عكس ما يجري ويدور بالدوائر الانتخابية بمختلف العمالات والأقاليم، تبقى دائرة إقليم بنسليمان تحتل الصدارة في حالات الاحتقان والصراعات والمواجهات الدائرة بين بعض مترشحيها الذين اعتادوا استعراض قواهم وجبروتهم أمام السلطة والمواطنين. معظم وكلاء اللوائح الانتخابية الجماعية والتشريعية والموالين لهم ينظمون حملات انتخابية بطعم الفساد المالي والأخلاقي، الذي يفرز يوميا اعتقالات وحوادث سير مميتة. ليبصم الإقليم من جديد على أنه يشكل الاستثناء، وأن تسلط وجبروت بعض الكائنات الانتخابية لن ينفع معها حياد ولا صرامة السلطات المحلية والإقليمية ولا نزاهة وتشدد الأجهزة الأمنية والقضائية. مالا يعرفه مراقبو ومحللو الانتخابات التشريعية ببلادنا، أن دائرة إقليم ابن سليمان تحتل صدارة الدوائر الانتخابية الأكثر فسادا واستبدادا. وأنها تمكنت من انتزاع الرقم القياسي الوطني لعدد الانتخابات التشريعية الملغاة كليا أو جزئيا. حيث سبق وتم بإلغاء خمس انتخابات من أصل سبع انتخابات تشريعية عرفتها الدائرة منذ تأسيسها سنة 1977. بداية بالولاية التشريعية الخامسة (1993/1997)، التي جاءت مباشرة بعد دستور 1992. وحتى الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016، التي عرفت إلغاء مقعد برلماني يعود لحزب الاستقلال. كتب إذن على سكان إقليم ابن سليمان أن يعيشوا التسيب والفوضى والفساد والبطالة، بسبب من توالوا على تدبير شؤونهم المالية والإدارية من منتخبين وممثلين للسلطات المحلية والإقليمية ورؤساء مصالح خارجية.. هؤلاء الذين كانوا ولازال البعض منهم، منشغلون باستنزاف ثروات الإقليم الطبيعية والعقارية، ومصرون على تهميش كفاءاته المحلية. أربع انتخابات تشريعية متتالية منذ تطبيق دستور 1992، ألغيت جزئيا أو كليا، بسبب تكرار عمليات التزوير وبيع وشراء الذمم التي واكبت كل الاستحقاقات السابقة للفوز بالمقاعد البرلمانية المخصصة للدائرة. ولم نرى أو نشهد برلمانيا دخل السجن بسبب التدليس أو التزوير الانتخابي، ولا حتى تم تغريم أحدهم أموالا الشعب التي أهدرت عبثا، ولا تعويض جيش الموظفين وعمال النظافة الذين عاشوا جحيم الأعمال الشاقة من أجل الإعداد والإشراف وتتبع تلك الانتخابات المهزلة. ولم تبادر الجهات المعنية داخل وزارتي العدل والداخلية والمحاكم المعنية إلى منع هؤلاء المفسدين من الترشح نهائيا، أو حتى منعهم من إعادة الترشح للانتخابات الجزئية التي تسببوا فيها. يختزن الكتاب الأسود لرموز الفساد الانتخابي بالمغرب، مكانة خاصة لما ذاقه سكان إقليم ابن سليمان من آلام وحسرة، وخصوصا بالجماعات الترابية (مليلة، بوزنيقة، ابن سليمان). ففي سنة 1993، حيث كانت الانتخابات التشريعية فردية، ألغيت نتائج اقتراع الدائرة التشريعية لبوزنيقة بشكل عام بسبب تدخل الإدارة (السلطة)، وتحريف إرادة الناخبين لفائدة المرشح حينها عبد الكامل الرغاي وزير المالية الأسبق عن حزب التجمع الوطني للأحرار. عوض منافسه الشرس حينها القيادي الاتحادي الراحل أحمد الزايدي. والذي عاد لينتزع المقعد البرلماني بعد تنظيم الانتخابات الجزئية. كما ألغيت نتائج اقتراع سنة 1997 بشكل عام كذلك بالدائرة التشريعية بابن سليمان لنفس السبب، بعد تحريف إرادة الناخبين لفائدة عبد الكبير السليماني صهر وزير الداخلية الراحل إدريس البصري عن نفس الحزب التجمعي. عوض خصمه حينها خليل الدهي الوافد الجديد حينها على عالم السياسة. والذي عاد هو الآخر وانتزع المقعد البرلماني بعد تنظيم الانتخابات الجزئية. وكان وراء إلغاء تلك الانتخابات التشريعية، انتفاضة السكان، في معظمهم من الشباب سواء بمدينة بوزنيقة الذين خرجوا في مسيرة حاشدة اتجاه القصر الملكي بالصخيرات. أو بمدينة ابن سليمان الذي أحرقوا خيام وعتاد الفائز المزور، وظلوا منتفضين حتى تم الإعلان عن إنصافهم. علما أن هناك العشرات من الشباب اعتقلوا وسجنوا بسبب نضالاتهم المشروعة. وألغيت نتائج الاقتراع أيضا بشكل عام من طرف المجلس الدستوري سنة 2002، حيث بدأ الانتخاب باللائحة بسبب فضيحة تسريب الأوراق الفريدة للتصويت بقيادة مليلة. واعتقل إثرها موظفين بالقيادة ومعهم القائد كما ألغي سنة 2007 مقعد أمبارك العفيري رئيس بلدية المنصورية حاليا باسم حزب الأصالة والمعاصرة، والذي كان قد فاز بالمقعد البرلماني باسم حزب التقدم والاشتراكية، وفقد حينها مقعده بقرار من المجلس الدستوري بناء على شهادة أحد الأشخاص اتهمه فيها بأنه سلمه شيكا قيمته ألفي درهم لتوزيعها على بعض الناخبين كرشوة مقابل التصويت على لائحته. وأجريت الانتخابات الجزئية الخاصة بمقعده، حيث ترشح له من جديد باسم حزبه الأول التجمع الوطني للأحرار، وفشل في استرداده بعد أن فاز به الراحل محمد المباركي رئيس جماعة مليلة السابق عن حزب الحركة الشعبية والذي كان قيد حياته متابعا بعدة تهم (اختلاس، سوء تدبير..). ليأتي شهر غشت 2017، من أجل تذكير السكان بأن دائرتهم، التي باتت تعرف وطنيا بدائرة الموت، تصدرت من جديد عناوين الصحف. وقضت المحكمة الدستورية بإلغاء المقعد الانتخابي لمحمد كريمين عن حزب الاستقلال. ودعت إلى تنظيم انتخابات جزئية. اعتمدت في حكمها على تهمة (توزيع منشورات انتخابية تضمنت صورته بمفرده، دون الإشارة إلى كونه وكيل لائحة الترشيح، ودون ذكر أسماء باقي المترشحين باللائحة المعنية وترتيبهم). وعاد المقعد بعد الانتخابات الجزئية للبرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية سعيد الزايدي رئيس جماعة الشراط. وحدها الانتخابات التشريعية التي جاءت مباشرة بعد دستور 2011، هي التي أريد لها أن تمر بدون طعون حفاظا على ماء وجه هذه المنطقة العذراء التي استباحها البعض وفرضوا أمنهم وقوانينهم الخاصة على السكان المغلوب على أمرهم.. بقلم: بوشعيب حمراوي