«صحاف ليبيا» يطمئن العالم طرابلس بخير.. وكذلك طمأن «صحاف العراق» من قبل «العلوج» «طراطير»... عبارات ظلت تنغم المسامع حتى سقوط بغداد، ودوخ صاحبها العالم، حتى اعتقد في لحظة أن بلاد الرافدين ستسحق الأمريكان، لكن التاريخ رسم منحى آخر للغزو. ومن قال أن التاريخ لا يعيد نفسه، فقد لامس الخطأ، واليوم عندما يشاهد العالم تطورات الوضع في ليبيا، ويلاحظ معها تصريحات المتحدث الرسمي باسم النظام الليبي « موسى إبراهيم» في وقت ترقص فيه المعارضة المسلحة في «ميدان الشهداء» الساحة الخضراء بلغة القذافي، يسترجع الخرجات الإعلامية للصحاف في غزو العراق. فعلى الرغم من ابتعاده عن السياسة، واختفاءه في إحدى بقع العالم، إلا أن محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق، استطاع صناعة خطاب تلقفه زملاء له في المهنة، كان آخرهم «موسى إبراهيم». فربما قُدر لهذه الحروب -على اختلاف أهدافها وتسمياتها- أن يكون لها نكهة الكوميديا السياسية حتى بات مشاهدو التلفزيون يتابعون أخبارهم، متناسين «طبيعة الحروب ورعبها». نعيد مشاهدة شريط التاريخ القريب، ونستوقفه عند العام 2003، بدأت الحرب الأمريكية على العراق، ورغم الهالة الإعلامية القوية التي رافقتها، استطاع «الصحاف» النهوض بالعراق إعلاميًا، ولو ب»التضليل» تحت مسمى «الحرب الإعلامية»، فأذاقها والعرب طعم النصر، ولو لأسابيع قليلة، حتى بات القاصي والداني يربط العراق ب»الصحاف». واليوم، بعث «موسى إبراهيم» صورة الصحاف من رماد إلى الواجهة، ولكن هذه المرة في ليبيا، والعدو، هو الشعب الليبي بتسميات مثل «جرذان» و»مسلحين» أو «عصابات» و»أعوان الصليبيين»، لكن الاختلاف الوحيد بين «الصحافين» هو أن «صحاف العراق» آلة إعلامية متحركة أربكت أمريكا ومعها العالم، فيما بقي «صحاف ليبيا» شريطًا مسجلاً لكلام القذافي، لم يلفت كثيرًا المشاهد العربي، رغم أنه أظهر براعة لا يحسد عليها في محاولة إقناع وسائل الإعلام والرأي العام في ليبيا وخارجها بما يردده نظام القذافي في مواجهة الدعوات المطالبة بتخلي معمر عن السلطة. ومع تطور الأحداث في ليبيا، واحتدام المعارك في طرابلس، لم يلق الصحافيون في العالم والمحطات التلفزيونية الإخبارية سوى «صحاف ليبيا» ليتكلموا معه، فبدأ يلقي التصريح تلو الآخر، حتى بات رجل ليبيا رقم واحد في كثير من الأوقات، خاصة في الدقائق الأخيرة. دافع «موسى إبراهيم» عن نظام القذافي كما فعل «الصحاف» في زمن صدام حسين، وعمل على إظهار ليبيا في نظام القذافي بصفة الضحية، واصفًا ما حدث لليبيا ب»الاحتلال الصليبي»، و»العدوان الغاشم على الشعب الليبي». وفي حين كان «الصحاف» يدافع عن نظام صدام ضد الأميركيين، دافع «موسى إبراهيم عن النظام ضد الليبيين، واتهمهم ب»الخيانة»، والعمالة للغرب، ورفع السلاح ضد ما وصفهم ب»أخوتهم» محوّلين ليبيا إلى ساحة معركة. حتى اللحظات الأخيرة، كما «صحاف العراق»، فعل «صحاف ليبيا» وقال «طرابلس بخير، إلا أن الناتو قتلوا ما لا يقل عن 1200 ليبي وأن للقذافي رجال لا ترونهم من حيث تعلمون، وأن حرب الشوارع هي الفيصل والحكم بين الليبيين الأحرار والخونة»، في حين ذكر الصحاف في الساعات الأخيرة من سقوط بغداد أنهم «علوج» وسيعالجون، بينما كانت الدبابات الأميركية تصول وتجول عند جسور بغداد. وكيفما كان «صحاف العراق» أو «صحاف ليبيا»، فالناس على اختلاف طبيعة المرحلة تعلقوا بهما، فقد رفع «صحاف ليبيا» نسبة مشاهدة قناة الجماهيرية الليبية لأول مرة في حياتها على القمر الاصطناعي، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد، خدمة النظام الليبي وخدمة إعلامه.