يكاد النقاش السياسي العمومي الجاري في بلادنا هذه الأيام، ينحصر في التقنيات الانتخابية، وفي العتبات واللوائح ومنظومة الترشيح وما شابه ذلك، ولم نعثر بعد على من يعرض على المغاربة برنامجه الانتخابي، أو تصوراته ومواقفه بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية المطروحة على بلادنا وشعبنا، وبالتالي فإن السجال المرتبط باستحقاقات 25 نونبر القادم، لم يتحول بعد إلى التركيز على البرامج والأفكار، أي على السياسة، وهو ما يهدد بتحويل المرحلة كلها إلى مجرد صراع حول سبل الحصول على المقاعد، وآليات القيام بذلك. إن المرحلة السياسية التي يحياها المغرب، خصوصا منذ المصادقة على الدستور الجديد، تتميز بحساسية كبيرة، ما يجعل الرهان اليوم هو كسب معركة التنزيل السليم والديمقراطي لمقتضيات وتوجهات القانون الأسمى في المملكة. نذكر أن الهدف اليوم هو الوصول إلى برلمان منتخب بنزاهة وشفافية ويمتلك مصداقية كبيرة وتمثيلية واسعة، ويتركب من كفاءات سياسية ومعرفية ذات تجربة ودراية وحس وطني وأخلاقي، ما سيؤهل مؤسستنا التشريعية للقيام بالمهام الإستراتيجية التي جاء بها الدستور الجديد، ومن ثم الإسهام في انبثاق حكومة قوية ومنسجمة وذات كفاءة، ويكون بإمكانها الانتقال بالمغرب إلى مرحلة متقدمة من مسيرته الديمقراطية والتنموية. ولتحقيق الهدف المذكور، يجب على طبقتنا السياسية الخروج من منغلقات الحسابات التقنوية والمعادلات، إلى فضاءات الحوار السياسي والفكري الرصين، وجعل الإعداد للانتخابات يقوم على تفاعل الأفكار والتصورات، ويقدم للمواطنات والمواطنين عرضا سياسيا جديا وجاذبا للاهتمام الشعبي، ومحفزا على المشاركة والانخراط. لم يعد في الوقت التحضيري لموعد 25 نونبر متسع زمني كبير، ما يحتم الانتقال إلى السرعة الموالية، وإلى الأجندة السياسية والبرنامجية ضمن هذا الورش الأساسي في الدينامية الجارية ببلادنا منذ شهور. وفي السياق نفسه، فإن تواتر الإشارات بشأن افتقار القوانين الانتخابية نفسها إلى تغييرات جوهرية عن السابق، والمآل الذي بلغته اليوم صيغة اللائحة الوطنية، علاوة على غياب خطوات وإجراءات حاسمة وذات دلالة على مستوى مسؤولي الإدارة الترابية في المناطق، وعلى صعيد مواجهة منظومة الفساد والمفسدين، كل هذا يزيد من حدة الارتباك والإحباط لدى الناس بشأن الانتخابات المقبلة. ولهذا، فإن السلطات الإدارية المعنية بتنظيم الانتخابات مطالبة بجهد أكبر وإرادة أوضح، لكي تساهم في تكريس ثقة المغاربة في المستقبل، وانخراطهم في إنجاح ورش التأهيل السياسي. وهنا فعلا للأحزاب أيضا دورها ومسؤوليتها، لكن للسلطة وأجهزة الدولة الدور الأكثر أهمية وتأثيرا، فضلا عن مسؤولية الإعلام العمومي، والتلفزيون خصوصا، وعلى الجميع إذن الانخراط في معركة إضفاء المصداقية على المرحلة برمتها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته