الدعوة إلى تغيير العقليات أولا ما فتئت البرمجة الرمضانية بقنوات التلفزة المغربية، تثير استياء نسبة كبيرة من المشاهدين. يتكرر هذا كل سنة. هل حقا ليس هناك ما يثير الإعجاب في هذه البرمجة؟ الشيء الأكيد أن نسبة متابعة قنواتنا تعرف ارتفاعا خلال هذا الشهر الكريم، أكثر من غيره من الشهور، وهو ما يؤشر على أن المشاهد المغربي يحب الإنتاج الوطني ويتشوق إلى جديده، على اختلاف أنواعه. هناك إذن دينامية تعرفها خريطة البرامج بمعظم قنوات التلفزة المغربية، بصرف النظر عن قيمة ما يتم عرضه، تتجلى هذه الدينامية في تكثيف الإنتاج الوطني: أفلام، مسلسلات درامية، سيتكومات، مسرحيات، برامج ترفيهية، إلى غير ذلك من البرامج. إلى حد أن هذه الكثافة أو هذا الكم الهائل من الانتاجات المغربية، قد يشكل «صدمة» لدى المشاهد الذي اعتاد خلال بقية الشهور على الحضور الثقيل للانتاجات الأجنبية: دراما تركية ومكسيكية وأمريكية ومصرية وغيرها.. وبالتالي فهو لا يقوى على استيعاب السيل الجارف للانتاجات الوطنية في حيز زمني جد محدود. * نفس الأفكار والوجوه تطغى على البرامج: يقول الأديب والفاعل الجمعوي مصطفى لغتيري، في تصريح لبيان اليوم، إنه «بالنظر لطبيعة شهر رمضان المميزة، تكتسب الكثير من الأمور العادية أهمية خاصة، وتحديدا تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الصائم، ومن بينها التلفزيون وبرامجه، فخلال هذا الشهر الفضيل يكون الإقبال على الفرجة التلفزية في أوجها، لذا تشتد المنافسة بين القنوات من أجل استقطاب الجمهور، عبر إتحافه بالجديد و الممتع و المفيد من البرامج.» غير أن ما يزعجه في البرمجة الرمضانية بقنواتنا التلفزية، هو أن «نفس الأفكار والوجوه تطغى على البرامج، بل نفس البرامج مع تغييرات طفيفة، كما أنها جميعها تقريبا تعتمد على الهزل والإضحاك وكأن ما هو جدي ليس ممتعا بالضرورة..». ويعقد لغتيري مقارنة بين ما تعرضه قنواتنا وما يعرض بالقنوات الأجنبية، ويرجح كفة الجودة لهذه الأخيرة، حيث يقول: «القنوات العربية الأجنبية، تبرمج مسلسلات جادة ومفيدة وممتعة في أوقات الذروة دون أن تفقد جمهورها.. فأمام هذا الواقع الذي يحاول أن يختزل المتعة في الإسفاف والضحك المجاني، سيجد المتفرج نفسه مضطرا للهجرة نحو قنوات عربية تحترم عقل المتفرج و ذكاءه، وبالطبع لن يخيب رجاؤه..». وذكر لغتيري كذلك، عينة من البرامج التي تثير إعجابه، والتي يهتم بمتابعتها، والملاحظ أن ضمنها يوجد إنتاج وطني، حيث أكد على أنه «هذه السنة يتابع حلقات مسلسل في حضرة الغياب، عن الشاعر الكبير محمود درويش ، وحلقات مسلسل معاوية والحسن والحسين، التي توثق لمرحلة الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام، ثم سلسلة سولوا حديدان، الذي يغترف من ثقافتنا الشعبية العميقة..». وأبدى أمله في أن تبذل قنواتنا المغربية مجهودا إضافيا للاستجابة لذوق المتفرج المغربي الذي ليس بالضرورة كما يتم تصوره. * التيه التلفزي: وأكد الشاعر سامي الدقاقي، في تصريحه لبيان اليوم، على أن قناتينا الأولى والثانية «مازالتا لم تخرجا بعد من مرحلة التيه التلفزي، ما يؤكد ذلك هو استمرار نفس الوجوه في تقديم الرداءة بنفس الإصرار وأكثر..». واعتبر أن «ما يدعيه بعض الفنانين من قلة الإنتاجات الفنية، ليس مبررا بأي حال من الأحوال لبيع رصيدهم الفني وإهداره بهذا الشكل المهين في برامج ضحلة أو إعلانات وإشهارات معروفة أهدافها الخادعة ونواياها الربحية المتوحشة..»، وتابع قائلا في سياق انتقاده لما تعرضه القناتان المذكورتان آنفا، إن «ما لم يستطع فهمه واستيعابه، هو فلسفة وتصور الكاميرا الخفية، هل تروم إضحاكنا أم الضحك علينا؟»