أدانت مؤخرا محكمة الاستئناف ببني ملال السيد عبد الله المخشوني المحافظ السابق بلفقيه بن صالح بعشر سنوات سجنا نافذا على خلفية تأسيسه رسما عقاريا للملك المسمى الصحراوي على إثر قرار تحفيظه بالسجلات العقارية بعد استنفاده لجميع الاجراءات المسطرية الواجب اعمالها بموجب قوانين التحفيظ العقاري. بعد ذلك سيفاجأ الجميع بكون الرسم العقاري الجديد تم تأسيسه فوق رسم عقاري قديم. وهكذا توبع السيد عبد الله المخشوني مع آخرين بتهمة ارتكابهم التزوير بسوء نية أثناء تحرير ورقة رسمية متعلقة بوظيفتهم، وإحداث تفيير في جوهرها بإثبات صحة وقائع يعلمون أنها غير صحيحة تسببت في ضرر». وبعيدا عن سرد أطوار وفصول المتابعة والارهاصات التي خلفتها هاته المحاكمة نود أن نورد مكامن القصور في الحماية القانونية للمحافظ العقاري واستسهال اصطياده داخل شراك جرائم النصب والسطو على الأملاك والتزوير واستعماله والمشاركة فيه...إلخ. وذلك من خلال نقطتين: - الأولى تهم مقاربة بعض نصوص التحفيظ العقاري التي أصبحت قاصرة عن حماية المحافظ المسؤول الأول عن المساطر الجاري بها العمل في مجال التحفيظ العقاري. - الثانية وتهم وضع تساؤلات لانحسار مجال تطبيق المساءلة المدنية لمسؤولية المحافظ أثناء اتخاذه قرارا بالتحفيظ أمام تنامي و»استفحال» مساءلته جنائيا. -أ) قراءة نقدية في بعض نصوص التحفيظ العقاري نتوخى من خلال هذه القراءة الوقوف على قصور بعض نصوص التحفيظ العقاري عن تقديم حماية قانونية للمحافظ ونورد للذكر لا على سبيل الحصر الفصول 13-14- 15-19-20-21-30 و48 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 (ظ.ت.ع). 1- قراءة في الفصول 13-14-15-30 و48 من (ظ.ت.ع): يولي الفصل 13 من (ظ.ت.ع) أهمية بالغة للتصريح الذي يقدمه طالب التحفيظ إبان وضع مطلبه للتحفيظ، الذي يجب أن يتضمن بالاضافة الى عناصر أخرى: - إقراره بحيازة موضوع الطلب أو الإشارة الى الظروف المانعة من حيازته في حالة ما إذا انتزعت منه سلفا؛ - تفصيل الحقوق العينية الواقعة على العقار مع الإشارة إلى أصحاب ذوي هاته الحقوق؛ - الإشارة الى أصل تملك العقار والحقوق العينية المتعلقة إن وجدت. هذا التصريح الذي في نظرنا يجب أن يحمل طالب التحفيظ كامل المسؤولية بما فيها المساءلة الجنائية، سيما إذا قام المعني بالأمر بتغيير الحقائق على أرض الواقع عن طريق التزوير واستعماله. وهو ما لا نجده -للأسف- بنص الفصل 48 الذي يعاقب كل من وضع مطلب تحفيظ تعسفا وعن سوء نية وبقصد الإضرار بعقوبة مالية عبارة عن غرامة هزيلة من 10 دراهم الى 1000 درهم مع التعويض لفائدة الأطراف المتضررة. حقيقة، أن المحافظ يقوم بالتأكد من أن الوثائق والحجج المدعمة لهذا التصريح ملائمة وكافية، وفي حالة عدم كفايتها يقوم برفض المطلب عملا بمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري. إلا أن رقابة المحافظ لا تعدو أن تكون تكميلية للتصريح الأساسي والجوهري في عملية التحفيظ خصوصا وأن المشرع في الفصل 14 لم يلزم طالب التحفيظ بوضع الوثائق والرسوم وأن إيداعها ما هو إلا للتعريف بالحقوق العينية الموجودة أو المترتبة على العقار. وهو ما يستشف أيضا من مقتضيات الفصل 30 من ظ.ت.ع التي تشير الى رقابة المحافظ على الوثائق بقدرما تشير الى مراقبته لسلامة الإجراءات الخاصة بالاشهار والتحديد الصحيح وعدم وجود أي تعرض داخل الآجال القانونية. 2- قراءة في الفصول 19-20-21 و30 من ظ.ت.ع إن رقابة المحافظ لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتعدى الوثائق الموضوعة بين يديه لتمتد لمعاينة العقار بعين المكان. نحن هنا بصدد الحديث عن عملية التجديد وهي مرحلة مفصلية في عملية التحفيظ أو كل المشرع للأسف أمر تسييرها والتدقيق في مشروعيتها الى المحافظ حصرا دون غيره. وهو ما نستشفه من الفصل 19 الذي يوكل للمحافظ أو نائبه تسيير عملية التحديد بحضور ومساعدة مساح محلف تابع لمصلحة المسح العقاري. هذا الأخير الذي يعمل فقط على وضع الأنصاب وإعداد خريطة مؤقتة تبين حدود الملك ومشتملاته (الفصل 20) في حين يقوم المحافظ أو نائبه بتحرير محضر التحديد (الفصل 21) والذي من بين ما يضمن فيه ما نتج عنه البحث القانوني الذي أجراه حول واقع ومدة الحيازة ووجود حقوق محتملة باستفسار المتدخلين في المسطرة، والذين تم استدعائهم لحضور هاته العملية (الفصل 20). واذا كان الظهير المؤرخ في 1 يونيو 1915 المنظم للمقتضيات الانتقالية لتطبيق ظهير التحفيظ العقاري أقر في الفصل 4 بإمكانية تفويض المحافظ لمهام انجاز عملية التحديد الى مساح طبوغرافي محلف فأنه أبقى على عاتق المحافظ مهمة مراقبة مشروعية هاته العملية دون سواه. هكذا نجد أن المشرع يحمل المحافظ مسؤولية الوقوف على صحة تصريح طالب التحفيظ بخصوص الحيازة ووقائع قانونية أخرى بالرغم من أنه عمليا تجري الأمور خلافا للنصوص القانونية السالف ذكرها، فالمحافظ يعين تاريخا لعملية التحديد ويسلم فورا الاستدعاء لطالب التحفيظ ثم يرسل بعد ذلك قائمة للإرسال الى مصلحة المسح العقاري التي يقوم رئيسها بتعيين المساح المحلف وينتدبه للقيام بهاته العملية دون أن يراجع في ذلك المحافظ على الأملاك العقارية. وبعد انجاز محضر التحديد وتوصل المحافظ به يقوم هذا الأخير بمكاتبه بمراقبة صحته من الناحية الشكلية ومدى مطابقة محضر التحديد للخريطة المؤقتة الملحقة به دون أن يناقش ملاحظات وتضمينات المساح المحلف بمحضر التحديد التي تتسم بالحجية القانونية (الفصل 36 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915). تلكم مجموع الإجراءات المسطرية الجاري إعمالها بوميا بمصالح المحافظة العقارية. ولعل استئناس القضاة وتشبثهم بالفصول 19-20-21 و30 من ظ.ت.ع والفصل 4 من الظهير المؤرخ في 1 يونيو 1915 يوقع المحافظين في مصيدة المساءلة القانونية عن عملية التحديد اذا ما شابتها خروقات من قبيل انجاز محاضر وهمية للتحديد بالرغم من أن واقع الحال يبرئ ساحتهم. لذلك فنحن ندعو الى تعديل نصوص التحفيظ العقاري بتحميل المساح المحلف المنتدب المسؤولية الكاملة عن انجاز محضر التحديد. -ب) حدود مسؤولية المحافظ بين المساءلة المدلية والجنائية: سنتطرق أولا الى شروط تطبيق المساءلة المدنية للمحافظ العقاري (1) ثم بعد ذلك لتناول شروط تطبيق المساءلة الجنائية(2). 