغم صدور توصية من مجلس الأمن رغم أن رأيا استشاريا لمحكمة العدل الدولية صدر سنة 1950 شدد على أن توصية المجلس تعد شرطا مسبقا لقرار الجمعية العامة. اعتراف الأممالمتحدة بدولة فلسطين، يعتبره مراقبون مجرد تفعيل لقرار أممي صدر سنة 1947 حين نص قرار التقسيم الصادر في 29 نونبر 1947 على إقامة دولتين على أراضي فلسطين التاريخية هما دولة فلسطين وإسرائيل، غير أن فلسطين لم تقم في ذلك الوقت بسبب تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي ورفض الدول العربية لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. أما على مستوى ردود الفعل الدولية حيال التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، فقد اعتبرت الدول العربية أن هذا الخيار الذي فرضه التعنت الاسرائيلي لا يتعارض مع خيار المفاوضات كما أنه يكرس مبدأ حل الدولتين الذي يؤيده المجتمع الدولي. وردت واشنطن على هذا المسعى بتصريحات الرئيس باراك أوباما التي أكد فيها أن سعي الفلسطينيين للحصول على الاعتراف بدولتهم في الأممالمتحدة هو «انحراف عن مسار السلام في الشرق الأوسط ولن يؤدي الى حل النزاع» مبرزا أن تسوية القضية يكمن في توصل الطرفين الى اتفاق. وتابع أوباما «ما سيجري في نيويوك قد يجذب الكثير من انتباه الصحافة ولكنه لن يغير ما يجري على الأرض طالما أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يجلسوا معا حول طاولة المفاوضات مجددا». وعلى العكس من ذلك تماما، أكدت روسيا، العضو الدائم بمجلس الأمن أنها ستصوت لصالح الاعتراف باستقلال فلسطين مهما كان الأسلوب الذي سيسعى به الجانب الفلسطيني للحصول في المنظمة الدولية على هذا الاعتراف. وقال مندوب روسيا الدائم في الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين في تصريحات صحفية «فيما يخص روسيا، فلا توجد لديها أية مشاكل، وقد اعترفت بفلسطين منذ عام 1988 وستدلي بصوت يؤيد أي مقترح يتقدم به الفلسطينيون». أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي، فقالت كاثرين آشتون منسقة العلاقات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي إنه لا يوجد موقف أوروبي موحد بشأن المسعى الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأممالمتحدة في نهاية شتنبر الجاري. وانقسمت اوربا في دعم هذا المسعى إلى صفين، الأول تتزعمه فرنسا وبريطانيا وتصطف وراءهما دول أوربية عديدة يؤيد استقلال فلسطين، وتتزعم ألمانيا الصف الثاني والتي حرصت الى جانب هولندة وبولندة ومن يدور في فلكها من دول أخرى على عدم إغضاب إسرائيل واختارت التصويت بالرفض لأي قرار باستقلال فلسطين. واللافت للانتباه هو معارضة حركة «حماس» لهذا الخيار ورفضها تقديم تنازلات مقابل قيام دولة فلسطينين، حيث أكد رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية في تصريح بهذا الخصوص أنه «لا تفويض لأية قيادة فلسطينية تريد أن تعبث بالحق الوطني الفلسطيني ولا تفويض لأي تمثيل فلسطيني من شأنه أن يقدم تنازلات تاريخية للأرض الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة» مبرزا أن توجه عباس إلى الأممالمتحدة دون تنسيق مغامرة سياسية». إلا أن ما يمكن تأكيده، هو أن بإمكان فلسطين حثما الحصول على وضعية «دولة غير عضو» كما هو حال الفاتيكان، وهو وضع ليس عديم الفائدة، فباستثناء الحرمان من حق التصويت داخل الأممالمتحدة سيفتح أمام دولة فلسطين أبواب عضوية مختلف المنظمات الأممية الفرعية وسيوسع من هامش تحرك الفلسطينيين على المستويات القانونية والدبلوماسية كما سيعمق من العزلة السياسية المتفاقمة التى ترزح فيها إسرائيل وهى عزلة ازدادت الآن فى ضوء سيولة الوضع الإقليمي وتردى علاقاتها مع مصر وتركيا. وعلاوة على ذلك سيمكن هذا الوضع فلسطين من الحصول على عضوية المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي التقدم بمتابعات قضائية في حق أركان وصقور الآلة العسكرية الصهيونية التي فتكت لعقود من الزمن بالمواطنين الفلسطينيين العزل، فضلا عن فتح باب الانضمام لفلسطين إلى جميع الاتفاقيات والعهود الدولية والوكالات المتخصصة مما يعزز من كيانها السياسى والقانوني والدبلوماسي على الصعيد الدولي. كما أن صفة «دولة غير عضو» ستنهي المزاعم الإسرائيلية بأن الأرض الفلسطينية هي أرض متنازع عليها وهي تأكيد جديد لكل قرارات الأممالمتحدة السابقة على أنها أرض فلسطينية محتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس وهي الآن أرض الدولة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي والواجب تحريرها وتمكين شعبها من حقه في تقرير مصيره. ولعرقلة مسعى «الدولة غير العضو» قد تلجأ اسرائيل ومن وراءها واشنطن لأساليب ملتوية كإضاعة الوقت عن طريق التعديلات وتعديلات على التعديلات على مشروع هذا القرار حتى انتهاء الوقت المحدد لاجتماعات الجمعية العامة أو تقديم اقتراح بتأجيل البحث في هذه المسألة إلى الدورة القادمة. وفي ظل حالة الترقب لما ستسفر عنه أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، يؤكد الفلسطينييون أن إعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط تبدو بعيدة المنال في ضوء إصرار إسرائيل واستمرارها في بناء المزيد من العمليات الاستيطانية ورفض المرجعيات المحددة لعملية السلام.