المسرح المغربي وسؤال السينوغرافيا اعتبر الناقد حسن المنيعي، عنصر السينوغرافيا، ليس بالأمر البسيط، وأنه طرح على كل الدول التي لها باع طويل في الممارسة المسرحية؛ فمنذ البدايات الأولى للمسرح، كما هو الحال في اليونان، تم تصور السينغرافيا باعتبارها مجرد أداة تجميلية للخشبة، وحتى مع تطور المسرح في فترة النهضة الأوربية، لم يتم تجاوز الوظيفة التزيينية للسينوغرافيا، حيث كان هناك حضور دائم للوحة الزيتية في خلفية الخشبة. وواصل الناقد المنيعي حديثه عن السينوغرافيا، في الندوة التي تولى تسييرها، في إطار فعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس،المقرر اختتامه مساء الغد، والتي تمحورت حول موضوع «المسرح المغربي وسؤال السينوغرافيا»،انطلاقا من جملة من التساؤلات: هل السينوغرافيا رافعة من رافعات تطوير المسرح عامة والمغربي خاصة؟ وكيف يتأتى للسينوغراف أن يكون فاعلا وصانعا للفرجة المسرحية؟ وهل السينوغرافيون في المغرب منخرطون في قلق المسرح المغربي؟ وماذا عن شروط العمل والابداع السينوغرافي في واقعنا المسرحي؟ وأشار المنيعي إلى أنه مع بداية القرن الماضي، صار يتم التنظير لمفهوم السينوغرافيا، وبالتالي صارت بمثابة لغة فنية، إنها –يؤكد المنيعي- عبارة عن كتابة في الفضاء. واضطلع التشكيليون على وجه الخصوص، بتجسيد هذا العنصر، ليس ماديا بالضرورة، بل باعتباره مساعدا للمتلقي على الاندماج في العرض، ضمن عدة عناصر أخرى، من قبيل الإضاءة واللباس وما إلى ذلك، ومن ثم فإن هذه العناصر لم تعد مجرد ديكور – يشدد المنيعي على القول- بل دعامة للنص المسرحي. وعلى الصعيد المغربي، فإنه عند استقراء الحركة المسرحية، يتبين أنه لم يكن هناك مجال للحديث عن ما يسمى بالسينوغرافيا، وأن هذا العنصر لم يطرح إلا مع إنشاء المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط،أواخر القرن العشرين، حيث أفرز عدة أسماء وازنة في مجال السينوغرافيا، بمفهومه الحقيقي. وتحدث المنيعي كذلك عن صنفين من السينوغرافيا، أحدهما يهم الجمالية الفارغة، والآخر يتعلق بالجمالية الممتلئة، بشكل يساير الممثل في حركاته بمختلف الفضاءات. وانصب حديث الباحث خالد أمين، حول الدراماتورجياالبصرية وسؤال السينوغرافيا، موضحا أن هناك عدة تعريفات للسينوغرافيا: معجم بصري لصناعة الفرجة، أداة لتوليد المعنى، الحل الدرامي للفضاء.. إلى غير ذلك من المفاهيم؛ فالتفاعل مع فنون مجاورة، كما هو الحال بالنسبة للتقنيات الرقمية الجديدة، ساهم بشكل بارز في ظهور الدراماتورجيا البصرية، وهو ما أصبح يفرض نوعا مختلفا للتشخيص، حيث أن الممثل بات شديد البروز، لا بل شخصية تناصية بامتياز. وركز الباحث عزالدين بونيت مداخلته على إشكالية اللغة في المسرح، موضحا أنه منذ قرون خلت، لعبت الكتابة المسرحية دورا أساسيا في هيكلة الحقل اللغوي، من خلال العمل على إدخال لغات متعددة إلى فضاءات نخبوية، كما هو الحال بالنسبة للقصر، ومن ثم نقل الفرجة الشعبية إلى مجال التداول في المجتمع الراقي. غير أنه مع القرن التاسع عشر، ظهر المخرج المسرحي المنظر، والمؤول للنص المسرحي، والذي يولي عناية أكبر بالخشبة، ومع القرن العشرين، طرأ تحول في المسألة اللغوية، وتم تفجير النص المسرحي، ومن ثم إعادة النظر في الحدود التقليدية بين اللغة والتشكيل، حيث أن المعنى أصبح شيئا آخر، إلى درجة بلوغ التفكيكية. واعتبر أن الاشتغال على الفضاء في الثقافة الغربية، أعطى قيمة كبيرة للتماثيل، باعتبارها تشغل ذهنية المتلقي المتحدر من هذه الثقافة، وهو ما لعب دورا حاسما في ظهور السينوغرافيا. وذكر الباحث سعيد الناجي أن الديكور كان عبارة عن مادة تزيينية للخشبة، غير أن التحول طرأ بالخصوص، عندما صار ينظر إليه (إلى عنصر الديكور) باعتباره كتابة على الخشبة، ومن ثم صار يطلق عليه: السينوغرافيا. فقد شكلت نهاية القرن العشرين-يؤكد الناجي- منعرجا نحو بروز السينوغرافيا، حيث بات يتم التركيز على جسد الممثل وميكانيزمات حركته على الخشبة، وهو ما دفع إلى التفكير في الخشبة لتعينه على التحرك، بمعنى أن تصميم الفضاء، صار يراعي حركة الممثل. وأوضح الناجي كذلك أن السينوغرافيا ظهرت بفضل سلطة المخرج. وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن وضعية السينوغرافيا في المسرح المغربي،مؤكدا على ظهور تيار من السينوغرافيين، الذين يعتمدون لغة جديدة، قائمة على مرجعية التشكيل والهندسة وما إلى ذلك، غير أن هذا الفن، مازال يعتبر لدينا لغة عالمية، حيث لم يتم الالتفات إلى خصوصيتنا الثراتية. وتحدث المخرج المسرحي رشيد دواني، حول تجربته الخاصة في إنجاز العرض المسرحي، الذي يمر عبر عدة مراحل:قراءة النص، دراسة الفضاء،تكليف نجار بصناعة قطع الديكور، والتعامل مع رسام، بعد أن يشرح له دلالة ما يريد توظيفه على الركح، وكانت العملية –يضيف دواني- تمر هكذا بمرونة، غير أنه عندما بات يتعامل مع السينوغراف، صار يحدث صدام بينهما. وأشار إلى أنه اشتغل شخصيا على ما أسماه: سينوغرافيا الفراغ، وأن ذلك كان يتم في الغالب، عند الاشتغال على نص شعري، وعيا منه بأن الكلام يكفي، مع الاعتبار أن الممثل هو أداة لإلقاء الكلام، وخلص إلى القول إن السينوغرافيا، عبارة عن تعبير بصري عن ما لا يمكن للكلمة قوله في النص. وفي الورقة التي أعدتها اللجنة المنظمة بنفس المناسبة،تمت الإشارة إلى أن السينوغرافيا هي كل ما يشكل مشهدية العرض المسرحي، إنها كل العناصر التي تضاف إلى النص المسرحي والممثل، وتؤلف المنظور المتاح أمام المتلقي: المناظر، الديكور، الملابس، الإكسسوارات، المؤثرات الضوئية، وغيرها. بل حتى فراغ فضاء الخشبة، قد يمثل اختيارا سينوغرافيا، حيث أن المتغير السينوغرافي، صار مكونا رئيسيا وذا استقلالية ضمن مكونات العرض المسرحي، وصارت مهمة التصور السنغرافي تناط بمختصين مكرسين لهذا التخصص.