في شهر دجنبر 2009 حلت مناسبتان، الأولى مرور 150 عاما على ظهور الترجمة الانكليزية لرباعيات عمر الخيام (1859)، والثانية مرور 200 عام على ولادة مترجمها اداوارد فتزجيرالد (1809 -1883)، ومعهما نتذكر كيف ارتبطت حياة شاعر ولد في بلاد فارس وعاش بين 1048 1131 وأخر ولد في انكلترا. وكيف شكلت الترجمة الأولى حياة المجتمع البريطاني خاصة الفيكتوري منه، مع أن الطبعة الأولى التي طبعها اداورد فتزجيرالد على نفقته لم يهتم بها احد، ووضع احد مشتري الكتب نسخاً منها في صندوق بيع الكتب بفلس واحد في إحدى مكتبات لندن. لكن الترجمة التي جاءت صورة عن حياة مترجمها واهتماماته بالثقافة الفارسية واليونانية والأدب الكلاسيكي الأوروبي وجدت لها حياة كي تعيش وتتجدد مثلما تجددت حياة الشاعر عمر الخيام. فعلى الرغم من الأسئلة التي يطرحها الأكاديميون في مكاتبهم وقاعات محاضراتهم حول نسبة الرباعيات لعمر الخيام ومكانتها في الأدب الفارسي، إلا أن الرباعيات التي ترجمها فتزجيرالد ظلت مثل النسخة الأصلية مصدر الهام لأجيال من الفنانين والأدباء الشعراء والناثرين والرسامين وأصحاب دور النشر الخاصة ومن انضموا إلى نواد خاصة بعمر الخيام (لندن 1892) وأخرى في بوستون الامريكية وكانت تقدم قائمة طعام عمر الخيام، ومن اهتم بنقل الرباعيات للثقافة الشعبية، من روزنامات ونسخ كهدايا لأعياد الميلاد، ومن قدمها على شكل قصص المغامرات، ومن حاول طباعتها في كتب ضخمة لم تكن محظوظة وغاصت مع سفينة تيتانيك 1912 ومن حاول إحياء تلك النسخة المزركشة بالجواهر لتواجه قدرها الأخير أثناء القصف الألماني للندن (بليتز) أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن حاول اختصارها إلى نسخ صغيرة جدا تقرأ بالعدسة المكبرة. فيما اهتم موسيقيون بترجمتها غنائيا وآخرون بتلحينها، ومحاولات أخرى لتحويلها للسينما. ولم تفت الرباعيات المترجمين لقراءتها أسطوريا، خاصة عبر الأسطورة الهندية، فيما قدمها كتاب شعبيون أوروبيون من خلال قصص الجنيات والأشباح، فيما ظهرت طبعات متعددة اللغات بالفرنسية والألمانية والانكليزية والعربية والتركية ... وظلت الرباعيات حتى في الوقت الحاضر مصدر الهام لأجيال من الكتاب والشعراء، وقد صدرت على ضفتي الأطلسي طبعات جديدة وكتب عن الرباعيات، إذ أن الاهتمام بها لم يقتصر على انكلترا فحسب، بل سافرت شهرتها إلى أمريكا. وحتى الآن صدرت 80 ترجمة لها بلغات العالم، واستعادها فنانون كلاسيكيا وترجموها عبر رؤى معاصرة. استعادة الشعر والفن والخيال وبهذه المناسبة تقيم المكتبة البريطانية وفوليو سوسيتي معرضا يعيد ذكرى الخيام ومترجمه الانكليزي، حيث يسبح الزائر بين حدائق عمر الخيام وأشعاره المكتوبة على أوراق معلقة تعكس جنة الخيام، وفي كل لوحة/ ورقة يقرأ الزائر ابياتا من ترجمة فتزجيرالد، وبين الشعر معلومات عن الشاعر الانكليزي وترجمات الرباعيات واثر الترجمة على الحياة الانكليزية، خاصة الارستقراطية، إضافة لعرض نماذج من طبعات ومراسلات فتزجيرالد مع اصدقائه وخلانه ونماذج من طبعات الترجمة في نسخها المتعددة، وجماليات الخط والزخرفة والتجليد وأحجام الكتاب المختلفة من العملاقة إلى المتوسطة والصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة، ويظهر المعرض الهوس الانكليزي بالترجمة والرباعيات. والغريب أن حياة رباعيات الخيام في نسختها المترجمة الأولى وطباعاتها، لم تلق اهتماما يذكر، حيث لم يكتب المترجم اسمه عليها بعد فشل أعمال له، وانتظر الجمهور إهداء الشاعر الفريد تنيسون عام 1885 ديوان شعره إلى فيتزجيرالد، عندها أخذت الأنظار تتجه نحو هذا الشاعر المغمور ومن ثم ولدت الرباعيات من جديد، فمن فلس واحد للنسخ الأولى التي انفق عليها فيتزجيرالد من جيبه إلى عشرات الألوف. وفي عام 1929 بيعت نسخة 1400 جنيه، أما أمريكا فبيعت النسخ منها 8000 دولار. شاعر ومترجم بوهيمي نعرف قصة فتزجيرالد الارستقراطي المولود في برودفيلد هاوس القريب من وودبردج/ مقاطعة سفولك، ودراسته في كلية ترينتي بجامعة كامبردج، التي تخرج منها. وحياته الحرة التي لم يكن فيها التزام بالعمل وهمومه، حيث كرس وقته للقراءة والسفر والمراسلات مع أصدقائه من أدباء عصره، منهم من التقاهم اثناء الدراسة مثل، ثاكري وموريس وجون كيمبل ودني وريتشارد مونكتون ميلنز. كان فتزجيرالد مثقفا ثقافة عالية، مطلعا على اكثر من حقل أدبي، وكأي قارئ حر كانت لديه هوايات واهتمامات متعددة، يقرأ بطريقة غير منتظمة تأخذ من كل علم بطرف. وعاش كل حياته للقراءة والمراسلات الأدبية، وباستثناء زواج لم يعمر إلا عاما من كريمة صديق شاعر له، حافظ على حياته الهادئة خاصة ان ثروة العائلة كانت تكفيه. وإضافة للرباعيات خلف فتزجيرالد عددا من الترجمات عن الإغريقية والفارسية والاسبانية. وتعود علاقته بالرباعيات لعلاقته مع زميل دراسته ادوارد بايلز كاول، الذي فتح عينيه على الأدب الفارسي والثقافة الشرقية، وأصبح كأول نفسه فيما بعد استاذا للغة السنسكريتية. وفي عام 1856 عثر كأول على نسخة من الرباعيات في مكتبة بودليان بجامعة اوكسفورد. وقام بتصوير نسخة منها وتقديمها لصديقه فتزجيرالد، الذي بدأ يعمل على ترجمتها صيف عام 1857 . وانتهى منها بعد ستة أشهر. وفي عام 1858 اتصل مع مجلة ادبية عارضا نشر أجزاء منها، ولكن مجلة 'فريزر' رفضت، ومن هنا قام بنشر طبعة محدودة من 250 نسخة ظهرت عام 1859. وقام بتسويقها بطريقة شخصية، حيث عرضت في بعض المكتبات على أن تباع النسخة منها بشلن واحد، ولكن كسادها أدى إلى تخفيض سعر النسخة إلى فلس واحد. ورغم هذا فقد طبعت الرباعيات خمس مرات، منها أربع في حياته بتعديلات في بعض الأحيان والطبعات هي، عام 1859 و1868 و1872 و1879 والخامسة بعد وفاته، وظهرت عام 1889 وتفاوتت الرباعيات من نسخة لأخرى فمن 75 رباعية في النسخة الأولى إلى 101 في الطبعتين الرابعة والخامسة. ولم يكتب فيتزجيرالد اسمه على الطبعات، بل حملت الطبعات اسم رباعيات الخيام مترجمة بشعر انكليزي. ومع ان فتزجيرالد كان سيئ الحظ ولم يلق الاهتمام الذي يستحقه في حياته، إلا انه أصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس بعد مماته، اذ ان الرباعيات عرضت على مبضع الباحثين فعملوا على تشريحها والبحث في مصادرها والتحقق من أصالتها، وأضحت قصة الخيام وفتزجيرالد قصة ذات هوية عالمية امتدت الحروب حولها من بلد لأخر وتصدى الكثيرون، خاصة الباحثين الإيرانيين، لتجلية ما رأوه جناية المترجم الانكليزي على الأدب الفارسي. وما يهم في النهاية أن فتزجيرالد وان اتهم بالتلاعب بالرباعيات وتحويرها او تغييرها، إلا انه صب فيها من روحه ومن ثقافته الكثير، بشكل جعل الرباعيات تحفة أدبية بالانكليزية لا تقل عن أصلها الفارسي. فقد تماهت روح الشاعر الانكليزي مع نظيره الفارسي لتنتج نسخة جديدة، أصبحت هي الأخرى نموذجا يحتذي به الشعراء والأدباء في المشرق والمغرب وينظم على طريقته. وما يهم في هذا السياق أن الشاعر الانكليزي كان واضحا في تحديده ماهية ترجمته في رسالة لصديقه كاول، قال فيها أن بعض الرباعيات تماهت او ذابت وبعضها تلاشى من دون اثر. وتظل قراءة كلمات الشاعر الانكليزي (في المعرض) في حد ذاتها ومتابعتها رباعية بعد رباعية رحلة روحية، إذ أنها تنقلك إلى عالم فيه من السحر والجمال المذاب بعطر بساتين نيسابور وعطر أزهارها، حيث عاش الخيام معظم حياته يقرأ أشعاره للندامي ورفاق الدن، يتساءل فيها عن معنى الحياة والأبدية ومصير الروح والأزل والجبر والاختيار. فتزعمر ومن هنا ونظرا للحرية التي تتميز بها ترجمة فتزجيرالد، فقد أطلق البعض عليها اسم 'رباعيات فيتزعمر'. في الآداب الأوروبية ترجمت الرباعيات إلى عدد من اللغات منها، ترجمة غراف فردريك فون شاك عام 1878، حيث ترجم 151 رباعية، فيما ترجم فردريك مارتبنوي فون بودينستد الرباعيات عام 1881 للألمانية. وهناك أيضا ترجمتان انكليزيتان لادوارد هنري وينفيليد تضم واحدة منها 253 رباعية عام 1882، وأخرى 500 عام 1883. ولجون ليزلي غارنر ترجمة ل 152 رباعية. وقام جاستين هانتلي ماكارثي بترجمة نثرية ل 466 عام 1888- 1889، واخرى لاداورد هيرون الين عام 1898. وقام الباحث أي جي اربري بترجمة للرباعيات بناء على نسخة قيل أنها تعود للقرن السادس الهجري (658 ه) ونشرها عام 1949، وتضم 172 رباعية، إلا أن البحث العلمي اثبت عدم صحتها بالفرنسية. وهناك ترجمة جي بي نيقولا الذي كان يعمل مترجما في السفارة الفرنسية في إيران عام 1867، وإضافة إلى هذه اللغات حظيت الرباعيات باهتمام من الباحثين الروس، حيث تعود أولى الترجمات إلى عام 1891، وترجمت إلى اللغة السويدية عام 1928 والى لغة مالايلام الهندية، التي يتحدث بها سكان منطقة كيرالا عام 1932، والى تيلغو- لغة سكان اندرا براديش عام 1935. والى الهندية عام 1959 والويلشية عام 1939، والايطالية عام 1944 وأخرى عام 1965، والسواحيلية عام 1948، وظلت مخطوطة حتى نشرها عام 1952. إضافة لترجمات للغات الالبانية والكردية والتايلاندية والارمنية والفنلندية. يتراوح عدد الرباعيات المنسوبة للخيام من 60 الى 1200، وبعض الباحثين يقول أنها تصل الى 2000 او 5000، وليس كل الرباعيات من عمل الخيام، ومن المؤكد أن الكثير مدسوس عليه، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الخيام كان ينظم الرباعيات ويلقيها أمام خلانه، وانه كان معتزلا الناس اتقاء لشرهم. ويرى باحثون إيرانيون ان حقيقة وجود رباعيات منسوبة للخيام تعني انه نظم جزءا منها . الرحلة في المخيال العالمي ولا غرو فالرباعيات تركت أثرها على الثقافة العالمية من ناحية الاستشهادات والاستعارات والاستعادة والاستحضار الفني رسم ومسرح وموسيقى. فيوجين أونيل استعار عبارات منها في عنوان مسرحيته 'آه أيتها البرية'، أما أغاثا كريستي كاتبة الروايات البوليسية، فقد استعارت عنوان ' الأصبع المتحرك' من الخيام. وقام الموسيقار غرانفيل بانتوك بإنتاج عمل كورالي قائم على ترجمة فتزجيرالد. وكذلك عالج الموسيقار الارمني- الأمريكي ألان يوفهانيس عددا من الرباعيات موسيقيا. فيما قام الفنان ادموند دولاك بإنتاج نسخة شهيرة مصورة للرباعيات عام 1909. ويعتقد أن المخرج الأمريكي دي دبليو غريفيث خطط لإخراج فيلم يقوم على الرباعيات عام 1916. وتركت الرباعيات أثرها على الشاعر والكاتب الارجنتيني خورخي لويس بورجيس، حيث عالج ترجمة فتزجيرالد في مقال 'لغز ادوارد فتزجيرالد' في كتابه 'تساؤلات أخرى' عام 1952. وتركت الرباعيات أثرها على أشعاره في 'مديح الظل' و'الشطرنج' و'الصانع'، وهذا اثر يعود إلى أن والد خورخي، خورخي غويليرمو بورجيس ترجم النسخة الاسبانية من الرباعيات بناء على ترجمة فتزجيرالد. وفي مجال الرواية كتب امين معلوف روايته 'سمرقند'، التي تدور حول حياة عمر الخيام. وفي مجال رواية الخيال العلمي اشتملت رواية بول مارلو 'البعث والحياة' على شخصية لا تتواصل إلا عبر أشعار الخيام. العرب وترجماتهم مع أن أول ترجمة عربية لرباعية واحدة تعود إلى القرن السابع الهجري، تلك التي ترجمها القاضي نظام الدين الأصفهاني، إلا أن العرب وبعد سبعة قرون، وللأثر الذي تركته ترجمة فيتزجيرالد، اقبلوا على الرباعيات يترجمونها في القرن العشرين، نثرا وشعرا وشعر تفعيلة وبالفصيح والعامية، وقد أحصى يوسف حسين بكار في دراسته المهمة 'الترجمات العربية لرباعيات الخيام: دراسة نقدية' (1988)، 55 ترجمة تتراوح فيها عدد الرباعيات وقيمتها الأدبية من ترجمة لأخرى، ووجد أن 16 ترجمة منها قامت على الترجمة الانكليزية لفيتزجيرالد، و21 منها تمت مباشرة من الفارسية. فيما زاوجت ترجمات بين النسخ الفارسية وترجمة فيتزجيرالد، وأخرى تمت بناء على ترجمات نثرية عربية صيغت فيما بعد شعريا، وأخرى جاءت من ترجمات ايطالية. وحسب تقسيم بكار لطبيعة الترجمات، وجد أن 33 منها صيغت بشعر عربي، واحدة منها على طريقة الشعر الحر للأردني تيسير السبول، وهناك 15 ترجمة نثرية وسبع ترجمات بالشعر الشعبي : 3 عراقية وأخرى مصرية وواحدة زجلية لبنانية. ولاحظ أن المصريين كانوا أكثر من اعتنى بها إضافة للعراقيين والى جانبهم عرب آخرون من السعودية والبحرين وفلسطين والأردن ولبنان وسورية والمغرب. تاريخيا يرى أن احمد حافظ عوض أول من نثرها عام 1901، ثم نظمها اللبناني اسكندر المعلوف عام 1904، وجاء بعده وديع البستاني الفلسطيني المولود في لبنان عام 1912. ولعل ترجمة الأخير من الترجمات الجميلة من ناحية طبعها وسهولتها، ولكن ترجمة احمد رامي (1924) تظل من أشهر الترجمات وصدرت مرفقة برسوم الفنان جمال قطب وطبعتها دار غريب/ القاهرة، كما أن ترجمة احمد الصافي النجفي (1931) من الترجمات الجميلة وذات الطبيعة الخاصة. وكل هذا الكم من الترجمات يوحي بالاهتمام الذي أولاه أرباب الشعر والقلم في العالم العربي للرباعيات، كما أن غناء آم كلثوم لرباعيات من ترجمة احمد رامي أضفى عليها أهمية خاصة. بالنسبة لأحمد رامي وهو المترجم الأشهر لها، على الرغم من وجود هذا الكم من المترجمين، فعلاقته تلونت بحالة عاطفية، فقد عصر فيها من روحه الحزينة على فقد أخيه، حيث جاءه خبره وهو في فرنسا. وكانت بداية علاقة رامي بالرباعيات مع تلك التي تعود إلى المترجم الفرنسي نيقولا المترجمة عن نسخة طهران عام 1867. ولكنه استفاد من ترجمات أخرى، أهمها ترجمة فتزجيرالد، واطلع على نسخ من الرباعيات مخطوطة في كامبردج. ويقول 'وإنما بدأت ترجمة هذه الرباعيات في باريس عام 1923، بعد أن وصلني نعي أخي الشقيق الذي مات ودفن في دار غربة أحسست ألامها وانا نازح الدار. فاستمددت من حزني عليه قوة على تصوير ألام الخيام، وظهر