الحالة المتدهورة لمنطقة النخيل تعود إلى غياب نظام ري مناسب تقاوم واحة النخيل بمراكش، التي تعتبر موروثا طبيعيا ذا بعد بيئي وجمالي وتاريخي وحضاري، الزمن من أجل البقاء لأسباب متعددة مرتبطة أساسا بالظروف المناخية الصعبة، بالإضافة إلى تعدد أشكال تدخل الإنسان في الطبيعة، ما يستوجب معه تظافر الجهود للمحافظة وتنمية هذا الموقع.. وتعاني واحة النخيل بمراكش، التي كانت تعتبر امتدادا للمناطق الزراعية، والتي يعود تاريخ إحداثها إلى القرن 11، بعد استقرار المرابطين القادمين من الجنوب بالمنطقة، من تدهور كبير في بعض من أجزائها، بسبب تعطيل أنظمة تعبئة مياه الري والقطع العشوائي الذي طال هذا النوع من الأشجار.. وتشكل منطقة النخيل، التي تمتد على مساحة تبلغ أزيد من 1200 هكتارا وتضم حوالي 100 ألف نخلة، أحد المكونات الأساسية لهوية المدينة الحمراء وإحدى الواحات الأكثر جمالا على الصعيد الوطني، والتي تمنح، بذلك، منظرا فريدا من نوعه خلال فترة تساقط الثلوج بالأطلس الكبير.. وأكدت رئيسة مصلحة الشراكة من أجل المحافظة وتنمية الموارد الطبيعية بالمديرية الجهوية للمياه والغابات بمراكش، نوال بوسدر، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الجوهرة الطبيعية تتوفر على عدد من الأنواع التي تنفرد بها، والتي تتميز مقارنة مع المناطق الأخرى بالمملكة، بالتباين الكبير لأشجارها وتنوع حيواناتها ونباتاتها.. وأضافت أن الأهمية البيئية التي يكتسيها هذا الموقع، تجسدت من خلال إصدار سلسلة من النصوص القانونية الرامية إلى حماية منطقة النخيل وتصنيفها وتجريم العاملين على إضرام النار بها أو اقتلاع أشجار النخيل. الحالة الراهنة وحسب عدد من المتخصصين والباحثين، فإن الحالة المتدهورة التي تعاني منها منطقة النخيل ترجع، بالأساس، إلى غياب الأنشطة الفلاحية بسبب الجفاف وغياب نظام ري مناسب، خاصة بعد الضرر الذي لحق «الخطارات» التي كانت تشكل النظام الناجع للسقي لهذه الواحة، والتي تستمد مياهها من جبال الأطلس.. وأرجعوا، أيضا، سبب هذا التدهور إلى تطور بعض الأنشطة التقليدية المرتبطة بالقطع العشوائي للنخيل، وتواجد بالموقع عدة تجمعات سكنية عشوائية، ورمي مياه مستعملة غير معالجة، وممارسة أنشطة زراعية في ظروف غير صحية وإضرام النار، بالإضافة إلى التوسع العمراني الذي تعرفه المدينة الحمراء والذي يسير بوتيرة حثيثة. مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة حصن الأمان لواحة النخيل بمراكش وللحد من هذا التدهور وتمكين واحة النخيل بمراكش من استرجاع بريقها ودورها، أطلقت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة سنة 2007 برنامجا طموحا بشراكة مع عدة فاعلين من ضمنهم ولاية مراكش والمجلس الجماعي للمدينة.. وأوضحت السيدة بوسدر أن هذا البرنامج يهدف، خلال مدة ست سنوات، إلى غرس 430 ألف نخلة والعناية بأشجار النخيل المتواجدة، وإعادة تأهيل منطقة النخيل.