استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاثنين في شرم الشيخ على البحر الأحمر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى منذ عشر سنوات، في محاولة لإحياء مباحثات السلام. أدت القاهرة دورا حيويا في ماي عندما نجحت في التوسط لوقف إطلاق النار في المواجهات العنيفة التي استمرت 11 يوما بين إسرائيل وحماس ونتجت عنها أضرار بالغة بقطاع غزة المحاصر. وعقب اللقاء، أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، على صفحته على فيسبوك، أن الاجتماع ضم إلى السيسي وبينيت، وزير الخارجية ورئيس المخابرات المصريين سامح شكري وعباس كامل. كذلك شارك فيه من الجانب الإسرائيلي "آيال هولاتا رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والفريق أول آلي جيل السكرتير العسكري لرئيس الوزراء والسيدة شيمريت مائير كبيرة المستشارين". وأوضح راضي أن المحادثات تناولت "تطورات العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، فضلا عن مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية". وأكد السيسي، وفق المتحدث باسمه، "دعم مصر لكافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استنادا إلى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية". وأشار الرئيس المصري إلى ضرورة "دعم المجتمع الدولي جهود مصر لإعادة الإعمار بالمناطق الفلسطينية، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لاسيما مع تحركات مصر المتواصلة لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين بالضفة الغربية وقطاع غزة". وأتت محادثات السيسي وبينيت فيما ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد الأحد بأهمية الدور المصري في معرض طرحه خطة لتنمية غزة تستهدف تحسين حياة المواطنين في القطاع في مقابل أمن إسرائيل. وقال لبيد "لن يحدث ذلك بدون دعم وانخراط شركائنا المصريين، وبدون قدرتهم على التحدث مع جميع الأطراف المعنيين". ترتبط مصر منذ العام 1979 باتفاق سلام مع إسرائيل وغالبا ما تقوم بوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى الرغم من دعم القاهرة للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس إلا أنها تعمل دائما على التقريب بين الفصائل الفلسطينية باستضافتها جولات حوار بين حركتي حماس وفتح. قبل عشرة أيام، استقبل السيسي نظيره الفلسطيني والعاهل الأردني للبحث في تطور الأوضاع في القدس. وقال نائل شامة المحلل السياسي المقيم في القاهرة إن زيارة بينيت تعد "خطوة هامة في ظل تنامي العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين وقلقهما المتبادل بشأن الأوضاع في غزة". وأضاف لوكالة فرانس برس أن الزيارة تأتي أيضا في إطار "خطط مصر لإحياء المحادثات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية". تتعاون مصر مع إسرائيل في المجال الأمني وفي مجال الطاقة أيضا. ففي 2019، قال السيسي خلال مقابلة في برنامج "60 دقيقة" الأميركي، إن الجيش المصري يعمل بالتنسيق مع إسرائيل ضد "الإرهابيين" في سيناء في شمال شرق البلاد، واصفا هذا التعاون بأنه "الأقرب" على الإطلاق بين البلدين. استعادت مصر سيادتها على شبه جزيرة سيناء بعد إبرامها اتفاق سلام مع إسرائيل التي كانت تحتلها منذ العام 1967، بشرط أن تكون منطقة منزوعة السلاح بين البلدين. إلا أنه منذ العام 2013، تواجه مصر تصعيدا في أنشطة الجهاديين الذين يطلق عليهم الجيش المصري اسم "تكفيريين" ومن بينهم الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال ووسط سيناء، خصوصا بعد إطاحة الجيش الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي في أعقاب احتجاجات شعبية حاشدة ضد حكمه. وتقوم القوات المصرية منذ فبراير 2018 بحملة واسعة ضد مجموعات مسلحة ومتطرفة في المنطقة، وفي مناطق أخرى من البلاد. ووصل حد التطور في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى قيام مصر العام الماضي باستيراد الغاز الطبيعي، للمرة الأولى من إسرائيل لإعادة تسييله وتصديره إلى أوروبا، بموجب اتفاق لمدة 15عام ا بقيمة 15 مليار دولار. وسبق أن اشترت إسرائيل الغاز من مصر لكن خطوط الأنابيب البرية استهدفت مرارا بهجمات نفذتها جماعات إسلامية متطرفة في سيناء في 2011 و2012. ويرجع الاجتماع الأخير بين رئيس مصري ورئيس وزراء إسرائيلي إلى العام 2011، عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في مدينة شرم الشيخ، قبل شهر تقريبا من الإطاحة به. ويرى شامة أن زيارة بينيت، الذي تولى منصبه في يونيو هي جزء من "علاقة العمل الطويلة" التي أبقى عليها السيسي مع نتانياهو. وتعتزم القاهرة بموجب هذه الزيارة، بحسب ما يرى شامة، "أن تبعث برسالة مرة أخرى لإدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن عن دورها الذي لا غنى عنه في استقرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". وتعتبر مصر وجارتها إسرائيل من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في المنطقة ومن المستفيدين الكبار من المساعدات العسكرية الأميركية. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل أن أهمية الزيارة تتركز في محاولة مصر التوسط لدفع الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، "خصوصا في ظل تشدد رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي فهو لا يؤمن بأي مسار سياسي مع الفلسطينيين ولا يؤيد حل الدولتين". وعلى المستوى الشعبي، فإن عداء المصريين لإسرائيل القائم منذ الخمسينات ورفض تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، قد يكون تغير بعض الشيء منذ صيف العام 2020 بعدما قامت أربع دول عربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. كانت الإمارات العام الماضي أول دولة خليجية توقع اتفاقا لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، قبل أن تحذو حذوها البحرين ثم المغرب والسودان. ويقول السيد لوكالة فرانس برس "لا أظن أنه سيكون هناك رفض شعبي قوي لأن أقسام ا كبيرة من الرأي العام استسلمت لوجود علاقات قائمة مع إسرائيل والرئيس السيسي يحرص على بقاء هذه العلاقات". وأضاف السيد أن قوى المعارضة في مصر لم يعد لديها الحرية الكافية لدفع الرأي العام "فقد نجح نظام السيسي في أن يستأنس المعارضة العلمانية ويستوعب القوى الأخرى".