، مبديا اعتقاده بأن «القائمين والمعدين في قنواتنا لا يستطيعون التمييز بعد بين الفكاهة والتهريج، الضحك والبسالة بالدارجة المغربية.. لم يستوعبوا بعد، أو لم يريدوا استيعاب أن الكاميرا الخفية هي موقف وطرفة، لأجل إبلاغ رسالةأخلاقية/إنسانية/ معرفية... عبر الضحك والفكاهة، قبل أن تكون استغلالا للحظات الضعف الإنساني، وتشويه جمالية السلوك العفوي دون هدف، اللهم استقطاع الضحك واستدراره عنوة وعلى حساب تفاصيل قد تكون لها مضاعفات خطيرة..». * ضرورة ترقية ذوق الجمهور وجعله يستأنس بالإنتاجات الرفيعة: وأكد الناقد السينمائي والعضو المسؤول في فرع اتحاد كتاب المغرب بتطوان عبداللطيف البازي، في تصريحه لبيان اليوم، على أنه «كلما حل شهر رمضان وإلا أعلن المغاربة رغبتهم في التصالح مع المنتوجات الفنية -المصنوعة بالبلد- واستعدادهم لأن يشاهدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى كائنات متخيلة في برامج ومسلسلات يوقعها مبدعون مغاربة. لكن خيبة الأمل تكون حليفهم في أغلب الأحيان، كما هو الحال في شهر رمضان الحالي الذي مر منه أكثر من نصف الشهر، إذ أنهم يصطدمون بمقترحات بليدة وتافهة تستخف بهم ولا تحترم ذكاءهم..». وأبدى البازي عدم درايته للحكمة من وراء ربط شهر رمضان بالفكاهة والضحك، «كأننا مطالبون بعد ساعات من الامتناع عن الأكل والشرب أن نمتنع كذلك عن التفكير حين مشاهدة التلفزة..». وتوجه البازي بقوله إلى المسؤولين عن البرمجة التلفزية خلال شهر رمضان، وخلال باقي الأشهر كذلك، إنهم «مطالبون بأن يعوا طبيعة وحجم المسؤولية التي يتحملونها وأن لا ينسوا قط أن عليهم المساهمة في ترقية ذوق الجمهور الواسع وجعله يستأنس بالإنتاجات الرفيعة بدل أن يكون همم فقط تشجيع السهولة والتسطيح وإرضاء المستشهرين الجشعين..». * أي برمجة لأي تلفزة مغربية؟ وعبر الكاتب عبدالغني فوزي لبيان اليوم عن انزعاجه من المستوى الهابط للدراما المغربية التي «تدخل كل رمضان هذه التلفزة من بابها الواسع دون حسيب ولا رقيب. لكن هل هي دراما تمثيلية للشعب والثقافة المغربية؟ إنها بالأحرى تخليطة لا تليق بمستوى الدراما المغربية وتطلعاتها الفنية والإنسانية..». وأبدى فوزي بدوره أسفه على كون «نفس الوجوه المسلطة، ونفس الرفس في أصول الفن الذي كاد أن يتحول إلى سوق أو تهريج. من حقنا أن نتساءل بعد هذا اللغط: أي برمجة لأي تلفزة مغربية؟ فالرد الحصيف هو اللامبالاة بالأسئلة الحارقة، والاستمرار في هذا الارتجال والتكرار الرتيب..». وأفصح عن أمنيته في أن يستيقظ يوما على تلفزة مغربية تليق بنا وبنفسها. وتحدث الناقد الأدبي الدكتور حسن المودن لبيان اليوم بمرارة عن موقفه من البرمجة الرمضانيا، قائلا: الحق أني لا أشاهد التلفزة إلا آخر الليل (أخبار، فيلم، برنامج)، أحب أن أقضي أوقاتي في القراءة والكتابة. ففي كل سنة تتكرر الانتقادات نفسها والملاحظات ذاتها من دون نتيجة، مع أن المغاربة، بما راكموه من انتاجات في الآداب الشفوية والمكتوبة، وبتاريخهم، وحضارتهم، وروحهم الميالة إلى الفرجة والفكاهة والبهجة، وبانتاجاتهم الفكرية والنقدية والعلمية، يستحقون أفضل البرامج والأفلام والمسلسلات وبجملة واحدة، ما أحوجنا اليوم إلى حراك إعلامي ثقافي حقيقي، إذ لا يمكن التغيير وبناء التقدم والاستقرار والتطور أي لا يمكن التوجه إلى المستقبل من دون فعل ثقافي فكري إعلامي جديد..». * برامج محتواها سيئ وفارغة من الرصيد المعرفي والفكري ومن المواهب: وأشار الشاعر محمد زريويل في تصريحه لبيان اليوم، إلى أنه «وعدتنا التلفزة المغربية ببرامج أفضل في شهر رمضان الكريم، لكنها لم تف بوعدها حيث لا زالت الرداءة تطبع بعض البرامج التي ندفع ثمنها غصبا عنا وعلى كره منا، وما دمنا كعادتنا نؤاخذ ونلاحظ دون جدوى، سيمر شهر رمضان الكريم وننسى التفاهة والسخافة..». وأكد بعد ذلك على أن «برامج التلفزة المغربية محتواها سيئ، فارغة من الرصيد المعرفي والفكري وخالية من المواهب، باستثناء بعض المسلسلات والأفلام، وعلى العموم فالبرامج تتسم بضعف في الأداء دون فائدة معرفية..». في حين يسجل أن «الفضائيات العربية تتسابق لشراء البرامج العربية بأثمنة باهضة، وللأسف الشديد لا نجد برنامجا واحدا مغربيا». واقترح لأجل تطوير البرمجة، أن يتم تطوير العقليات أولا.