في بداية عام جديد، من البديهي أن تطلعات المغربيات والمغاربة لواقع مختلف واضحة اليوم ومؤكدة، وآمالهم تتركز في أن تكون السنة الجديدة أفضل من التي سبقتها. وهذا يقود تفكيرنا مباشرة إلى… السياسة، وإلى التحديات المطروحة عليها، وإلى حاجة بلادنا إلى ممارستها… بشكل مختلف. من دون شك، تواجه الأحزاب الجدية وذات التاريخ والمصداقية هذا التحدي أكثر من غيرها، وعندما نعرف أن هذه السنة ستشهد مؤتمرات وطنية لعدد من هذه القوى، يصبح التحدي واحدا من عناوين العام الجديد في مشهدنا السياسي الوطني. التحدي، ليست له مضامين داخلية ترتبط بهذه الأحزاب لذاتها فقط، وليست له رهانات تنظيمية أو شخصية، هي في حد ذاتها ثانوية مهما كانت حدة الانتظارات التي تلفها، ولكن التحدي يوجد، ابتداء وانتهاء، في القدرة على إشعاع الثقة وسط شعبنا وشبابنا. السياسة اليوم في بلادنا، وأيضا في جغرافيات أخرى قريبة أو بعيدة عن وطننا، هي في حاجة لاستعادة ثقة المجتمع فيها، وفي امتداداتها وآثارها، وفي نبلها ومصداقيتها وضرورتها. ولكسب التحدي، تطرح اليوم ضرورة الانكباب على المضامين والغايات والأهداف، على إنتاج الأفكار والخطاب والقيم والبرامج والأهداف، ثم إبداع الأساليب والمنهجيات والخطط وطرق العمل. وحيث أن السياسة تشمل العديد من الفاعلين والمتدخلين والوقائع، فإن التحدي مطروح، علاوة على الأحزاب، أيضا على مختلف المؤسسات، وعلى التدبير الحكومي للشأن العام. إن نجاح التدبير الحكومي، وقدرة الفريق الأغلبي الحالي على النجاح، خصوصا، في قطاعات الصحة والتعليم والشغل والاقتصاد، وإنجاز فعل تنموي وتدبيري يستطيع تقوية استقرار المجتمع وطمأنة الشعب، بالإضافة إلى التدبير الجيد للأزمة الوبائية وتداعياتها المختلفة، وتأمين تعافي الاقتصاد، واستعادة الحياة الاجتماعية لإيقاعها الطبيعي، وأن يبدأ الناس في تلمس الآثار الفعلية للنموذج التنموي الجديد على حياتهم اليومية وفي ظروف عيشهم، كل هذا من شأنه أن يعزز ثقة شعبنا في وطنه وفي ممارسة السياسة وفي أهمية المؤسسات وفي… المستقبل. الثقة في السياسة ليست ثقة في كلام معلق في الهواء، وليست ثقة في متن مكتوب أو في خطب، ولكنها ثقة تنتج عن ممارسة فعلية، تأطيرية وترافعية وتدبيرية، أي أن هذا التحدي الجوهري مطروح على القوى المشاركة اليوم في تدبير الشأن الحكومي، وكذلك على القوى السياسية والمجتمعية الأخرى المندرجة ضمن المعارضة، والتي يوكل اليها دور التعبئة والتأطير والمراقبة. وليكون العرض السياسي المتداول حوالينا جاذبا، هو في حاجة لثقة المجتمع وانخراطه، وهذا الهدف يجب أن تعمل عليه كل الأطراف ومختلف المؤسسات، ومن مصلحة بلادنا ألا يبقى شعبنا مفصولا عن السياسة، وعن الانخراط في الشأن الوطني العام، ولذلك من المهم تقوية عمل الأحزاب الجادة كلها، والحرص على تطوير التعددية السياسية الحقيقية في بلادنا، وصيانة المكتسبات الديموقراطية، وجعل المؤسسات التمثيلية والإعلام العمومي وباقي تجليات الممارسة السياسية فضاءات حاضنة للحوار العمومي التعددي، وذلك بما يزيد في تمتين استقرار مجتمعنا، وتقوية جبهتنا الوطنية الداخلية. إن تحدي السياسة يعتبر إذن مركزيا، وترتبط به رهانات وطنية أخرى، ومن مصلحة بلادنا في هذا العام الجديد سعي كل الفرقاء لكسب تحدي السياسة، وتعزيز ثقة شعبنا في ممارستها، وفي عمل وأدوار مختلف المؤسسات الوطنية، وفي تقوية التعددية السياسية.