أقيمت في الأيام الأخيرة اجتماعات ترأسها المدير العام للأمن الوطني مع القيادات والمصالح الأمنية في العديد من جهات المملكة، وأطرتها منهجية تواصلية مكثفة، وهي مبادرة مهمة يجب أن تندرج ضمن منظومة عمل متكاملة تستحضر أجواء التغيير القانوني والدستوري في البلاد، وأيضا انشغالات المواطنات والمواطنين بشأن أمنهم وسلامتهم وطمأنينتهم. لقد ركزت الاجتماعات المذكورة على قضايا المحافظة على النظام العام ومكافحة الجريمة، بالإضافة إلى قضايا التدبير الداخلي والأوضاع العامة للعاملين وأشكال الحكامة داخل المؤسسة الساهرة على أمن المغرب والمغاربة، ولكن الأساس أن تحرك المدير العام للأمن الوطني جاء ضمن سياق سياسي واجتماعي لا يخلو من حساسية وأيضا من احتجاجات متواترة في الشارع وفي العديد من المناطق. وإن هذه التظاهرات الاحتجاجية بقدر ما أنها أحيانا تعرف تجاوزات لأجهزة الأمن، فإن الكثيرين يسجلون في نفس الوقت أن تجاوزات عديدة قام بها المحتجون أنفسهم، وشملت اعتداء وتخريبا لمؤسسات ومصالح عمومية، ما جعل إحساسا شعبيا يسود، كما لو أن الدولة قد تكون «استقالت» من مسؤوليتها في حماية الأمن والاستقرار في البلاد، وهذا الإحساس المعبر عنه من خلال أحاديث الناس وتظلماتهم هو بالذات العنوان الكبير لمهمة إدارة الأمن اليوم، أي تقوية الحضور في الميدان بقصد استتباب الأمن. وبدهي أن إنجاح كل الإصلاحات الديمقراطية والسياسية لا يمكن أن يتم من دون إشاعة الأمن والاستقرار في البلاد، ومن هنا فإن الحق في الاحتجاج وفي التظاهر السلمي في الشارع يقترن بحق المواطنات والمواطنين في الأمن، وهو حق يجب أن تكفله لهم الدولة وأجهزتها المسؤولة عن ذلك. في الإطار ذاته، إن السياق السياسي والدستوري الجديد في البلاد يفرض على أجهزة الأمن تمثل مقتضياته، وبالتالي الانضباط في التدخل وفي القرار وفي العمل اليومي للقانون وفقط للقانون، واحترام كرامة الناس، وهذا يجعل تقوية الحضور الميداني، وفي نفس الآن الانضباط للقانون، المكونين الجوهريين في الجدلية المميزة لدور أجهزة الأمن. إن ما تشهده بعض مناطق المملكة من احتجاجات وتوترات تطفح بالتجاوز، وأيضا ما بات يحصل في بعض المدن التي جعلتها وضعياتها الأمنية «مناطق سوداء» يفرض على المؤسسة الأمنية اليوم الانكباب على الاستجابة لحاجة الناس إلى الأمن وإلى الإحساس بالطمأنينة. وبالإضافة إلى الحراك الداخلي والتواصلي الذي يخوض فيه المدير العام للأمن الوطني هذه الأيام عبر التراب الوطني، فإن هذه المنظومة الأدائية الجديدة يجب أن تقوم كذلك على الانفتاح والتشارك مع متدخلين آخرين في المناطق، ومن ثم تكريس انخراط كافة الأطراف في تأمين أمن الناس وسلامة البلاد واستقرارها، بالانضباط للقانون وبتعزيز مداخل الإصلاح الشامل في الدولة وفي الحياة العامة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته