يشكل المجال الواحي جزاء مهما من التراب المغربي إذ يمثل المجال الحاضن لحوالي %15 من مجموع التراب الوطني ويسكنه أكثر من %5 من ساكنة المغرب. وقد عرفت الواحات استقرارا بشريا قديما، جعلها تكتسب ثقافة وتاريخا ميزها عن باقي التراب الوطني، وضمنت معه استمرارية الحياة رغم الصعوبات المتمثلة أساسا في ندرة الماء وهشاشة الوسط، نظرا لانتمائها الى النطاق القاحل. وتعد الواحات على امتداد الزمن مجالات بيئية وإيكولوجية مميزة توفر لأهلها ظروفا معيشية طبيعية خاصة، إضافة الى كونها مجالا طبيعيا لعيش العديد من الكائنات الحية وحزاما ايكولوجيا على سفوح الجبال أو نقط حياة داخل الصحاري الممتدة، كما تتميز الواحات بأنماط حياتية خاصة. وتعتبر الواحات الجنوبية الصحراوية بحوض جهة كلميم وادنون من أهم الواحات المغربية، حيث تمتد على مساحة تقدر ب 100 هكتار، وتضم أكثر من 143 ألف نخلة. وتعتبر واحات الجنوب المغربي عبر مر العصور حزاما طبيعيا إيكولوجيا على مشارف الصحراء من سفح جبال الأطلس الصغير وسلسلة جبال باني على تخوم واد درعة. وعرفت الواحات الصحراوية في الآونة الأخيرة تدهورا في أنظمتها الإيكولوجية والبيئية وانعكس ذلك على ساكنة المجال الواحي. كما عرفت هذه المنظومة البيئية مجموعة من الكوارث الطبيعية أهمها الفيضانات والحرائق التي استفحلت كثيرا في السنوات الأخيرة وأثرت بشدة على الآلاف من أشجار النخيل والضيعات الفلاحية، مما تسبب في استفحال الهجرة القروية من المجال الواحي نحو المدن وتراجع أدوارها التنموية. وأمام هذا الوضع أصبح ملحا تبني مقاربة ترابية مندمجة مستدامة ومشتركة تعيد للواحات أدوارها التنموية بتعبئة كافة المتدخلين واشراك الفاعل الترابي والساكنة الواحية في إعداد وتنفيذ المشاريع الترابية للواحات اعتبار لكون الساكنة واعية بمشاكلها وحاجاتها فيا ترى فماهي الأسباب التي جعلت هذه المنظومات تدق ناقوس الخطر؟ وما مظاهر تأثير التغيرات المناخية على المنظومات الواحية وسبل استدامتها؟ وماهي المجهودات والمخططات المبذولة من الهيئات المسؤولة لإنقاذ هذا الموروث البيئي والايكولوجي؟ وكيف يمكن لنا المساهمة في الحفاظ واستدامة هذا الموروث الواحي؟ استراتيجيات ومخططات للاستدامة الواحية بين تأثير التقلبات المناخية ومظاهر تدبير التأقلم إن إعادة تأهيل المجال الواحي عبر العديد من المخططات والاستراتيجيات والبرامج يفترض تدخل شموليا يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المشاكل المطروحة، بحيث تعتبر الواحات من المجالات النادرة التي استطاعت تطوير نموذج تقليدي لكنه فعال وناجع للاستغلال الدائم للموارد المحدودة. كما شكلت نمطا للتنمية المستدامة قبل أن تنخرط هذه المجالات بقوة في اقتصاد السوق ترتبت عنه النتائج المعروفة على صعيد جل البلدان المعنية، مما يتطلب اليوم المحافظة على هذا النموذج وإعادة تأهيله. وإذا كانت الوضعية الحالية للواحات تدعو إلى بلوغ هذا الهدف، فإن الجهود المبذولة من طرف الحكومة والسلطات المحلية والهيئات المسؤولة عن هذا القطاع علاوة على أهمية الدعم الدولي في هذا المضمار كلها عوامل تشكل قاطرة للمشروع الوطني لإنقاذ وتهيئة الواحات بالمغرب. تبقى الواحات التي تعتبر تراثا عالميا مهددة بشكل متزايد بأثار التغيرات المناخية والتي تتجلى في شح الموارد المائية وتدهور جودة المياه وتآكل التربة، وكذا تقلص التنوع البيولوجي وتقهقر الأنشطة الفلاحية وتفكيك المجتمعات الواحاتية. ويتفاقم هذا الوضع بفعل التطور العمراني والصناعي غير المعقلن في بعض الواحات. وتحتاج النظم الواحاتية التي ضعفت من جراء تغير المناخ الى إدارتها بطريقة مستدامة من خلال دمج الأبعاد الثلاثة الاقتصادية – الاجتماعية – البيئية. ومن أجل حماية وإنقاذ وتطوير هذه النظم البيئية المتسمة بتنوعها البيولوجي، تم إطلاق عدة مخططات واستراتيجيات وطنية لإنقاذ وتثمين المجال الواحي: البرنامج الوطني لإنقاذ وإعداد الواحات (2006) من طرف المديرية الوطنية لإعداد التراب الوطني والماء والبيئة. المشروع الوطني لإنقاذ الواحات أصدرته مديرية إعداد التراب الوطني سنة 2006، وقامت هذه المصلحة بإنجاز دراسة تتعلق بتهيئة وتنمية الواحات بالمغرب، وتهدف إلى تشخيص واقع حال هذه الأخيرة، ووضع استراتيجية وطنية لتهيئتها وتنميتها. ويهدف هذا البرنامج الى: إدماج قضايا البيئة والتغيرات المناخية، إدماج الجوانب التراثية والثقافية. دعم الأوراش الكبرى للمملكة: الديمقراطية اللامركزية واللاتمركز، الجهوية. دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: إعطاء الأولوية للعنصر البشري مع إعطاء الأولوية لمقاربة النوع والشباب. الجوانب المؤسساتية: إيجاد الإطار قانوني للتدخلات: مراعاة ميثاق الجماعات المحلية. المرونة في التسيير والإدارة. كما يجب وضع سياسة شاملة واستراتيجية لتدبير الموارد المائية في المنطقة من خلال: استيعاب مواردنا المائية وإمكانيات تعبئتها: وذلك عن طريق مراجعة الدراسات الهيدرولوجية والقيام بدراسات أخرى للمياه الجوفية وبصفة خاصة العميقة منها(عرفة، الحلو، 1982). مخططات توجيهية لتوزيع المياه، وذلك لتحديد كيفية استغلال الماء وتوسيع موارده في أهم أحواض المنطقة، ومراجعة المخططات التي سبق وضعها على المعطيات الحديثة، ولذلك فيما يتعلق بمستوى الحاجيات ومستوى الموارد، وإمكانات ضبطها وتنظيمها بواسطة السدود التلية. وضع برنامج بعيد المدى لتعبئة موارد مائية، يمكن من تغطية الحاجيات من الماء، ويتيح للمسؤولين اتخاذ قراراتهم بعيدا عن ضغط الظروف. وبالنظر لخصوصية المجال الواحي بالأقاليم الجنوبية بهدف تثمين ومعالجة الاختلالات والمؤهلات، ومحاربة الفقر عبر إنقاذ وتثمين الواحات بحوض كلميم وادنون. فمنذ 2006 تبذل جهود كبيرة من أجل إنقاذ وتثمين المجال الواحي، وذلك من خلال برنامج إنقاذ وتنمية واحات الجنوب، الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقته خلال زيارته لإقليم كلميم سنة 2006، ومن بين ما جاء به هذا البرنامج: اعتماد برنامج إنقاذ واحات الجنوب وتنميتها ( كلميم – اسا- طاطا)، وإنجاز برنامج لانتقاء أصناف النخيل ذات الجودة العالية ومقاومة لمرض البيوض، مع القيام بالتهييء واقتراح لجان تضم ممثلي الهيئات المهنية من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لتجديد واحات النخيل بواسطة الأصناف المنتقاة وكذا التقنيات الزراعية والعناية بالتمور، وكذا تأطير الفلاحين من أجل إعادة هيكلة واحات النخيل بتنظيم الغرس، مع إعطاء الأهمية للجمعيات التي تهتم بالواحات. وتضم جهة كلميم وادنون العديد من الواحات المهمة والرئيسية بالجنوب المغربي منها على وجه الخصوص واحة تغمرت وواحة اكوك وواحة أسرير وواحة أسا وواحة تغجيحت… هذا وتقوي هذه التوجهات مسايرة البرنامج لاستراتيجيات ومخططات العمل الوطنية وخاصة الاستراتيجية الوطنية لإنقاذ الواحات والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، واستراتيجية التنمية القروية 2020، ومخطط المغرب الأخضر، كما أن القانون المتعلق بحماية وتثمين واحات النخيل سيمنح قوة تشريعية وتنظيمية لهذه الجهود. مبادرة واحات مستدامة كنماذج للتكيف مع التغيرات المناخية تم إطلاق مخطط استراتيجي جديد سنة 2016، انبثقت أهدافه من أهداف التنمية المستدامة وهو: "مبادرة واحات مستدامة.. من أجل الاعتراف والمحافظة والتنمية التضامنية للواحات كنماذج للتكيف مع التغيرات المناخية ومساهمتها في رفع التحديات الشاملة للتنمية" عبر تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة. فمخطط مبادرات واحات مستدامة مشروع تم إنجازه خلال انعقاد مؤتمر الأطراف (22COP) من 07 الى 18 نونبر 2016 المنعقد بمراكش سنة 2016، وتهدف هذه المبادرة إلى الدفع نحو اتخاذ تدابير مناسبة ومتوافق عليها لضمان بقاء الواحات على ربوع المملكة لكي تواصل تأدية أدوارها المتعددة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وتهدف مبادرة "الواحات المستدامة" إلى: اعتراف أفضل بخصوصيات المنظومة البيئية للواحات وهشاشتها الفريدة من نوعها. تفعيل تدابير متوافق عليها من أجل حماية الإرث الواحي خاصة تنوعه البيولوجي ومنظومته البيئية ونظامه الإنساني. تثمين المؤهلات التي تزخر بها الواحات من أجل رؤية تنموية مستدامة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية والبيئية. وتشمل استراتيجيات مبادرة الواحات المستدامة: التنمية: الاستثمار في أنشطة التنمية وضمان الاستدامة الاقتصادية للواحات. المحافظة: العمل من أجل الحفاظ على التراث البيولوجي والنظام البشري بالواحات. الاعتراف: ضمان اعتراف أكثر بتفرد المجال الواحي وهشاشته، عبر جرد شامل لمناطق الواحات وخلق تحالفات مع الجهات الفاعلة من أجل الواحات. ولقد جعل المغرب باعتباره حامل مبادرة – الواحات المستدامة -، حماية وتنمية الواحات من أولويات سياساته سواء على الصعيد المؤسساتي أو من خلال مبادرات المجتمع المدني. ونذكر في هذا الصدد ما يلي: إنشاء الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان ومن مهامها الرئيسية تحقيق التنمية المتكاملة والمستدامة لمجال تدخلها. إنشاء وكالة الانعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية. تنفيذ برامج الشراكة الدولية مثل محمية المحيط الحيوي لواحات جنوب المغرب مع اليونسكو أو النظام المبتكر للتراث الفلاحي العالمي مع منظمة الأغدية والزراعة. الأنشطة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في أنحاء مختلفة من مناطق الواحات بالبلد بشراكة مع المؤسسات العمومية (الوكالة الوطنية لتنمية الواحات وشجر الأركان والقطاعات الوزارية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ..) والمنظمات الإقليمية والدولية أو في إطار البرامج الخاصة بها. وبالرغم من وجود العديد من المخططات والاستراتيجيات المختصة من أجل إنقاذ وتثمين الموروث الواحي إلا أنها تبقى غير كافية لإنقاذ هذا الموروث البيئي والايكولوجي، فتثمين هذا الموروث يستحق أن يحظى بالأولوية وإدماجه ضمن السياسات العمومية وبرامج الحكومة والمؤسسات المعنية، بحيث أصبح من الضروري استعجال وضع استراتيجيات للحفاظ على هذا الموروث، وتفعيل المقاربة التشاركية بين المسؤولين عن القطاع والفلاحين لوضع خطط عمل واضحة وناجعة. وأخيرا فإن كل الواحات في خطر، وإذا ما استمر الوضع في نفس المنحى الحالي، فإنها ستؤول لا محالة إلى الزوال والاندثار، لذلك يعتبر إنقاذ وتنمية الواحات مسألة استعجالية، يجب أن تحظى بالأولوية. كما أنه لم يعد بالإمكان التستر وراء مبرر التغيرات المناخية لتفسير أزمة الواحات. بعض الاستنتاجات في المجال الواحي إن الطابع العام للمنظومة الواحية بحوض وادنون يتسم بالهشاشة والتي كانت نتيجة عدة عوامل طبيعية وبشرية تتداخل في أغلب الأحيان لفرز عدة تحولات سوسيومجالية أفقدت المنطقة دورها الريادي في الجانب الاقتصادي والبيئي، ليحل محلها تدني مستوى العيش وتدهور الجانب الإيكولوجي مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الواحات بحوض وادنون. ان تزايد الضغط على الموارد الفلاحية بواحات حوض وادنون بفعل الري العصري ودوره في إخلال توازنات تقليدية، وما يشكله النمو الديمغرافي