5- اشترى محلا لبيع مواد الكهرباء وله أعوان يؤدي رواتبهم استعادة السجين لحريته، لا تعني بالضرورة، أن هذا الأخير بإمضائه للعقوبة المحكوم بها وراء القضبان سيتمكن من التخلص من عبء الجريمة ومن تكاليفها الحاطة بالكرامة، تماما كما يتخلص الغسيل بالماء والمساحق من الوسخ. فكثيرا ما يتعرض السجين بعد إطلاق سراحه للنظرات المزدرئة والشامتة من طرف الآخرين، فتصبح لديه فكرة إعادة الاندماج في المجتمع صعبة المنال، وحلم رد الاعتبار لنفسه ومحيطه الأسري بالخصوص مجرد وهم لا يستقيم مع مجتمع لا يرحم. فالنظرة الدونية التي تبخس من قدر وقيمة الإنسان لمجرد سابقه سجنية في حياته،هي نفسها النظرة التي قد تدفع أي سجين غادر المعتقل، ولم يتسلح بالعزيمة القوية، للعودة مرة أخرى إلى السجن. إلا أن هناك حالات تمكن فيها أشخاص عانقوا الحرية بعد تجربة السجن ومعاناته، وإن اختلفت قصصهم، من الحصول على الدعم والمساندة من طرف جمعيات مدنية أخذت على عاتقها إعادة تأهيل السجين بعد خروجه من مؤسسات الإصلاح وإعادة إدماجه في المجتمع، وذلك من خلال الرفع من معنوياته لخوض معركة الحياة الكريمة وعدم العودة للسجن. وكذا في الأعمال الخيرية لبعض المحسنين الذين يعملون على انتشال المحتاجين ومن ضنهم السجناء من الفقر. *-*-* رغم الصعوبات التي اعترضته بعد خروجه من السجن استطاع هذا السجين قلب حياته رأسا على عقب. هذا السجين رسم الأهداف المؤطرة لحياته الجديدة وهندس لبلوغ مستقبل واعد بالعطاء، العطاء الذي يأتي نتيجة للعمل والمثابرة. يقول( س-ع)، «الركون إلى المبررات الجاهزة في تفسير الإخفاقات في الحياة بالنسبة للأشخاص الذين مروا بتجربة السجن في حياتهم، غير مقبول بتاتا، وهذا الأمر يصح حتى على الذين لم يقدر لهم أن يتعرضوا للأسباب الملزمة لتقييد حريتهم وراء القضبان. يعتبر ( س-ع)، الكفاح في الحياة السبيل الوحيد للإنسان لبلوغ مقصده شريطة أن يمتثل في سعيه للوصول إلى أهدافه، للقانون الذي يؤطر العلاقة بين الناس.مشيرا إلى أن كل من يتصرف خارج الصيغ التي يعتمدها القانون في تنظيم الحياة الإنسانية مصيره، سيكون حتما السجن . ( س-ع)، الذي سجن لمدة 4 سنوات في بداية شبابه، لم يمض مدة سجنه كفترة مستقطعة من حياته الطائشة التي قرر التخلص منها بعد معانقة الحرية. لذلك قرر أن يستغل هذه المدة داخل السجن في بناء استراتيجية محكمة تنقله لحياة جديدة. كانت الانطلاقة بالنسبة ( س-ع) العمل على إدراج اسمه ضمن لائحة السجناء الذين سيستفيدون في تلك الفترة من برامج التكوين المهني داخل السجن، فهو حاصل على شهادة التعليم الابتدائي و تابع دراسته إلى حدود السنة الرابعة من التعليم الإعدادي.وكان يدرك مدى حيوية هذا العامل في التميز في بيئة سجنية تطغى فيها الأمية على أكثرية السجناء الذين يركن أغلبيتهم للكسل والخمول ولا يهمهم سوى تجزية الوقت في إي شيء لا يخدم مصلحتهم... يقول ( س-ع)،» لقد ركزت طيلة مدة اعتقالي على الاستفادة من برامج إعادة التأهيل التي توفرها المؤسسة السجنية، ونلت شهادة التكوين المهني في شعبة الكهرباء بميزة حسن جدا. مما أهلني للاندماج مرة ثانية في المجتمع» بعد معانقتي الحرية». لا ينكر ( س-ع)، الصعوبات التي اعترضته في بداية حياته الجديدة، وهي صعوبات لا يختصرها فقط في النظرة الدونية ل»أولاد الدرب» و بعض أفراد عائلته الذين كانوا في تلك الفترة يتحاشون الكلام معه ويتصنعون الخوف في كلامهم عنه، وإنما في توجس أصحاب «حرفة الكهرباء» من إسناد العمل إليه رغم أنه كان يفوقهم في المعرفة و المؤهلات في المجال فهو في رأيهم ليس محل ثقة... يقول ( س-ع) « لم استسلم للتحديات التي كانت تواجهني واعتبرتها امتحانا إلهيا للتأكد من حسن نيتي في الخلاص من المأزق الذي وضعت نفسي فيه بارتكابي السرقة ودخولي السجن، ولذلك لم تعامل مع الآخرين بمنطق الحقد والكراهية ولم اعتبر ما كان يصدر منهم في حقي شماتة، وإنما سلوكا احتياطيا في التعامل مع أصحاب السوابق العدلية». ويضيف « من أجل تغيير نظرة المجتمع بدلت الكثير ،وأول مجهود كان الفضل فيه لأصدقائي الذي مازلت وسأبقى اعتز بعلاقتي معهم مدى الحياة، وهم ثلاثة أصدقاء (محمد -عبد القادر -خالد )، لقد شكلنا حينذاك مجموعة وتقدمنا لجمعية تعمل في مجال القروض الصغرى، بملفنا و منحتنا قرضا ماليا. وكانت مفاجأتي العظيمة أن أصدقائي تخلوا لي عن حصصهم في القرض المالي، وليس هذا فقط، فقد ساعدوني أيضا على رد المبلغ المالي للمؤسسة». كان للعمل التضامني لأصدقاء ( س-ع) أثر كبير على نفسية هذا الأخير، الشيء الذي انعكس على شعوره بالاندماج في المجتمع. مما شكل له حافزا في الاستمرار في صنع مستقبله معتمدا على ساعديه. يقول ( س-ع) « أصدقائي لم يتوقفوا عند هذا الحد من العمل التضامني معي،لاسيما بعد أن برهنت لهم أني جدير بهذه المعاملة النموذجية، فقد كانوا أيضا، يأتونني بالزبائن ممن كانوا يشيدون منازل في التجزئات السكنية في ضواحي المدينة، ويحتاجون لكهربائي من أجل ربط منازلهم بهذه المادة الحيوية». لقد استطاع ( س-ع)، بعد سنوات من عمله الجاد وحسن أخلاقه أن يكون محط تنويه أصدقائه وأن يكتسب مهارة وتجربة واسعة في مجال الكهرباء، وبفضل ما ادخره من عمله بعد سنوات تمكن من شراء محل خصصه لبيع مواد الكهرباء وأصبح له أعوان يؤدي لهم رواتبهم نهاية كل شهر. (س-ع) الذي كان الابن الوحيد لأسرة ريفية استقرت سنة 1970 بالمدينة القديمة ،يبلغ من العمر حاليا حوالي 46 سنة،متزوج وله ابناء يسهرعلى تعليمهم. (س-ع) الذي كان الابن الوحيد لأسرة ريفية استقرت سنة 1970 بالمدينة القديمة ،يبلغ من العمر حاليا حوالي 46 سنة،متزوج وله ابناء يسهرعلى تعليمهم.