1- شروط تطبيق المساءلة المدنية للمحافظ على الأملاك العقارية إن أعمال وقرارات المحافظ التي يتخذها أثناء ممارسته لمهامه المنوطة به بموجب قوانين التحفيظ العقاري تخضع للرقابة القانونية، وتتوزع بين الرقابة الإدارية في إطار المسؤولية التأديبية وبين الرقابة القضائية في إطار المسؤولية المدنية أولا وكذا في إطار المسؤولية الجنائية ثانيا. ولعل أهم قرار يتخذه المحافظ هو قرار التحفيظ الذي ينفرد بأثره التطهيري للعقار من الحقوق والتحملات التي لم تظهر وتضمن بالسجلات العقارية إبان تحفيظه (الفصل 2 و62 من ظ.ت.ع). وتأسيسا على هذا الأثر التظهيري فإن المشروع لم يسمح بإقامة دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء التحفيظ. (الفصل 64 فقرة أولى). قرار التحفيظ هو إذن نهائي وغير قابل للطعن وهو «يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة» الفصل 62 من ظ.ت.ع). إلا أن المشرع ومراعاة للأضرار التي قد تقع لجهة معينة بسبب التحفيظ، نظم مسطرة خاصة بإقامة دعوى مدنية بالتعويض تثار فيها فقط المسؤولية الشخصية لمرتكب التدليس (الفصل 64 فقرة أولى) باستثناء شخص المحافظ التي تبقى قراراته بالتحفيظ خاضعة لمقتضيات الفصلين 79 و80 من ظهير الالتزامات والعقود بصريح نص الفقرة الثالثة من الفصل 64 والفصل 5 من القرار الوزيري المؤرخ في 4 يونيو 1915 المنظم لمصلحة المحافظة العقارية. فالفصل 79 يثير مسؤولية الدولة والبلديات عن الأخطاء المصلحية لمستخدمها أو عن الأضرار الناتجة عن التسيير المعيب لإدارتها في حين أن الفصل 80 يثير المسؤولية الشخصية للمحافظ باعتباره من مستخدمي الدولة غن الأضرار الناتجة عن تدليسه أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منه في اتخاذه لقرار التحفيظ. إن مساءلة المحافظ شخصيا عن الضرر الذي تسبب فيه قراره بالتحفيظ منشأه المسؤولية المدنية التقصيرية القائمة إما على فعل التدليس أو عن خطأ جسيم يوجب التعويض، وفي حالة إعساره تؤدى التعويضات المحكوم بها في مواجهته من طرف صندوق التأمين (الفصل 100 من ظ.ت.ع). ونورد بهذا الصدد قرارين للمجلس الأعلى: الأول عدد 3300 الصادر بتاريخ 25 مارس 1991 في الملف المدني 9/1182 «إن موضوع هذه الدعوى هو تعويض الضرر النائج عن السير المعيب لعملية التحفيظ حيث لم يتحقق المحافظ من مطابقة الوثائق على القطعة المراد تحفيظها، فالمحافظ ملزم بالقيام بكافة الوسائل للتحقق من ثبوت حق طالب التحفيظ بما فيه موقع القطعة المراد تحفيظها وحدودها. المحافظ ارتكب تقصيرا واضحا بمثابة الخطأ الجسيم حيث لم يقم بما يتوجبه عليه القانون من إجراءات المطابقة..» -قرار منشور بمجلة القضاء والقتون، عدد 144 بالرباط، مطبعة أنية، ص230. والثاني عدد 148 الصادر بتاريخ 29 فبراير 1996 ملف إداري عدد 95/5/1. «المحافظ على الملكية العقارية الذي ينشئ رسما عقاريا لمساحة تحمل أصلا رسما عقاريا يكون قد ارتكب خطأ جسيما لأنه لا يمكن تخصيص رسمين عقاريين لعقار واحد. مسؤولية المحافظ في هذه الحالة تكون قائمة على أساس الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود..» -من منشورات المجلس الأعلى في ذكراها الأربعين- 1997. وهكذا دأب القضاء في فترة من الفترات على تجسيد روح قانون التحفيظ العقاري الذي جعل من المحافظ الساهر الأول على حماية الملكية العقارية، وبقدر دوره ومكانته في هاته المنظومة أفرد له المشرع مسؤولية مدنية تقصيرية ابتداءا لا تتجاوزها الى المسؤولية الجنائية إلا بثبوت القصد الجنائي القاطع لأي شك. 2- شروط تطبيق المساءلة الجنائية للمحافظ على الأملاك العقارية. إن الظروف العصيبة التي يشتغل فيها المحافظ العقاري على صعيد جميع المحافظات في ظل تزايد القضايا المعروضة عليه وهو الذي يشغل كذلك مهام المحاسب العمومي عن المداخيل المالية التي يقوم بتحصيلها لفائدة خزينة الدولة، قصد تحمل هذا الأخير على السقوط في فخ التزوير والتحايل لأجل السطو على ممتلكات الغير وهو الذي يتدارس يوميا واعتياديا الكثير من الرسوم والعقود التي تتنوع بين العرفي والتوثيقي. لذا فنحن نأسف للمجرى الذي تسكله العديد من الشكايات المرتبطة بالتدليس والنصب على أرباب الأملاك وذوي الحقوق وما يرتبط بها من زورية العقود المدلى بها لأجل التقييد أو التحفيظ. اذ غالبا ما يتم الزج بالمسؤولية الجنائية للمحافظ عندما تثار قضية سطو على ملك الغير بداعي قيامه أثناء تحريره لورقة متعلقة بوظيفته بتغيير جوهرها أو بإحداث تغيير في ظروف تحريرها، وذلك إما بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون وإما بإثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة، وإما بإثبات وقائع على أنها اعترف بها لديه أو حدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك، وإما بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها، وذلك دون التأكد من أنه تعمد فعلا ارتكاب جريمة التزوير باليقين الذي يقطع الشك بأنه على علم بأنه يغير الحقيقة في الورقة الرسمية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا مع انصراف كامل إرادته الى واقعة محددة وهي استعمال الورقة في الغرض الذي زورت من أجله. - خاتمة: وختاما نرجو أن الحراك الذي تعيشه حاليا جل المحافظات من شأنه أن يفضي إلى تنبيه المشرع بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) بضرورة اتخاذ تدابير عاجلة وحاسمة لإيقاف استنزاف الكفاءات من المحافظين النزهاء الذين يسقطون ضحايا لالتصاق عملهم بالمحررات والرسوم المعروضة عليهم يوميا لأجل التقييد أو التحفيظ. إننا ندعوهم من هذا المنبر الى تنقيح قوانين التحفيظ العقاري بتعديلات حقيقية ومسايرة للواقع الحالي تبرز رؤية المحافظين صناع التحفيظ العقاري ببلادنا. نرجو كذلك من القضاء رد الاعتبار لمن تضرروا من صكوك الاتهام والمتابعة والاعتقال التعسفي مع أخذهم في النوازل المعروضة من صكوك الاتهام والمتابعة والاعتقال التعسفي مع أخذهم في النوازل المعروضة عليهم بالفهم الحقيقي للنصوص الصادرة في مادة التحفيظ العقاري. المراجع المعتمدة - الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري؛ - الظهير الشريف المؤرخ في 18 من رجب 1333 (فاتح يونيو 1915) المحدد لمختلف المقتضيات الانتقالية لتطبيق الظهير الشريف المتعلق بتحفيظ العقارات؛ - القرار الوزاري المؤرخ في 20 من رجب 1333 (3 يونيو 1915) الذي ينص على تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري؛ - القرار الوزاري المؤرخ في 21 من رجب 1333 (4 يونيو 1915) المنظم لمصلحة المحافظة على الملكية العقارية؛ - مجلة القضاء والقانون، عدد 144، الرباط. مطبعة أمنية. ص230؛ منشورات المجلس الأعلى في ذكراها الأربعين-1997.