جراء الضغط المتزايد على الراضي الزراعية خلال العقود الأخيرة، ومساهمته في التوسع العمراني والعشوائي، مما أدى الى تضرر وتقزيم المساحات الزراعية. إن المشكل المائي بالواحة سيزداد تعقيدا أمام تزايد الاستغلاليات الفلاحية العصرية وظهور أوراش جديدة ذات صلة بالسياحة، وهذا يتطلب استباقية نوعية وتخطيط مستقبلي لمسألة المياه من خلال معطيات علمية وموضوعية وعبر تلبية حاجيات الحاضر وتأمين مستقبل الأجيال القادمة. يعرف العصر الحالي نوعا من العزوف على كل الخبرات والتقاليد والتي لها علاقة بتدبير التقليدي واستغلالها في وسط يتميز بالندرة، كتراجع دور "الجماعة" لتحل محلها الجمعية أو اللجنة، إضافة إلى "تويزة" لتحل محلها الأجرة والكراء، الى جانب غياب الوعي مع كيفية التعامل مع المنتوجات الفلاحية. إن القطاع الفلاحي والسياحي بالواحة يعرفان تذبذبا ملحوظا، مع العلم أنهما يعدان من أهم الأسس التي يجب الاعتماد عليها من أجل مستقبل الواحة، من خلال علاقتهما بالموارد المائية. إن ارتفاع نسبة الهجرة بالواحة يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبلها، وهذا الارتفاع أفرز غياب فرص العمل وارتفاع المتطلبات اليومية، وبالتالي تراجع الإحساس بالارتباط بالمجال لدى الشباب. تعاني واحات حوض وادنون من غياب استراتيجية وخطة عمل واضحة من طرف المسؤولين لإنقاذها والحفاظ على مواردها الطبيعية. إن حساسية الموضوع من جهة، وانتشار السياسة النخبوية والحزبية من جهة ثانية، خلقا انفصالا واضحا بين المتدخلين في السياسة الفلاحية بالواحات، وإن ضعف تكوين وتأطير الفلاحين يشكل عقبة في وجه تطوير القطاع الفلاحي بواحات حوض وادنون. إن التحولات الاجتماعية التي عرفتها واحات حوض وادنون، من خلال القطيعة بين أجيال الفلاحين، حالت دون نقل الخبرة إلى الجيل الجديد. وبالتالي فقدان الذاكرة الحية التي يعتمد عليها أجدادنا في تلقين الخبرات إلى الأجيال. عزوف الشباب عن القطاع الفلاحي، بسبب التحولات السوسيومجالية التي عرفتها واحات حوض وادنون. بعض الاقتراحات لإنقاذ المجال الواحي بناء على ما سبق، حاولنا وضع بعض الاقتراحات والاستراتيجيات التي تتجاوز هذه الاستنتاجات وتسعى الى إعادة التوازن داخل الواحة مع استغلال الموروث الفلاحي بالواحة ودعمه بالوسائل والتقنيات الحديثة كي يصير الأمر أكثر توازنا وحفاظا على الموارد الطبيعية بالمنظومة الواحية، ولتحقيق هذا الهدف يمكن الاستعانة بهذه الاقتراحات من أجل إنقاذ الثروة المائية ومن بينها: ضرورة الاهتمام بالتراث کهوية وتاريخ وذاكرة، من خلال التجارب والممارسات ذات علاقة بكيفية إحياء واستغلال الموروث المتعلق بالتدبير التقليدي للمنتوجات الفلاحية بالواحات، وجعله عنصرا بارزا في استراتيجية التنمية المحلية. إعادة صياغة سياسة فلاحية وسياحية بالواحة تعتمد على الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة وفق شروط علمية وموضوعية. الاعتناء بالواحة في شقها الإيكولوجي والبحث عن متدخلين وطنيين ودوليين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ضرورة التأسيس لثقافة جديدة وطريقة عمل حديثة مع تدبير الموارد من خلال الممارسة والتفكير، بعد استحضار متطلبات الحاضر ومستقبل الأجيال القادمة. محاربة كل أشكال التلوث والتبذير وسوء الاستغلال، ونشر ثقافة المحافظة على التدبير التقليدي للمتوجات الفلاحية، وإحياء الأعراف الزجرية لردع المفسدين والمبذرين. تعميم الوسائل التقنية في استغلال وتدبير الموارد وتوظيفها مع إنشاء جهاز تنظيمي للصيانة والمتابعة. ضرورة خلق تعاونيات قصد تثمين المنتوجات الفلاحية من أجل مستقبل الواحة، وقصد المحافظة على الثروة وحسن استغلالها ومحاربة أسباب تدهورها. ضرورة