مع حلول فصل الشتاء، وتساقط الثلوج وتفاقم البرد القارس، تبرز معاناة ساكنة المناطق الجبلية والقرى والمداشر والدواوير النائية في الأرياف، وتعود للواجهة مآسي إنسانية واجتماعية لا يجب أن يكون لها مكان في زمننا هذا. من المؤكد أن الدولة بذلت جهودا كبيرة على مدار سنين لمواجهة هذه المعاناة والتخفيف من حدتها، لكن الواقع لا زال يشهد باستمرارها في جهات مختلفة من بلادنا إلى اليوم. واعتبارا لهذا، تعتبر مبادرة الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية ذات أهمية محورية، وتستحق أن تتبناها مختلف مكونات البرلمان وتدافع عنها، وأن تسارع الحكومة إلى العمل من أجل أجرأتها وتنفيذها. برلمانيو حزب التقدم والاشتراكية تقدموا بمقترح قانون يقضي بإحداث مجلس وطني للمناطق الجبلية ووكالات خاصة بالكتل الجبلية الرئيسية في المملكة، وذلك من أجل تنمية هذه المناطق ومعالجة أوضاع سكانها. الغاية من هذه الخطوة يجسدها الوعي بحاجة بلادنا إلى إطار قانوني ومؤسساتي متخصص وعرضاني والتقائي يتولى إنجاز سياسة شاملة ودائمة لفائدة المناطق الجبلية وساكنتها، وأن تتوفر له الموارد البشرية والتقنية والمالية اللازمة، وأن يمتلك صلاحيات التدخل والقرار. هذه المناطق وساكنتها ليسوا في حاجة فقط إلى إجراءات لدعم الفلاحة مثلا، أو لفتح بعض المسالك الطرقية، كما أنهم ليسوا في حاجة إلى تدابير موسمية مؤقتة ترتبط بقساوة الأحوال الجوية أو بالجفاف أو الفيضانات، أو أيضا فك العزلة عنهم خلال تساقط الثلوج أو الفيضانات، ولكنهم، ونتيجة لكامل هذه المعاناة، هم في حاجة إلى واقع تنموي جديد، أي تنقصهم بنيات الطرق ومؤسسات التعليم والصحة، علاوة على منظومات شمولية لتأهيل الفلاحة المحلية والرواج التجاري، وباقي تجليات الحياة في مناطقهم، ومن ثم هم في حاجة إلى مواكبة دائمة على مدار السنة لصياغة نموذج تنموي مغاير، وواقع حياة يستطيع صيانة وجودهم، ويفتح لهم ولذويهم آفاق الحياة والاستقرار والتطور. وكل هذه الأهداف لا يمكن بلوغها اعتمادا على تدخلات آخر ساعة أو بفضل قرارات جزئية بمثابة رد فعل أو إجراءات ظرفية لمواجهة كوارث الفيضانات أو الجفاف، ولكن هي تتطلب رؤية سياسية وتخطيطية شمولية والتقائية، وتقتضي آلية مؤسساتية وقانونية قادرة على التدخل والإنجاز، وهذا المدخل المؤسساتي بإمكانه تيسير بلورة أسلوب عمل مختلف تجاه هذه المناطق التي عانت لعقود نتيجة السياسات المعمول بها، وهو ما نجمت عنه فوارق تنموية واجتماعية ومجالية صارخة في بلادنا، وخلفت معاناة فئات واسعة من شعبنا في المناطق الجبلية والنائية، وفي العالم القروي بشكل عام، وتركها تعيش دائما في رعب وقلق جراء ما يتهددها من مآسي تنجم إما عن الجفاف أو عن الفيضانات أو تساقط الثلوج أو موجات البرد والصقيع.