وعكة صحية تغيب الأموي عن مسيرة الدارالبيضاء وحضور محتشم للمتضاهرين بالرباط ومنع صريح بفاس ووجدة المكتب التنفيذي يعتبر كل دعوة من طرف الحكومة إلى لقاء تفاوضي حقيقي التقاطا إيجابيا لرسالة المسيرة تنفيذا للقرار الصادر عن مكتبها التنفيذي، نظمت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، أمس الأحد، مسيراتها الاحتجاجية المؤجلة، في كل الاتحادات المحلية والمراكز الكونفدرالية عبر التراب الوطني. وفيما شهدت المسيرة نجاحا كبيرا بالدارالبيضاء، عرفت حضورا محتشما بالرباط ومنعا صريحا بمدينتي فاس ووجدة، بينما لم تتوفر، إلى حدود زوال أمس، تقارير ضافية حول مجرياتها بباقي المدن المغربية. شهد حي درب عمر بالدارالبيضاء، حيث يتواجد مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، منذ الساعة التاسعة صباحا، تجمع حوالي عشرة آلاف مناضل نقابي، كان لزاما عليهم انتظار الساعة العاشرة، موعد انطلاق مسيرة جابت شارع محمد الخامس وشارع الحسن الثاني، قبل العودة إلى مقر المركزية النقابية. وعلى طول مدار المسيرة، لم تكف الحناجر عن ترديد مضامين اللافتات التي حملتها سواعد المحتجين، معبرة عن رفض تعميق الفوارق الاجتماعية والتعامل اللامسؤول مع مطالب الطبقة العاملة، ومنبهة من مغبة الاستمرار في تجاهل الوضع الاجتماعي المقلق و الخطير. وشهد المدار المخصص للمسيرة حضورا مكثفا لرجال الأمن، الذين أقاموا، منذ الساعات الأولى لصبيحة أمس، سياجات حديدية حددت مسار المتظاهرين الذين قادهم أغلب أعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية وأحزاب اليسار بكل مكوناته وتحالفاته فيما غاب نوبير الأموي. وهو غياب لفت أنظار مناضلي الكونفدرالية وكل المتتبعين، وخلف العديد من التأويلات والتساؤلات التي أجاب عنها علال بلعربي عضو المكتب التنفيذي في تصريح لبيان اليوم،إذ ربط الغياب الجسدي للأموي بأسباب صحية وشدد على حضوره المعنوي «كروح وكفكر وكتصور ورؤيا تقود المسيرة لما فيه مصلحة الطبقة العاملة». وحول مدى نجاح المسيرة التي جابت في أقل من ثلاث ساعات أهم شوارع الدارالبيضاء في يوم عطلة، قال علال بلعربي لبيان اليوم إن النجاح كان حليف كل المسيرات المنظمة عبر التراب الوطني لكونها تمكنت من إيصال رسالة قلق وغضب، بمضامينها الاجتماعية والسياسية، تجاه تعامل الحكومة مع مطالب الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص. بالإضافة إلى تنظيم ترقية استثنائية ومراجعة منظومة الترقي وتطبيق مدونة الشغل والاحترام الفعلي للحريات النقابية ومراجعة نظام التقاعد بما يضمن الحقوق المكتسبة للمتقاعدين وتخفيض الضرائب. وشدد بلعربي على حسن نوايا الكونفدرالية المتمثلة أساسا في اختيار يوم الأحد الذي يعتبر يوم عطلة لتنظيم مسيرة ينتظر أن يليها جواب حكومي يفسح المجال للالتزام بمأسسة الحوار الاجتماعي وعدم الانفراد بالقرارات ويدفع الباطرونا إلى القبول بالتفاوض الثلاثي مع الالتزام بتنفيذ الاتفاقات. وقد ساد تفاؤل مشوب بالحذر قيادات الكونفدرالية المشاركة في مسيرة أمس التي مرت في أجواء خلت من أي انزياح أمني، وفسحت المجال لعودة حركة المرور إلى سيرها العادي فور انتهائها. تفاؤل عبر عنه عبد القادر