الاعتماد على التربية النظامية وغير النظامية كقناة أساسية لتكريس ثقافة تدبير ونشر آليات عملية وتحسيسية لصالح الأجيال الصاعدة والنساء المنخرطات في صفوف محو الأمية من اجل مستقبل الواحة. ضرورة فتح حوار عام مع مختلف المتدخلين في مسألة المياه بغية الوصول إلى تشخيص الوضعية ووضع الاقتراحات وتنفيذ الحلول. ضرورة تدخل الدولة وبشكل قوي في عملية إنقاذ التراث الواحي لأن ذلك يتطلب موارد مالية وبشرية وتقنية كبيرة. ضرورة اعتماد تصور مستقبلي لاستغلال المياه بالواحة. ضرورة مساعدة صغار الفلاحين بالتمويل بهدف تشجيعهم على الحفاظ على الموروث الثقافي بالواحة وحسن تدبير المنتوجات الفلاحية واستغلالها. ضرورة المتابعة العلمية للفرشة المائية بالواحة ومعرفة خصائصها وافق استغلالها لوضع تصور واضح لمستقبل الواحة. من أجل عقلية صديقة للبيئة الواحية تعد إشكالية تدهور المجالات الطبيعية (الواحات) من بين أهم القضايا التي تستحق أن تحظى بالأولوية في سياسات الحكومات الحالية والمقبلة. وبالاستناد إلى المعطيات التقنية المتوفرة، أصبح من الضروري وضع استراتيجية شمولية لهذا القطاع الحيوي للحفاظ على موارد التي تزخر بها الواحات وتدبيرها بكيفية مندمجة، على اعتبار أن التحدي الأساسي الذي يواجه المغرب عامة والواحات خاصة مع بداية الألفية الثالثة، يتمثل أساسا في إقامة تدبير مستدام وفعال للمجال الواحي وخاصة في ظروف تتسم بفترات جفاف هيكلي مع تزايد مستمر في الحاجيات. وقد كان الهدف المنشود من وراء دراستنا لهذا الموضوع "الواحات بجهة كلميم وادنون ثروة وموروث بيئي وإيكولوجي بين افاق التنمية واكراهات الاستدامة" هو محاولة الوقوف على أهم ما يزخر به المجال الواحي بحوض وادنون من تنوع طبيعي وكذا الإشكاليات التي يعاني منها. أمام كل العوامل التي تعيق التنمية الترابية داخل المجال الواحي وعلى الرغم من كل المجهودات والمخططات والاستراتيجيات التي يبذلها مختلف المتدخلين في المنظومات الواحية، سعيا إلى تغيير الوضع الراهن، فإن النتائج المحققة تبقى متواضعة مقارنة بجسامة التحديات التي تطرحها وضعية الواحات سوى على صعيد جهة كلميم وادنون أو على الصعيد الوطني، حيث يكمن التحدي الأكبر في حث السكان على البقاء داخل هذه المناطق للحد من الآثار السلبية للهجرة، وأيضا غياب العدالة المجالية وتكافؤ الفرص في الاستفادة من برامج البرامج والمخططات والاستراتيجيات وأيضا المقاربة التشاركية بين فلاحي الواحات و الجهات المسؤولة على البرامج والمخططات والاستراتيجيات للمجال الواحي. خلاصة القول إن المجال الواحي بحوض وادنون من بين أكثر المناطق التي عانت ولازالت تعاني من التدهور مما يستدعي ضرورة تكثيف الجهود من أجل وضع مخططات مستقبلية تهدف الى محاولة تجاوز هذا المشكل، وذلك من خلال البحث عن سبل الاستغلال السليم والمعقلن لهذه المنظومات. ويمكن القول أيضا إن الواقع الذي تعيشه واحات حوض وادنون واقع متأزم بشكل عام، يطبعه التدهور البيئي بشكل خاص بفعل مجموعة من العوامل الطبيعية كالحرائق والفيضانات والجفاف والتصحر … فوضعها الحالي يدق ناقوس الخطر وينذر بزوال هذا المجال الطبيعي الفريد، مما يستلزم تضافر جهود جميع الفاعلين في المجال، من أجل الحد من مظاهر التدمير والتدهور، بشكل مستعجل والتفكير في بدائل على المدى القريب تحفظ للمجال مقوماته، ومنها الانشغال بإنتاج عقلية صديقة للبيئة الواحية في أوساط الأجيال الحالية وخيارات اقتصادية، تضمن للمجال عناصر حياتية كإرث تاريخي وثقافي وطبيعي قادر على تجسيد روح التنمية المستدامة، يحقق عيشا مقبولا للأجيال الحاضرة ويضمن للأجيال القادمة الحق في العيش الكريم. الحسان خريبت أستاذ وفاعل جمعوي، باحث ومهتم بالمجال الواحي والبيئي