رغم الجائحة إحياء طقوس متجذرة في الذاكرة الجماعية فاطمة والهورشمت استقبل المغاربة شهر الصيام لهذه السنة في وضعية متسمة بظهور سلالات جديدة لفيروس كورونا بعدد من جهات المملكة، وكان أملهم كبيرا في التخفيف من التدابير الاحترازية وعدم تكرار "سيناريو" السنة الماضية خلال هذا الشهر الفضيل، غير أن رجاؤهم تبخر بفرض حالة الإغلاق الليلي وعدم فسح المجال لإقامة صلاة التراويح في المساجد وهي الشعيرة التي يتعطش لها المصلون. تداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية، تبدو ماثلة بصورة واضحة هذا العام في الحياة الاجتماعية لساكنة جهة درعة تافيلالت . حيث حصدت الجائحة أرواح الكثيرين، إضافة إلى معاناة أغلب الأسر في تلبية متطلبات الحياة الصعبة بعد أن فقد الكثير وظائفهم بسبب الجائحة، والعديد من الوكالات السياحية والمقاهي والعديد من المهن المرتبطة بها أمست مهددة بالإفلاس التام . نفحات الشهر الفضيل غائبة هذا العام في ظل استمرار حالة الطوارئ الصحية وبسبب الإجراءات والتدابير المشددة لمواجهة الجائحة من ضمنها غياب صلاة التراويح في المساجد، وحظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني من الساعة الثامنة ليلا إلى الساعة السادسة صباحا باستثناء الحالات الخاصة . وككل سنة، ينتظر المغاربة حلول رمضان على أحر من الجمر لتجديد إيمانهم وإحياء التقاليد والأعراف التي تتقارب أحيانا وتختلف أحيانا من منطقة إلى أخرى. فإذا كانت لهذه التقاليد بما تعكس من غنى وتنوع، دلالات رمزية وثقافية فإنها تشترك في سمة خاصة ترسم محاسن هذا الشهر الكريم الذي من أهم مظاهره تشبث ساكنة الجنوب الشرقي بإحياء الطقوس الرمضانية الممتحة من التعاليم الإسلامية المتجذرة في الذاكرة الجماعية، الشيء الذي يمنحها طابع التميز والتفرد. ومن تقاليد أهل تافيلالت التي تبدو فريدة وتزداد تميزا في شهر رمضان الكريم، تفننهم في التحضير لهذا الشهر بحيث تعلن حالة استنفار قصوى داخل البيوت للإعداد الأكلات الشهيرة التي تتسيد المائدة خلال الإفطار . فقبل حلول الشهر الفضيل وفي الأسبوع الأخير من شعبان تمتلئ الأسواق بالمتبضعين الراغبين في اقتناء مشتريات تزين موائد رمضان، مما يخلق رواجا اقتصاديا مهما . بينما تتفنن ربات البيوت بإعداد أشهى الأطباق الرمضانية من حريرة أو كما يسمى بالأمازيغية "أسكيف" ، إلى جانب إعداد الخبز بالشحم أو "أغروم نتادونت" ، والتمر والشباكية وغيرها من الشهيوات المتنوعة . في الحقيقة تشكل مائدة الإفطار خلال هذا الشهر المبارك مناسبة للم شمل العائلة وبعث روح المودة والإخاء بين أفرادها خصوصا الذين فرقتهم صروف الزمن. بعد الانتهاء من وجبة الإفطار وأداء صلاة التراويح في البيوت، هناك من يقضي ما تبقى من الأمسية في الإبحار في العالم الأزرق، فيما يختار آخرون متابعة الإنتاجات الدرامية. ومن العادات خلال شهر رمضان أن تتفنن بعض النساء في تحضير أطباق الكسكس ليلة القدر التي لها مكانة متميزة. خلال هذا الشهر أيضا، تكثر أنشطة جمعيات المجتمع المدني لاسيما في ظل الجائحة، عبر مبادرات إنسانية تتثمل في توزيع المواد الغذائية على الفقراء، وذلك بهدف تعزيز التكافل والتضامن بين كل أفراد المجتمع.