الهاشتاغ الذي انتشر في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بخفض أسعار المحروقات بالبلاد، ليس "فرصة" لتسجيل الأهداف أو رمي الكرات في مرمى الخصوم السياسيين، وفي نفس الوقت لا يقتضي اعتباره مجرد مناورة انتخابوية أو ضربة لرئيس الحكومة من طرف المعارضة، أو أن جهات ضمن هذه الأخيرة هي التي تقف وراءه وتموله، لأن حصر الكلام في هذا الحد التبسيطي جدا يعتبر سطحية وهروبا إلى الأمام. الأمر يتعلق بقلق مجتمعي حقيقي وواضح وسط شعبنا، وتجسده مختلف مجالس الحديث، ويؤكد وجود غلاء فعلي متفاقم في أسعار المحروقات، وترتيبا عليه، ارتفعت أسعار عديد من المواد الأساسية والخدمات، وتضررت، جراء ذلك، القدرة الشرائية لفئات واسعة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها الكل، وأن تكون أولوية التفكير والتدخل السياسيين والتدبيريين من لدن المسؤولين. تقول الحكومة ومن يدافع عن رأيها، إنها دعمت عددا من القطاعات، واتخذت إجراءات لتأمين استقرار السوق والأسعار، ولكن الواقع المعاش اليوم هو أن الناس في معيشهم اليومي يكتوون، على مدار الساعة، بغلاء كل المواد، ولا يحسون بأي حضور أو تدخل للحكومة. في كل مرة لما ترتفع أسعار المحروقات على الصعيد الدولي، ترمي الحكومة كرة الغلاء عندنا إلى العوامل الخارجية، ولكن لما تسجل الأسواق العالمية بعض الانخفاض لا ينعكس ذلك على السعر عندنا، ويحتار الناس أمام مبررات حكومتنا. الحكومة، في نفس الوقت، لم تجرؤ على التوجه نحو شركاتنا الوطنية التي راكمت أرباحا هائلة جراء ارتفاع الأسعار، لتطلب منها تخفيض أرباحها والمساهمة في الجهد الوطني، وذلك صيانة للقدرة الشرائية ولاستقرار أوضاع بلادنا... وهي أيضا لم تتفاعل مع نداءات تخفيض الضريبة المفروضة على استيراد المحروقات أو تخفيض الضريبة على القيمة المضافة، وذلك بما يحفز ويتيح تخفيض الأسعار على المستهلك. لم يفهم الناس كذلك سر امتناع الحكومة عن الاقتراب من ملف شركة "لاسامير"، والسعي لتشغيلها، وذلك بما يسمح لبلادنا بتدبير المخزون الإستراتيجي أو التحكم في التوزيع والأسعار، ولا أحد اليوم في البلاد أقنعته تصريحات مسؤولي الحكومة بهذا الشأن. إن ما يجب فهمه والتقاطه من (الهاشتاغ)، وأيضا مما حدث في افتتاح مهرجان تيميتار بأگادير، هو أن الغلاء حقيقة ملموسة في حياتنا اليومية وأن القدرة الشرائية للمغاربة تضررت كثيرا، وأن على الحكومة أن تتدخل لإيقاف التهاب الأسعار. هذا ما يجب أن تراه الحكومة وأن تتدخل بشكل ملموس للتصدي له، وليس أن تتفرج عليه بشكل سلبي، وتعتبر كل ما يشكو منه الناس مجرد مناورة أو تحريض من الخصوم السياسيين أو من لدن جهات غير معلومة تحاربها. إن مشكلة حكومتنا "السياسية جدا" هي أنها تفتقر للحضور السياسي وسط المجتمع، وأنها لا تحسن الإنصات لنبض شعبنا وانشغالاته، وأنها لا تتفاعل ولا تقنع ولا تتواصل مع الناس لتنورهم وتقنعهم بما تقوم به أو تفكر فيه. دور الحكومة ليس أن تحلل لنا لماذا يحتج الناس ضد الغلاء، أو تقضي كامل وقتها تفكر في من يقف وراء الاحتجاج، ولكن دورها أن تنفذ سياسات عمومية، وتتخذ إجراءات عملية لمواجهة الغلاء وتقضي عليه، ولهذا حكومتنا الحالية سلبية و... غير سياسية. حكومتنا لم تستطع الاقتراب من شركات المحروقات واللوبيات المستفيدة من ارتفاع الأسعار، وهنا مربط الفرس، وأيضا من هنا يجب أن ينطلق الحل، أي أن تنخرط هذه الشركات الكبرى في المجهود الوطني العام للتقليل من حدة الغلاء، ولحماية استقرار المجتمع. لماذا إذن حكومتنا لم تجرؤ على التوجه إلى هذه الشركات الكبرى المستفيدة؟ وكيف لا تريد لشعبنا أن يغضب جراء ذلك؟ ولماذا على بسطاء الناس أن يدفعوا كل يوم فواتير ارتفاع الأسعار مقابل مراكمة الشركات الكبرى للأرباح الفاحشة والاغتناء على ظهر معاناة المستهلكين الفقراء؟ حكومتنا في حاجة إلى السياسة، وإلى أن تفكر بحجم الوطن ومستقبله ومصلحته، وأن تتحرر من الارتهان إلى لوبيات المحروقات. محتات الرقاص