لعيني بطلان الحياة التي نعى عليها في رباعياته، فحسبتني وأنا أترجمها انظم رباعيات جديدة وأودعها حزني على أخي الراحل في نضرة الشباب واصبر نفسي بقرضها على فقده. واني لأهديها إلى ذلك الثاوي بنيسابور بين ملتف الغياض ويانع الرياض، والى ذلك الراقد بحلفا بين شاطئ النيل وباسقات النخيل'. شيخ التوحيد بين الندامى تظل قصة الخيام قصة الخيال والخمر والمصير والبحث في أسئلة الحياة الأزل والموت، فهو عند الصوفية متصوف وفيلسوف حاذق بألوان العلم اليوناني ورياضي كلفه الأمراء ببناء المراصد، وساهم في رسم التقويم الجلالي، وهو مبدأ السنة عند الفرس 'النيروز'. وربطت ترجمات بينه وبين القصة الشعبية التي تتحدث عن الرفاق الثلاثة وأحلامهم، وهم نظام الملك والحسن بن الصباح- زعيم الحشاشين وعمر الخيام. والقصة لا أساس لها من الصحة نظرا لتفاوت عمر الثلاثة. ومن هنا فترجماته تتفاوت من كاتب لأخر مع إن نظامي السمرقندي يقدم لنا معلومات عن كرامات الخيام، وانه أشار إلى موضع دفنه قبل موته، حيث قال 'سيكون قبري في موضع تنتثر الأزهار عليه كل ربيع'. وتشير كتب السير المتفرقة له إلى انه سافر وطاف في البلدان وحج البيت الحرام. وتتفاوت كتب السيرة حوله بين من يجعله وليا ومن يقدح به، ويروى انه مات ساجدا، حيث كان يقرأ في كتاب 'الشفا' لابن سينا، ويقرأ في قسم الإلهيات 'فصل الواحد والكثير'، فوضع الكتاب وقام وصلى ثم أوصى ولم يأكل ولم يشرب فلما فرغ من صلاة العشاء سجد لله تعالى وقال في سجوده: اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فان معرفتي إياك وسيلتي إليك. ثم اسلم نفسه الأخير. ويحكى انه لما بدأ الناس يتقولون عليه خشي على دمه وامسك عنان لسانه وقلمه وحج متاقاة لا تقية .. ورجع من حجه إلى بلده يروح إلى محل العبادة ويغدو ويكتم أسراره.. وقصة إيمانه واضحة في رباعيته، ولعل من أجمل من ترجم هذا الإيمان ما ورد في ترجمة وديع البستاني، حيث يقول 'أنا شيخ التوحيد بين الندامى/ لا اثني إن عددوا إلا ربابا'، وعند رامي في نهاية ترجمته 'يا عالم الأسرار علم اليقين/ يا كاشف الضر عن البائسين. يا قابل الأعذار فئنا إلى/ ظلك فاقبل توبة التائبين'. على العموم رباعيات الخيام منحت مترجميها عربا وأجانب المساحة لإضافة ملامح قلقهم النفسي وملامح حياتهم، يصبون عليها من أرواحهم بشكل يتماهى النص الخيامي ويحلق معهم في عالم من الأسرار والأسئلة. فالخيام كان ظل ينعى الحياة وقصرها وينعى نفاق الناس وخلو النفوس من الحب والعاطفة وتكالبها على المادة، ففضل أن يتحلل من الحياة ومطالبها المادية ويحلق في عالم الشعر، متخذا الكأس وسيلته للسمو. فهو كما يقول رامي كان بين التفاؤل والتشاؤم، قدري وصوفي وتقي ومستهتر، ولكنه أميل ما يكون إلى اليأس إلى حد السخرية من الحياة والى حد الضحك من كل شيء في الوجود. هكذا قال رامي. يذكر أن معرض المكتبة البريطانية هو جزء من نشاط رافق عام 2009، للاحتفاء بذكرى الترجمة والمترجم منها معرض متجول لرسوم ايليهو فيدر للرباعيات، وبدأ في متحف فونيكس للفن منذ نوفمبر 2008 وانتهى في فبراير 2009. ومؤتمر مشترك لكل من جامعة كامبردج وليدن في صيف 2009. فيما أصدرت مطبعة فوليو سوسيتي طبعة تذكارية محدودة من 1000 نسخة بهذه المناسبة برسوم صممها نيروت بوتابيبات 'تايلاندي'، وسعر النسخة الواحدة 395 جنيها استرلينيا. * عن القدس العربي