تشكل البرامج الحوارية بالتلفزة المغربية، نسبة ضئيلة جدا، وعادة ما تبث هذه البرامج بوتيرة متباعدة، لا تزيد عن مرة أو مرتين في الأسبوع. وأغلب هذه البرامج، يضرب موعدا نصف شهري، كما هو الحال بالنسبة لبرنامج مباشرة معكم، ونقط على الحروف، وحوار وغيرها. وهذا ناتج عن كون هذه البرامج، تتطلب من منشطيها ومعديها، بذل مجهود كبير وبحث مضن وكثير من الوقت، الشيء الذي لا يسعف بضمان البث بوتيرة يومية، أو في أفضل الأحوال، مرتين في كل أسبوع. هذا الشح في برمجة الانتاجات التي تنبني على المحاورة، مرده كذلك إلى عدم فتح المجال لمنشطين آخرين، والذين بإمكانهم أن يشكلوا إضافة نوعية ويضمنوا بالتالي وتيرة بث يومية وكثيفة للبرامج الحوارية. هناك مجالات عديدة، وقضايا كثيرة، لم يتم تخصيص لحد اليوم، برامج حوارية لإثارتها وبلورة النقاش بشأنها. وما يلفت الانتباه أن البرامج الحوارية الموجودة ضمن الخريطة الحالية لبرامج التلفزة المغربية، تصب في مجالات محدودة، وقد لا نجازف بحصرها في مجالين بصفة رئيسية،وهما الأدب والسياسة، في حين أن هناك مجالات تستحق بكيفية ملحة استحضارها وتخصيص برامج حوارية حولها، من ذلك مثلا: القضايا العلمية وغيرها كثير. وهذا طبعا، يستدعي التساؤل حول ما إذا كان بلدنا يفتقر إلى طاقات من شأنها تنشيط برامج حوارية، تصب في مجالات مطلوبة ومرغوب فيها، بشكل ملح. الواقع يكذب ذلك، حيث أنه سنويا تتخرج أفواج من المتخصصين في العديد من القضايا التي من المفروض أن تثيرها برامجنا الحوارية، ويخصص لها الحيز الزماني الذي يليق بها. بالموازاة مع ذلك، يجري الحديث داخل محطة تلفزتنا، عن تعطيل نشاط مجموعة من الكفاءات الإعلامية، والاحتفاظ بمشاريعها في الثلاجة. أحد هذه الكفاءات كان ينشط برنامجا حواريا ناجحا، ومثيرا للكثير من الجدل، غير أنه تقرر -ضدا على إرادته- توقيف برنامجه، وحين سئل عما يفعله حاليا في المحطة التلفزية، سيما وأنه اختفى أثره على الشاشة، أجاب بأنه يأتي في أوقات العمل، يتصفح الأنترنت، وينكت مع زملائه، وينصرف، ولا شك أن هذا مجرد نموذج من بين العشرات من النماذج التي كان من المفروض الاستفادة من خدماتها، دون إغفال الإشارة إلى الأشباح. ومن الطبيعي أن يستنكر المشاهد محدودية الإنتاج الوطني، والاعتماد بنسبة كبيرة على الإنتاج الأجنبي، والذي تشكل ضمنه الأعمال الدرامية، الحصة الأكبر. ولعل من بين مظاهر الخلل، أن تتم برمجة ثلاثة مسلسلات درامية مختلفة، بشكل متعاقب، أي دون أن يتم الفصل بينها بواسطة شريط وثائقي، أو برنامج حواري على سبيل المثال. وهذا ما يفسر انتفاضة مختلف العاملين بهذه المحطة التلفزية في وجه الإدارة، رافعة شعارات غاضبة، من قبيل: هذا عار هذا عار لا إنتاج لا أخبار. في هذا العصر، المطبوع بثورة الفضائيات والتواصل الرقمي، يتحتم على التلفزة المغربية أن تكون في مستوى هذه التحديات، وبالطبع فإن هذا لا يمكن أن يتحقق بواسطة برامج مستهلكة، تفتقر إلى الجاذبية وبعيدة عن اهتمامات وتطلعات المشاهد المغربي.