تتميز مدينة طنجة بتواجد عدد من الغابات الحضرية المحاذية للأحياء الواقعة بأطراف المدينة والمتاح ولوجها سيرا على الأقدام أو باستعمال العربات. وتشكل هذه الغابات الحضرية ملاذا لسكان المدينة، الفارين من ضجيج الشوارع واكتظاظ الساحات العمومية وضيق جدران المكاتب والمنازل، طلبا لقضاء لحظات بين أحضان الطبيعة، للتخلص من الأرق وتنفيس الضغط النفسي المتراكم بسبب وتيرة الحياة المتسارعة. وخلال شهر رمضان، شهدت غابات "الرميلات" و"مديونة" و"الرهراه" و"دونابو"، الواقعة بالجبل الكبير غرب مدينة طنجة، إقبالا كبيرا من لدن المواطنين، خاصة قبيل مغرب كل يوم، من أجل ممارسة الرياضة أو الخروج في نزهات رفقة الأبناء والأصحاب سيرا على الأقدام وسط هذا الغطاء الغابوي الواقع على ضفاف البحر كما يعانق زرقة السماء. وأبرز الخبير في البيئة والتنمية المستدامة، سعيد شكري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن موقع طنجة يؤهلها بأن تتمتع بموروث طبيعي كبير، سواء بحرا أو برا، مبرزا أن هذه المنتزهات الحضرية تلعب أدوارا كبيرة في حماية مجموعة من الكائنات الحية، بعضها مهدد بالاندثار، وقد تشكل فضاء للبحث العلمي والتحسيس والتوعية إلى جانب دورها الترفيهي. ويزخر منتزه غابة الرميلات، المعروف أيضا بمنتزه "بيرديكاريس"، بثروة نباتية وحيوانية وثقافية متميزة، حيث يضم أشجارا متنوعة كالبلوط الفليني والبلوط القرمزي والصنوبر، إلى جانب بعض أشجار التشت التي تنمو عادة في المناطق التي يتجاوز علوها 800 مترا على سطح البحر. ويعتبر المنتزه ملجأ ومعبرا للطيور المهاجرة ومأوى لبعض الحيوانات البرية، حيث تم إحصاء 55 نوعا من الطيور التي تتردد على الموقع، إلى جانب 16 صنفا من اللبونيات (الثدييات) و28 صنفا من الزواحف. في هذا السياق، وصف الخبير منتزه بيرديكاريس ب"واحد من أجمل المنتزهات الحضرية على الصعيد الوطني، وبالمنتزه الفريد الذي يمتاز بمناخه المحلي الخاص، كما أن له خصائص فريدة، لعل من بينها تواجد شجر التشت في أطراف البحر، في وقت ينمو هذا الشجر في المرتفعات"، مستدركا "لكن مع الأسف، يتعرض هذا المنتزه لضغط كبير". بالفعل، فقد حظيت المنتزهات الحضرية بطنجة بعناية خاصة على مدى السنوات الماضية من أجل تخفيف الضغط على منتزه "بيرديكاريس" الذي تم تأهيله قبل حوالي عقد من الزمن، إذ شرع خلال السنوات الثلاث الماضية في تهيئة منتزهات الرهراه ومديونة والغابة الدبلوماسية، وتحويلها إلى فضاء مؤهل لاستقبال الزوار وممارسي الرياضة. بمنتزه الرهراه، المجاور لحي امسنانة الشعبي، تمت تهيئة فضاء على مساحة 220 هكتارا، حيث همت الأشغال تهيئة وصيانة مسالك التجوال والمسارات وتهيئة الفضاءات الخاصة بالرياضة ووضع حاويات للنفايات وتنظيم عمليات جمع الأزبال وتهيئة المراحيض العمومية ووضع كراسي وطاولات للجلوس والنزهة ووضع لوحات تشويرية وتحسيسية. كما بلغ مشروع إحداث منتزه بالغابة الدبلوماسية (جنوب – غرب طنجة) مراحله الأخيرة بعد استثمار 42 مليون درهم ضمن اتفاقية شراكة متعددة الأطراف تروم بالأساس تثمين الرصيد الطبيعي والثقافي لهذه الغابة، والنهوض بدورها الاجتماعي عن طريق الرقي بجودة استقبال الزوار، وضمان استمرارية النظام البيئي والموارد الغابوية، وتحسيس عموم الفاعلين المحليين للحفاظ على هذه الثروة البيئية. بدورها، شهدت غابة مديونة إحداث مسارات للتجول ومواقف سيارات وكراسي وتجهيزات رياضية، وتعرف هذه الغابة بكونها مقصدا لهواة ممارسي الرياضة في الهواء الطلق الراغبين في حرق بعض السعرات الحرارية، إذ تشهد بعد عصر أيام رمضان إقبال الناس للجري في بين الأشجار وتنسم الهواء العليل. ومن شأن تجهيز هذا المنتزه بتجهيزات رياضية متاحة للعموم أن يساهم في الرقي بممارسة الرياضية في هذا الغطاء الغابوي المحاذي لمدينة طنجة. غير أن سعيد شكري نبه لكون عملية تأهيل المنتزهات يتعين أن تتم وفق معايير ومقومات تضمن المحافظة على خصائصها الطبيعية ولا يتعين تأهيلها بنفس قواعد تهيئة الحدائق العمومية، داعيا إلى حماية هذه الفضاءات الخضراء الواقعة في أطراف المدينة من بعض السلوكيات المنافية للقواعد الإيكولوجية السلمية ومن الحرائق. ويتعين الحفاظ على هذه المنتزهات الحضرية التي تنفرد بها مدينة طنجة مقارنة مع كبريات مدن المملكة، فمدينة البوغاز عرفت تاريخيا بطبيعتها الخلابة ومشاهدها الرائعة، التي تجمع بين البحر والمرتفعات والغابات.