الرسالة البليغة والقوية التي وجهتها الندوة الفكرية الهامة التي أقامتها، أول أمس السبت، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بفاس، على هامش الجمع العام التأسيسي لفرعها الجهوي الثامن بجهة فاسمكناس، كانت مجسدة في الحضور النوعي لشخصيات فكرية وعلمية تدخلت في الندوة، وقدمت مساهمات مرجعية أساسية في نقاش عمومي تجاوز السقف المهني المطلبي والترافعي، لينخرط في أسئلة وانشغالات تعني المجتمع بكامله. في فاس جرى تناظر علمي رصين حول حوار الحضارات والأدوار المهنية والأخلاقية لوسائل الإعلام والمسؤوليات الفكرية والسياسية ومستقبل الطبيعة وعلاقة البشر بها… وقبل فاس، كانت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف قد رعت نقاشا أساسيًا آخر في أكادير عند تأسيس فرعها الجهوي بسوس، وانكبت على أدوار الإعلام الجهوي وصحافة القرب ومسؤولية الجماعات المنتخبة ومجالس الجهات في مواكبة مقاولات هذا القطاع ودعم تأهيلها، وذلك لكي تحضر هذه الصحافة في مسلسلات التنمية المحلية والتفاعل الجدي والمسؤول مع قضايا الناس، ومع محيطها المجتمعي المحلي، ولكي تكون لها أدوار أساسية في التأطير والتنوير، ولكي يحتفظ لها المجتمع بمصداقيتها المهنية والأخلاقية. ثم سبق لهيئة ناشري الصحف كذلك أن رعت مناظرة رفيعة من قبل في طنجة بحثت خلالها في الانشغالات المتوسطية للمغرب، وفي الأسئلة التنموية والاستراتيجية للمنطقة المتوسطية، وذلك تماما كما حدث في وجدة لما خصصت فيدرالية الناشرين ندوتها الفكرية هناك لأفقنا المغاربي، وللعلاقات المغربية الجزائرية، ولدور وسائل الإعلام في تحقيق التقارب وتجسيد اليد الممدودة، وأيضا عندما دعت الفاعل السياسي الوطني، عشية الانتخابات الماضية، لحوار تفاعلي مباشر مع مهنيي الصحافة والإعلام بمراكش، واستعرض قياديو أحزاب وطنية تصوراتهم وبرامجهم ذات الصلة بقطاع الصحافة ببلادنا… كل هذه المبادرات تكشف وعي الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بأن دعم الصحافة الوطنية والسعي لتأهيلها الاقتصادي وتمتين جودتها المهنية وتقوية مصداقيتها الأخلاقية وتعزيز استقلاليتها وتعدديتها وتوسيع انتشارها، هو ضرورة مجتمعية وليس مطلبا قطاعيا، وبأن تطور الصحافة الوطنية يكون من خلال ثقة المجتمع فيها والتفاف مختلف القوى الوطنية حولها، وبروز وعي مجتمعي عام بحاجة البلاد الى امتلاك اعلام وطني قوي وجاد وتعددي. من جهة أخرى، تؤكد مختلف ندوات فيدرالية الناشرين ونوعية المتكلمين والمشاركين فيها، وأيضا كل مذكرات وبلاغات ومواقف الفيدرالية، على أن المفكرين والأكاديميين والمثقفين والباحثين من واجبهم دعم هذه الدينامية التأطيرية بأفكارهم واجتهاداتهم وإسهامهم، ومن ثم تعزيز مبادرات الصحافة المغربية بمضامين فكرية وتنظيرية وثقافية كبرى، لتتحقق، بالتالي، المساهمة النوعية والمرجعية، وننجح كلنا في تحويل انشغالاتنا المهنية ونقاشاتنا القطاعية إلى قضية مجتمعية تهم حاضر ومستقبل بلادنا وشعبنا، ونساهم، بذلك، في الارتقاء بمستويات عملنا الصحفي الوطني، وبأدوار الصحافة والإعلام في علاقة بتطلعات وتحديات بلادنا. يعني ما سبق، أن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، نجحت، من جديد، بمناسبة ندوة فاس في إعلاء سقوف التفكير والانشغال بمواضيع وقضايا كبرى ومؤسسة حوالي المهنة وفي عمقها، أي في الأدوار، وفي المضمون والمسؤولية المجتمعيين، وهذه هي الرسالة القوية لكل من يعنيه مستقبل صحافتنا الوطنية اليوم، وخصوصا المهنيون والسلطات العمومية والفاعلون الاقتصاديون والسياسيون والجماعات المنتخبة، ذلك أن الصحافة هي حاجة وضرورة لمجتمعنا وبلادنا، وتأهيلها وتقوية متانتها الاقتصادية والمهنية والإشعاعية ليس ترفا أو أمرًا ثانويا أو فعلا إحسانيا، وإنما من عمق المسؤولية تجاه الديموقراطية والتنمية ومستقبل البلاد. علينا إذن أن نتوجه بهذا الوعي نحو قضايا العمق، وأن نقفز كلنا عن الصغائر والتفاهات…