ما فتئت التلفزة المغربية تدور في دوامة من البرامج المعاد بثها، ولم يعد القيام بهذه الإعادات المتكررة مقتصرا على الوقت الميت من البث التلفزي -إذا جاز التعبير- بل باتت تدرج حتى في أوقات الذروة،مع العلم بأننا نجد البرنامج نفسه -سواء كان شريطا دراميا أو وثائقيا، أو سيتكومات أو غيرها من البرامج- يجري إعادة بثه أكثر من مرة، سواء في أوقات مختلفة أو في وقت بعينه. الأدهى من ذلك، أن هذا البرنامج الذي يحظى بإعادة البث على هذا النحو المعيب، عادة ما لا يكون قد مر على إنتاجه فصل واحد من فصول السنة. لو كان الأمر يتعلق ببرامج ناجحة ومرغوب في متابعتها أكثر من مرة، لأمكن للمشاهد أن يغض طرفه عن أي ملاحظة سلبية تتعلق بعملية تكرار البث هاته، غير أنه يتبين أن جل هذه الانتاجات التلفزية المكرورة، سبق للمشاهدين أن حكموا عليها بالضعف، وهذا ليس من باب (عين الرضى عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساوئ..) بل ينم عن تقييم مؤسس على تراكم المشاهدة لتجارب مختلفة ومتعددة، خصوصا مع الانفتاح على عالم الفضائيات، وبالتالي لم يعد هناك مجال لتبخيس درجة وعي المشاهد المغربي بالقيمة الحقيقية لما تعرضه علينا تلفزتنا. هذا اللجوء إلى إعادة بث برامج لم يمر على إنتاجها أكثر من شهر أو يزيد بقليل، ينم عن خلل في التوازن على صعيد الإنتاج بصفة خاصة، على اعتبار أنه لو تم ضبط هذه العملية، بحيث يجري الحرص على إنتاج نسبة معينة من البرامج على اختلاف أنواعها، بوتيرة مضبوطة، لسمح ذلك بالاستغناء عن اللجوء إلى إعادة بثها. إعادة بث البرامج ليس حلا، بل هو مشكلة في حد ذاتها، وهو أيسر الوسائل لشغل مساحة زمنية فائضة. طبعا، إعادة بث البرامج ليس كذلك عملا مرفوضا بشكل مطلق، لكن المرفوض وغير المستساغ، هو أن يتم القيام بذلك بشكل غير معقلن، إلى حد الاستخفاف بعقول وعيون المشاهدين. جميل أن يتم إعادة بث برنامج مضت على إنتاجه أكثر من عقد من الزمن. جميل جدا أن يتم الرجوع إلى أعمال ضاربة في القدم، تعود إلى زمن الأبيض والأسود. جميل للغاية أن يتم تخصيص حيز زمن معين وقار لإعادة بث تلك البرامج الضاربة في القدم، ولم لا فتح النقاش حولها، واستضافة أصحابها إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة، لكي يتعرف الجيل الجديد على قيمة تلك الأعمال وعلى الظروف التي جرى فيها تصويرها، وهي بالتأكيد مختلفة عن ظروف زماننا هذا، زمن التصوير الرقمي والثورة المعلوماتية. جميل أيضا أن يتم الاحتفاء بالأعمال الناجحة على وجه الخصوص، ولا بأس من إعادة بثها، وإن لم يكن قد مضى على إنتاجها زمن طويل؛ فعلى سبيل المثال، كان قد استحسن بعض المشاهدين فكرة إعادة بث سلسلة احديدان، وإن لم يكن الفارق الزمني الذي يفصل بين بثها لأول مرة وإعادة البث، ليس بالكبير، لكنه مسلسل حظي بتجاوب أجيال مختلفة من المشاهدين، وهذا قد يشفع له، العودة إليه لبثه من جديد، على أن لا يتكرر ذلك عدة مرات، وقد وقفنا على هذا الأمر المعاب، مع العديد من الانتاجات، بالرغم من تواضع مستوى بعضها. من الضروري إذن، الخروج من دوامة إعادة بث البرامج، وذلك لا يمكن أن يتم إلا عن طريق عقلنة هذه العملية، مع ما يرافق ذلك من مبادرات أساسية، يأتي على رأسها، الرفع من وتيرة الانتاج.