تشهد الكثير من مناطق البلاد هذه الأيام موجة برد وانخفاض كبير في درجات الحرارة، بالإضافة إلى تساقطات مكثفة للثلوج في عديد مناطق بالأطلس مثلا، وهذه الوضعية تجعلنا نستحضر معاناة الساكنة المحلية في هذه المناطق، وخصوصا في أعالي وجبال وقرى الأطلس. لقد تأثرت منذ الأسبوع الماضي حركة المرور والنشاط الطرقي في الأطلس المتوسط والريف بالخصوص، وبقدر ما يفرض ذلك تكثيف الاستعداد والحيطة لتفادي كوارث حرب الطرق، فانه أيضا ينبهنا جميعا إلى معاناة الساكنة المقيمة في هذه المناطق الجبلية والنائية، وخصوصا الفئات الفقيرة والمعدمة منها. عندما تحاصر الثلوج هذه المناطق وأهلها، ويستمر ذلك لأيام وليال، فان الناس تعجز حتى عن إيجاد كسرة خبز تسد بها جوعها، كما يصير من المستحيل مغادرة البيوت ولو للذهاب إلى مستوصف عادة ما يكون بعيدا عن مستقرهم، وبالتالي فان المعاناة تكتسب هنا معناها البدائي، أي الحرمان من الأكل والدواء والدفء، والبرد قد يصير في كل لحظة قاتلا ومزهقا للروح البشرية. لقد تألم الجميع قبل خمس سنوات عند مشاهدة صور مأساة أنفكو، واليوم برغم الفرح الواضح على وجوه من يقصدون ايفران للاستمتاع بمناظر ثلوجها، وببياض المشهد فيها، فان قرى المنطقة وجبالها والامتداد الجغرافي الصعب عبر الطريق المخترقة للأطلس البهي، تخفي معاناة حقيقية لعشرات الأسر الفقيرة التي لا تجد ما تسد به رمقها وتعيل به أطفالها، ويتحول البرد والثلج لديهم إلى تهديد حقيقي لحياتهم وحياة صغارهم. الناس هنا في حاجة إلى رعاية حقيقية قبل أن تقع الفأس في الرأس، وتتكرر صور أنفكو، وهم يطلبون المساعدة ضد البرد ومحاصرة الثلوج لهم... لما قست الطبيعة عن أنفكو وفعلت في أهلها ما فعلت، نجحت المساعدات التي قدمت لهم وقتها في التخفيف من حدة الألم، ولما حضيت المنطقة بزيارة ملكية استبشر السكان بها، وتطلعوا إلى أن يتحرروا أخيرا من العزلة ومن استفراد البرد والثلج بهم وبفلذات أكبادهم، واليوم كل ساكنة المناطق الجبلية والنائية تأمل في خطوات كبرى من لدن الدولة لفك العزلة عنهم، ولتفعيل ديناميات تنموية محلية بهذه المناطق، ولتحسيسهم باحتضان الدولة والمجتمع لهم، وبأن هذه البلاد هي بلادهم، وأن التنمية والعيش الكريم والإحساس بالدفء هي حقوق لهم، ومن واجب الدولة أن تقيهم من المعاناة التي تسلطها عليهم الطبيعة كل عام..