( ويسعى البرنامج، أيضا، إلى إعادة تثمين كل ما هو طبيعي وسياحي واقتصادي لهذا الفضاء، وذلك بالاعتماد على تعزيز كثافة أشجار عبر عملية الغرس، وإعادة تأهيل النظام البيئي وتحسين حالة الغطاء النباتي من أشجار النخيل.. يشار إلى أنه تم خلال سنة 2008 غرس 157 ألف نخلة ورعاية 40 ألف نخلة أخرى ووضعها تحت الحماية. وفي سنة 2009 تم زرع 120 ألف نخلة ورعاية 65 ألف نخلة أخرى، وتم في سنة 2010 زرع 98 ألف و228 نخلة.. كما يروم هذا البرنامج وضع برامج للتحسيس والتربية على البيئة المنتظمة حول إشكاليات الواحات والنخيل، لاسيما عن طريق برامج المدارس الإيكولوجية للأطفال والمفتاح الأخضر بالنسبة للفنادق.. ويهم كذلك إحداث متحف إيكولوجي دولي للواحات تسند إليه مهمة جمع أنشطة الإنسان وحفظها، لتشهد على حياة من أسسوا لثقافة الواحات خلال عدة قرون باعتبارها مجالا للتدبير التقني والاجتماعي لمصدر الماء. إجراءات ملموسة أعطت النتائج المنتظرة ومن أجل تحقيق النتائج المرجوة، تم سنة 2003 إحداث مشتل من قبل بلدية مراكش، على مساحة بلغت 15 هكتارا، وبطاقة إنتاجية سنوية معدلها 80 ألف شجيرة من مختلف الأحجام، والذي يهدف إلى المساهمة في تعزيز كثافة أشجار النخيل، من خلال إنتاج فسيل النخل، وغرس هذا النوع من الأشجار بالمجالات الخالية أو التي تعاني من قلة كثافة الأشجار، وتوزيع، لفائدة مختلف الفاعلين، شجيرات قادرة على مقاومة مرض البيوض.. وقد تم إيلاء اهتمام خاص بتحسين حالة الغطاء النباتي لواحة النخيل، عبر رعاية الأشجار وريها بطريقة مستمرة، لتعويض العجز من المياه بالنسبة للأجزاء غير المسقية من الواحة وتهيئة الأرض للسماح للنخيل من الاستفادة من مياه الري والأمطار.. وأكد عدد من الأساتذة الجامعيين أن إحداث محطة لمعالجة المياه العادمة بمراكش، حيث أن جزء من المياه المعالجة مخصصة لري واحة النخيل، يعتبر مشروعا هاما، ملاحظين أن هذه المحطة من شأنها المساهمة في تحسين حماية البيئة، على الخصوص، عبر إزالة التلوث عن جزء كبير من الواحة الواقعة على الطريق المؤدية إلى الدارالبيضاء وآسفي، وري هذه المنطقة وغيرها طبقا للمعايير الصحية المتعامل بها. المجتمع المدني يضطلع بدور هام في هذا المجال ولمواكبة هذه التعبئة الهادفة إلى حماية واحة النخيل بمراكش, أحدثت عدة جمعيات تروم جميعها المساهمة في هذه الجهود المسترسلة من أجل المحافظة على الواحة، من بينها جمعية المحافظة على واحة النخيل، التي أنشئت سنة 2006 تحت عنوان «مرصد واحة النخيل بمراكش».. وتطمح هذه الجمعية، التي تعتبر شريكا للسلطات العمومية، بالأساس، إلى خلق الظروف المواتية لإعادة تأهيل والنهوض بواحة النخيل باعتبارها فضاء ذا قيمة بيئية كبيرة، بالإضافة إلى تقديم دعمها إلى المشتل، والقيام بأعمال اجتماعية عبر خلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة نساء الدواوير الكائنة بالواحة، خاصة دوار تامسنا وعبياد.. وقد تجسدت هذه التعبئة بالتوقيع، في دجنبر 2007، على ميثاق المواطنة بين جمعية المنعشين العقاريين، ومجلس المدينة، ومرصد واحة النخيل بمراكش، والهادف إلى حماية وتهيئة واحة النخيل من المخلفات والبقايا الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بقطاع البناء، خاصة وأن مراكش تعرف توسعا كبيرا في العمران.. وترتكز المحافظة على واحة النخيل بمراكش, أيضا، على النهوض وتعدد عمليات غرس أشجار النجيل بمختلف الفضاءات الخضراء بالمدينة، حيث تبنى المجلس الجماعي لمراكش، في هذا الصدد، عددا من الأنشطة التي تروم غرس شجيرات النخيل على مساحة إجمالية تبلغ 80 هكتار.