في دعوته إلى بتر التراث، يُقر زكي نجيب محمود في مؤلفه "تجديد الفكر العربي"، بأن الحضارة وحدة لا تتجزأ (وكان محقا في ذلك)، إلا أنه حين فكر في الحضارة على هذا النحو دعا إلى بتر التراث، فهو فهم لوحدة الحضارة فهما خاصا لا يمكن تعميمه. إن وحدة الحضارة لا تعني أبدا أن نبتر التراث، ذلك لأن التراث جزء من الحضارة الإنسانية، وجزء من التراث البشري العالمي، ولون من ألوانه.. لذلك فإن إسقاطه فعل اغتيال فكري، ليس في حقنا فقط، وإنما أيضا وأيضا، في حق كل شعوب الأرض. الأدهى أن زكي نجيب محمود (وهو من أوائل الوجوديين العرب) يقلب الأمر على نحو آخر، حين يعتبر أن الغرب عدونا، ولا يرى إلا من خلال وجهه الاستعماري الذي يريد أن ينهش به خيرات العرب، بل ويتحول بالنتيجة إلى معاداة الحضارة مادام صاحبها عدونا "فلا مناص من نبذه ونذبها معا؟؟" (انظر تجديد الفكر العربي). إنه هنا وبدون هوادة، يقع في الفهم المتطرف لمعنى الحضارة الإنسانية، من حيث اعتبارها حضارة شعب واحد هو الغرب. وهكذا فقد انطبقت عليه مقولته "والناس كما قيل بحق، أعداء ما جهلوا" (تجديد الفكر العربي) كما انطبقت عليه حين كان يرفض التراث بحجة أنه كان يجهله. إن الثقافة تنتقل – شئنا أم أبينا – في العصر الحديث، عن طرائق ووسائل الاتصال والنقل الحديثة، فلابد من التفاعل معها، وإن كان المطلوب هو أن ننظر إليها نظرتنا الخاصة من خلال خلفيتنا الثقافية المشبعة بخاصتنا التراثية، ومن خلال ظروفنا الخاصة. في صياغة السؤال: لكل شعب تراثان الذي نريد إيضاحه مما سبق، أن لكل شعب تراثين: تراثه الخاص الذي عنه تصدر ينابيع ثقافته الخاصة، وتراث الإنسانية الذي من خلاله يصبح مشاركا (في الفهم والعقل) لشعوب الأرض قاطبة.. نحن مع زكي نجيب محمود في طرحه للسؤال، حتى وإن جاء سؤاله في شكل صحوة مفاجئة. فالسؤال عن المُواءمة بين الفكر الوافد وبين التراث، مع الحفاظ على "العروبة" والمعاصرة، حاجة ملحّة في وضعنا الحالي، لأن الإجابة عنه تنير لنا طريق السير للمساهمة في تطور الحضارة الإنسانية، وتدلّنا على التقدم الصحيح. نقول إننا نوافقه في الطرح، لكننا نخالفه في صياغة السؤال. إن المسألة ليست فيما نأخذه عن الغرب أو لا نأخذه انطلاقا من حرصنا على توافقه مع التراث. والسؤال يصبح أكثر صوابا لو جعلناه على النحو التالي: ما الذي يناسبنا من القسم الذي تحظى به الدول المتقدمة من الحضارة لنضمه إلى القسم الذي في حوزتنا، لنعمل به ثم نمنحه إلى البلاد الأخرى التي تحتاجه والقابعة هناك.. الدول الأخرى الغارقة في التخلف (=الأفريقية؟)، دون أن يكون على حساب ما عندنا؟؟. والحديث بهذا الصدد، ذو شجون. بقلم: عبد الله راكز