زاير، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية في تصريح لبيان اليوم، بعبارات أشارت إلى إمكانية عودة رفاق الأموي إلى طاولة الحوار الاجتماعي فور التقاط الحكومة لرسالة المسيرة، وتطبيقها لمضامينها خلال الأيام القليلة القادمة. وشدد عبد القادر زاير على أن اختيار يوم عمل لتنظيم المسيرة عبر التراب الوطني كان سيضر أيما ضرر بالاقتصاد الوطني. وهو عامل أخذته الكونفدرالية بعين الاعتبار، بل واعتبرت اختيار يوم الأحد رسالة قوية موجهة للحكومة، متضمنة دعوة صريحة للقاء تفاوضي حقيقي مع الحكومة يكون الهدف منه بلوغ اتفاق تلتزم فيه هاته الأخيرة بعدم إفراغ الحوار الاجتماعي من مضامينه وأخذ كل مقترحات الكونفدرالية بعين الاعتبار بخصوص منهجية وجدول الأعمال، خاصة مضمون الجلسة التي عقدت مع السيد الوزير الأول يوم 13 نوفمبر 2009، وجلسة 8 أبريل 2010 مع وزير التشغيل، ووزير تحديث القطاعات. ولم ترق مسيرة الرباط إلى مستوى نظيرتها بالدارالبيضاء. فقد خرج بضع عشرات الأشخاص بشارعي محمد الخامس وعلال بن عبد الله، مرددين شعارات مناوئة للحكومة، تتقدمهم لافتة مكتوب عليها «مسيرة الغضب احتجاجا على التعامل اللا مسؤول للحكومة مع مطالب الطبقة العاملة، والارتفاع المهول للأسعار وضرب القدرة الشرائية، ورفض الباطرونا للتفاوض الثلاثي». ورغم التعزيزات الأمنية الشديدة والإنزال المكثف لمختلف المصالح الأمنية والسلطات العمومية، التي أخلت الشارعين والأزقة المتفرعة عنهما، وضربت طوقا أمنيا ممركزا في كل النقط المؤدية إليها، إلا أن العدد القليل من المتظاهرين لم يكن في حجم هذا الإنزال المكثف. وانطلقت المسيرة الاحتجاجية من مقر النقابة بشارع علال بنعبد الله، في حدود العاشرة صباحا، تتكون من بضع عشرات من مناضلي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، التي دعت إلى مسيرات شعبية غاضبة في كل المدن. وسهلت المسيرة مأمورية القوات الأمنية الحاضرة بكثافة لمتابعتها، بفضل العدد القليل من المشاركين فيها، ولم تضطر إلى الاستعانة لا بمختلف القوات الاحتياطية المرابطة بمداخل الأزقة، ولا بسيارات الإسعاف المتمركزة بعدد من النقط، ولا حتى بشاحنات الوقاية المدنية التي تمت تعبئتها لتقديم الإمدادات من مياه الشرب للمتظاهرين. وردد المشاركون شعارات منددة بسياسة الحكومة، التي وصفوها بسياسية التجويع والبطالة والتفقير. وتوقفت المسيرة لبضع دقائق أمام مقر البرلمان، للتعبير عن سخط الكونفدراليين من تعامل الحكومة مع مطالب الطبقة العاملة والشغيلة، والتنديد بالسياسة الاجتماعية التي تنهجها الحكومة. وحوالي الساعة الحادية عشر والنصف من صباح أمس كانت المسيرة قد عادت إلى منطلقها، أمام مقر النقابة بشارع علال بنعبد الله. أما بمدينة فاس، فقد تعرضت المسيرة التي كان يعتزم تنظيمها الاتحاد المحلي للمنع من طرف الشلطات؛ حيث حوصرت في الممر المقابل لمقر النقابة، ومنعت بالقوة من التقدم. وقد أصدر مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفاس بلاغا يدين هذا المنع، ويعتبره مسا بحرية التظاهر والاحتجاج السلمي؛ مؤكدا أن المسيرات المقررة هي احتجاج على انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم الأجراء.