اختتمت يوم أمس الجمعة أشغال المؤتمر 99 لمنظمة العمل الدولية التي عقدت بجنيف في الفترة ما بين 2 إلى 18 يونيو الجاري وتضمنت عرض ومناقشة تقرير المدير العام للمكتب الدولي للشغل، وتقرير رئيس المجلس الإداري، بالإضافة إلى تطبيق الاتفاقيات والتوصيات المتعلقة بالشغل. كما ناقش المؤتمر تقرير متابعة تصريح منظمة الشغل الدولية المرتبط بالمبادئ والحقوق الأساسية للشغل والذي تعلق هذه السنة بالقضاء الفعلي على ظاهرة تشغيل الأطفال. المؤتمر عرف مشاركة هامة للمغرب بوفد ثلاثي الأطراف يتكون من ممثلي وزارات التشغيل والتكوين المهني والإدارات الوصية (الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وإدارة صناديق العمل)، والمركزيات النقابية (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب)، وممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب وغرف التجارة والصناعة. وضمن مداخلاته أثناء أشغال المؤتمر، دعا الوفد العمالي المغربي أول أمس الأربعاء، شغيلة العالم إلى مساندة مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب من أجل تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وذكر الوفد العمالي المغربي في مداخلة ألقاها باسمه الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب حميد شباط خلال المؤتمر، بمبادرة المغرب لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية من خلال الحكم الذاتي، والتي أشاد بها الأعضاء النافذون في المجتمع الدولي، داعيا جميع محبي السلام من الطبقة العاملة العالمية، وجميع الفاعلين للتضامن مع مقاربة السلم والأمن التي يسير عليها المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. وأكد الوفد المغربي كذلك في هذه المداخلة أن المغرب، بقيادة جلالة الملك، يشكل اليوم ورشا كبيرا للتنمية وفضاء لحوار الحضارات والثقافات، وحصنا منيعا ضد جميع أشكال العنف والتطرف. وأضاف أن المغرب بلد أصيل يحافظ على ثوابته ويشهد تطورا بفضل المشروع الحداثي الذي بوأه موقعا متقدما داخل المنتظم الدولي. ومن جهة أخرى، أكد الوفد أن الحكومة المغربية قطعت أشواطا هامة في مجال العمل اللائق، وظروف عاملات المنازل، وتشغيل الأطفال، بفضل التشريعات الصادرة وعمليات التحفيز المتمثلة في مد مئات الآلاف من الأسر بمساعدات مادية مشروطة باستمرار تمدرس أبنائها وبناتها، وعقوبات زجرية في حالة الإخلال بهذا الشرط، وعقوبات زجرية أخرى خاصة بأي شخص يشغل الأطفال دون السن القانونية. وثمن في هذا الصدد إرادة منظمة العمل الدولية بخصوص إصدار نظم جديدة لموضوع تشغيل الأطفال. وعلى صعيد آخر، ذكر الوفد المغربي بنضالات الحركة النقابية المغربية التي ساهمت في انبعاث مغرب الحوار والحريات وحقوق الإنسان. وأبرز بالمقابل أن الحوار الاجتماعي مع الحكومة، رغم التطور الذي شهده على مستوى المأسسة وتلبيته بعض المطالب، يظل دون تطلعات الحركة النقابية المغربية. وفي معرض تطرقه لعلاقات منظمة العمل الدولية مع الطبقة الشغيلة، دعا الوفد النقابي المغربي المنظمة إلى تخليص هذه الطبقة من المساطر البيروقراطية تفاديا لأي تأخير قد يطال معالجة القضايا المرتبطة بالشؤون العمالية. وأثار الوفد المغربي كذلك ملف العمال المهاجرين الذي أكد أنه ملف بالغ الأهمية، مشددا على حاجتهم إلى دعم كبير من قبل منظمة العمل الدولية لكونهم أصبحوا لوحدهم يؤدون فاتورة الأزمة الاقتصادية، فضلا عن كل أنواع الميز والعنصرية التي يعانون منها. وندد الوفد المغربي بهذه المناسبة بقوة بالعمل الإجرامي الفظيع الذي تعرضت له القافلة الإنسانية لإغاثة وفك الحصار على أهالي غزة، داعيا إلى تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وكان وزير التشغيل والتكوين المهني جمال أغماني، قد أكد، يوم الثلاثاء الماضي، في معرض تدخله أمام المؤتمر باسم الوفد المغربي، أن المملكة المغربية اختارت توجها ديمقراطيا-حداثيا ومتضامنا كنهج للبناء المجتمعي وللتنمية، يجعل من الإنسان محورا للعملية التنموية ومنتهاها. وأوضح أغماني، خلال مداخلته في الدورة 99 لمؤتمر منظمة العمل الدولية، أن المغرب عرف في هذا الإطار، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، إلى جانب تعزيز وتوسيع مجالات الحريات السياسية والنقابية، تسريعا في وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع اعتماد سياسات اجتماعية عمومية إرادية لمحاربة عوامل الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. واستحضر الوزير، من ضمن أبرز هذه البرامج الإرادية، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تم إطلاقها سنة 2005، والتي مكنت مشاريعها، المنجزة وفق مقاربة تشاركية، أكثر من 4.6 ملايين من المواطنين من الاستفادة من مشاريع في مجالات الأنشطة المدرة للدخل وتحسين مستويات الولوج للتربية والتكوين والخدمات الصحية والنهوض بأوضاع إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة. وذكر أغماني، في هذا السياق، بالاستراتيجيات التي تم وضعها للرفع من مستوى النمو وإحداث مناصب شغل جديدة، مستحضرا على الخصوص الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي والذي يستهدف إحداث أكثر من 220 ألف فرصة شغل في أفق سنة 2015، إلى جانب مخططات أخرى مماثلة لتنمية قطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة ولتحديث بنية التجهيزات التحتية، فضلا عن الشروع مطلع هذه السنة في تنفيذ استراتيجية طموحة لإنتاج الطاقات المتجددة النظيفة بالاعتماد على الطاقة الشمسية. وأوضح أن هذه الدينامية، التي عرفها المغرب خلال 12 سنة الماضية، والتي واكبها إطلاق مخططات استعجالية في مجالي التربية والتكوين المهني والرفع من أداء البرامج الإرادية لإنعاش التشغيل، مكنت من تسجيل تراجع في معدل البطالة الوطني الذي انخفض من 13.6% سنة 2000 إلى 9.1% سنة 2009، ومن تراجع معدل الفقر من 16% سنة 1998 إلى 9% سنة 2007. 215 مليون طفل عبر العالم يضطرون للعمل بدلا من الدراسة ومن جهة أخرى، أعلن أغماني، بنفس المناسبة، أن المغرب يتفاعل إيجابيا مع الآلية الجديدة المقترحة من قبل مجلس إدارة منظمة العمل الدولية بهدف ضمان وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لخدم البيوت، مضيفا أن المملكة منخرطة في تفعيل خارطة الطريق التي أقرتها الندوة الدولية للقضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال المنعقدة بلاهاي يومي 10 و11 ماي 2010. وذكر في هذا الصدد بالجهود المبذولة من طرف المغرب منذ التصديق على الاتفاقية رقم 138 حول القضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال لمراجعة التشريع الوطني في هذا الباب، ووضع برامج وفق مقاربة تشاركية مندمجة. وأشار إلى أن هذه الجهود أعطت ثمارها كما أكدت ذلك نتائج معطيات البحث الذي نشرته مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط. وقال الوزير إن البحث سجل تراجعا ملموسا لظاهرة تشغيل الأطفال في المغرب من 517 ألف طفل سنة 1999 إلى 170 ألف طفل سنة 2009، أي بنسبة 3.4% من مجموع الأطفال البالغين ما بين 7 و15 سنة. وقد أكد التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية، الذي عرض خلال أشغال الؤتمر، أن 215 مليون طفل حول العالم يضطرون للعمل، بدلا من الدراسة. وأشار خوان سومافيا المدير العام للمنظمة، ضمن التقرير، إلى أن استمرار عمل الأطفال يعد «واحدا من بين أكبر مؤشرات فشل جهود التنمية»، معربا عن قلقه حيال تقديم التقرير لصورة ممتزجة بالإيجابيات والسلبيات من خلال رصده للتقدم المحرز في أفق تحقيق أهداف الألفية للتنمية. وشدد على ضرورة عدم تخلي العالم عن مسؤوليته تجاه هذه المشكلة، معتبرا أن «مكافحة عمالة الأطفال مسألة حياة أو موت»، مع تأكيده على ضرورة «إعادة تجديد الإيمان بإمكانية وجود عالم خال من عمل الأطفال». وأشار سومافيا إلى وجود مخاوف تهم «تأثير تباطؤ الاقتصاد العالمي السلبي على تحقيق المزيد من التقدم نحو القضاء على مختلف أشكال عمل الأطفال، مما يصعب التحدي المتمثل في تحقيق أهداف الألفية للتنمية». واعتبر أن التقدم في مكافحة عمل الأطفال بإفريقيا جنوب الصحراء قد توقف، وهو «أمر مخيب للآمال»، لاسيما وأن المنظمة اعتبرت في تقريرها السابق «إفريقيا كمنطقة تحتاج إلى اهتمام خاص». وحسب التقرير فإن نسبة الأطفال العاملين في آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي سجلت انخفاضا، فيما ارتفعت هذه النسبة في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث ارتفعت نسبة الأطفال العاملين لتبلغ طفلا من بين كل أربعة. كما سجل التقرير بقلق وجود زيادة بنسبة 20% في عمل الأطفال من الفئة العمرية بين 15 و17 عاما.