يقلب أصابعه على كفوف السماء يترنح يمينا وشمالا يهدر وقته بين ملامح الصبح والمساء يقيس الشمس على أصابعه، مبتسما بخبث وبدهاء يحسبها قرصا قرصا، شبرا شبرا شعاعا نورا وضوء ويحلم بقطفها فاكهة محرمة وهو جالس على كرسي عرشه بدون عناء بين موج البحر وإطلالة المساء ترانيم أغنية هندية هادئة تشرق على موسيقى تسدل ألحانها على إحساسه بهدوء يقشعر ويخشع لها الجلد، فيصير أملسا كجلد الحية الرقطاء تلتف كعليق على مسامعه، تورق وريقات ناعمة خضراء أقراط تزين أدنيه تتدلى بالحسن كأجسام حسناوات النساء في حديقته الورد والعوسج والريحان الحبق والأوركيد والنرجس والياسمين على يمينه ثمانية من ثماثيل رومانية بيضاء في الحقيقة هي تماثيل مسروقة من متاحف روما لأجمل النساء وعلى يساره هوادج عربية من لؤلؤ الإمهاء في الحقيقة، هو نخاس نجوم يسرق اللحظة في أجمل لحظات اللقاء يحسب عدد علب ألوانه، يجمعها يطرحها ويضربها في ألف، ثم يقسمها على ألفين عددا إلى ما لا نهاية ألوان زيتية، وألوان مائية وأخرى زجاجية بيضاء وصفراء وحمراء وسوداء رمادية خضراء وبنية وزرقاء يصف ريشاته وفرشاته على مرايا الماء يرتب أقلام حبره على يمينه وأقلام رصاص وأقلام فحم على يساره محتار، مسافر بين كر وفر بين جزر ومد بين بعد وقرب وبين لوعة وغضب يسألني أنا، في هيسترية في أي !!! غيمة من غيوم السماء سيرسمها يقول لي متلعثما بين دخان سيجارته وبين كأس نبيذه بأنه قد تشابهت عليه الغيوم ويريد في عجالة دليلا مني يسألني في حيرة، وبكامل الجنون ألا دللتني على غيمة فريدة من نوعها تبقى لألف سنة ولا تسقط منها أمطار لألف سنة لا تتبخر ولا تنصهر، لألف سنة لا تذوب ولا تختفي لألف سنة لكي أرسم فيها حبيبتي لألف سنة يا صاحبتي إني قد تشابهت علي الغيوم وما عرفت طوابقها ولا سمكها ولا عدد سنينها ولا عرفت تكويناتها ولا حدودها ولا جغرافيتها ولا تاريخها ولا حاضرها ولا ماضيها ولا من أي محيط قد خرجت ولا من أي المعصرات قد آتت يا صاحبتي فلعلك لا تقنطين من رحمة شاعر معتوه ولا من لعنات رسام مجنون ولا تشمئزين من سكير عربيد ولا تنفرين من فيلسوف مخبول ولا من مجدوب مهبول أنت، صديقتي، وبالطبع تعرفين سماتي أنا في هواها صادق ومجنون دليني على غيمة، من الهوى خلقت ومن القطن الناعم نسجت ومن البياض اللامع أخرجت، ومن نعومة النساء صقلت.. دليني على غيمة فاقع لونها تبتسم مستبشرة بألواني وتفتح صدرها لنبيذي وتستحي من فرشاتي وترحب بأقلامي الرصاص دليني على غيمة كالحرير في الملمس وكالريش في الوزن وكالقصيدة قاصفة بالعشق وكالمطر بارد رطب مسكر بالصدق دليني على غيمة، تشرب الألوان لألف عام وتبقى على طبيعتها مادة خام ترسخ على تاريخها لألف عام وتبقى في حدود جغرافيتها لألف عام ولو رسمت حبيبتي على الغيمة، لا تتبخر ولا تتلاشى لألف عام تحفظ سري لألف عام تشرق عليها الشمس فتبتسم لوحتي عليها لألف عام ويكتب المجد فيها لألف عام ستكون لوحتي فيها لأجمل من الموناليزا لأن فيها شعرا من شهرزاد ولأن فيها عينين من أفروديت ولأن فيها خدي عشتار ولأن فيها شفاه إزيزس وثدي نفرتيتي وخصر كليوبترا وساقي الإلهة مورينا ولأن فيها جمال الإلهة مايا الهندوسية يا صاحبتي، إن الغيوم قد تشابهت وخفت موازينها وما ثقلت مواويلها ولا نسجت أوراقها ولا حلمت أمطارها بالحب وبالهوى يا صاحبتي إن الغيوم قد تشابهت على رسام مجنون مهووس وشاعر في الصخور مغروس وسكير على البحر مفروش بين النبيذ والسيجارة مرصوص وأنا رسام مهووس بالألوان وبالتحف وبالأنتيك وحبيبتي تحفة من باريس ولوحة من روما وإنتيكة من لندن، وقطعة نادرة من موسكو ومنحوثة من أوتاوا دليني على غيمة العشق فإن الغيوم قد تشابهت علي فدليني.. دليني…. دليني…