نظمت الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية نهاية الأسبوع الماضي ندوة صحفية، بقاعة المحاضرات بمقر منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بمدينة الرباط عرضت خلالها نتائج مشروع العنف المبني على النوع الاجتماعي خلال فترة الحجر الصحي بسبب وباء كوفيد 19 دراسة حول التبليغ وعدالة الخدمة، المدعم من طرف الحكومة البريطانية عن طريق سفارتها بالمغرب، برسم سنة 2020/2021، في إطار مبادرتها الرامية إلى دعم البحث والقدرات، التي تهدف إلى تنمية القدرات المؤسساتية للمجتمع المدني المغربي. وقد تم تسليط الضوء في هذه الندوة على النتائج النهائية التي خلصت إليها الدراسة التي شملت ثلاث جهات بالمملكة المغربية كل من جهة الرباطسلاالقنيطرة وجهة طنجةتطوانالحسيمة والجهة الشرقية. وقد حضر هذه الندوة ممثل عن برنامج "دعم"، ونقط ارتكاز البحث من الجمعيات المنضوية تحت لواء الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية التي ساهمت في أشغال البحث، وفاعلين مدنيين. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية، جمعية وطنية مهتمة بالوساطة الأسرية، تضم في عضويتها 31 جمعية مستقلة تشتغل في مجال الوساطة الأسرية بمختلف جهات المملكة. تندرج هذه الدراسة في إطار الجهود التي ما فتئت الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية تضطلع بها، من أجل حماية الأسرة باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع، والحفاظ على استقرارها وتماسكها وتوفير أجواء آمنة لأفرداها. وعلى إثر تفشي جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت العالم مع بداية سنة 2020، وما صاحبها من تداعيات خطيرة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وانطلاقا مما رصدته التقارير على مستوى الدولي والوطني، فقد لاحظنا كباقي جمعيات المجتمع المدني ارتفاعا مهولا لظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي، وخاصة العنف الزوجي الذي ازدادت حدته نتيجة التدابير الاحترازية، المفروضة من قبل السلطات، والتي كان من بينها فرض الحجر الصحي، حيث كان أحد أهم الأسباب التي حالت دون تمكن النساء من التبليغ عن العنف الممارس ضدهن بالإضافة إلى أسباب أخرى. ورغم المجهودات التي قامت بها الدولة من قطاعات حكومية وهيآت ومنظمات غير حكومية من دعم ومواكبة عملية التبليغ من خلال وضع منصات للاستماع والدعم لفائدة النساء والفتيات ضحايا العنف، وإطلاق منصات إلكترونية خاصة بجائحة كوفيد 19، كإصدار النيابة العامة لدورية تحث فيها محاكم المملكة لنشر منصات إلكترونية وأرقام هاتفية لتيسير عملية التبليغ عن بعد، ووضع الدولة لرقم هاتفي أخضر رهن إشارة النساء، وبث نشرات إشهارية تحسيسية بهذا الخصوص، إضافة إلى مبادرة بعض الجمعيات بوضع منصة الكترونية للاستماع والدعم والتوجيه والتبليغ عن العنف ضد النساء، إلا أنه تبين من خلال بعض التقارير المعلن عنها – كتقرير المندوبية السامية للتخطيط وتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي – أن ظاهرة العنف عرفت تزايدا خلال فترة الحجر الصحي. وانطلاقا مما رصدته الشبكة والجمعيات المنضوية تحتها من ارتفاع مهول لحالات العنف ضد النساء، بادرت الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية لإنجاز دراسة ميدانية بعنوان "العنف المبني على النوع الاجتماعي في فترة الحجر الصحي بسبب وباء كوفيد 19: دراسة حول التبليغ وعدالة الخدمة"، بدعم من الحكومة البريطانية عن طريق سفارتها بالمغرب في إطار برنامج "دعم"، من أجل رصد إشكالية التبليغ عن العنف خلال فترة الحجر الصحي والوقوف على الإكراهات التي واجهت النساء خلال هذه الفترة، خاصة بعد أن لاحظنا أن عدد الشكايات قد عرف انخفاضا حسب دورية النيابة العامة، مقارنة بفترة ما قبل الحجر الصحي، مقابل ارتفاع حالات العنف المعلن عنها في تقرير المندوبية السامية للتخطيط. وقد استهدفت الدراسة 206 حالة، على مستوى ثلاث جهات جهة الرباطسلاالقنيطرة، جهة طنجةتطوانالحسيمة وجهة الشرق، شملت 194 امرأة بنسبة 94% و12 رجل بنسبة 6%، كما تم القيام ب 10 مقابلات نصف موجهة. هذا وقد شكلت الفئة العمرية للحالات المستجوبة ما بين 25 و65 سنة نسبة 70% من النساء المعنفات، خاصة المتزوجات اللواتي شكلن نسبة 58% بينما المطلقات والمتخلى عنهن شكلن على التساوي 24%، والعازبات 9% والأرامل والأمهات العازبات شكلن بالتساوي 5%، وقد شكل السكن أحد أسباب العنف المنزلي خلال فترة الحجر الصحي حيث وجدنا أن النساء المعنفات اللواتي يعشن في مسكن يقل عن 50 متر2 شكلن نسبة 38%، ذلك أن المكوث في البيت لمدة طويلة ساهم في نشوب اضطرابات وصراعات بسبب انعدام الإحساس بالخصوصية في المكان. وقد كان لعدد كبير من المستجوبات، وضعية اقتصادية هشة، حيث أن النساء ربات البيوت وبدون عمل مدر للدخل شكلن نسبة 44% بينما شكلت النساء اللواتي يشتغلن في القطاع غير المهيكل نسبة 22%. وقد شكل البيت أكثر الأماكن التي انتشر فيها العنف بشكل كبير، حيث بلغت نسبة النساء المعنفات داخل المنزل 59%، وذلك نتيجة المكوث لفترة طويلة داخل نفس الفضاء، كما شكل عبء الدراسة عن بعد سببا آخر لتزايد ظاهرة العنف، فقد كان للمرأة دور كبير في تتبع الدراسة ومواكبة الأبناء في الدراسة عن بعد بنسبة 37% مقارنة 8% للأب. هذا وتجدر الإشارة إلى أن حجم الأعمال المنزلية غير المدفوعة الأجر المؤداة من طرف النساء قد تضاعف 6 مرات عما كان عليه الحال قبل الحجر الصحي (3 مرات ما يؤديه الرجال) حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط. ثقافة التبليغ وقد رصدنا من خلال الدراسة أن ثقافة التبليغ عن المخالفات داخل المجتمع، تحتاج إلى مزيد من الفهم والاستيعاب حيث أن نسبة 83% من النساء لا يعرن اهتماما بالتبليغ بصفة عامة، وبالتالي فالأمر يحتاج إلى توعية وتحسيس، كما أن نسبة 86% من النساء ليست لديهن معرفة بقانون محاربة العنف ضد النساء الشيء الذي يدعو لمزيد بذل جهد من الدولة والمجتمع المدني للتعريف والتوعية بمضامينه، كما كان لتداعيات الحجر الصحي انعكاسا كبيرا على الوضعية الاقتصادية للأسر، فقد شكلت نسبة الأسر التي فقد معيل الأسرة العمل خلال فترة الحجر الصحي 66% بينما واصل 34% منهم عملهم. ثم إن المعرفة بأن التبليغ عن العنف إجراء محمي قانونا هي ثقافة غائبة لدى نسبة مهمة من النساء حيث أن 59% منهن ليست لديهن معرفة بالحماية الخاصة بالمبلغين عن العنف، لذا يبقى لديهن هاجس الخوف من التبليغ. كما أن شريحة مهمة من النساء بنسبة 71% لم تتمكن من الخروج للتبليغ عن العنف بسبب شدة التدابير الاحترازية المتخذة من قبل الدولة، حيث إن الرخصة الاستثنائية كانت فقط لمعيل الأسرة وللخروج للعمل أو شراء الأدوية والأغراض الضرورية، مما عمق من صعوبة الولوج للعدالة، كما شكل الارتفاع الكبير للأمية في صفوف النساء والأمية الأبجدية بالوسائل التكنولوجية إكراهات حقيقية لدى عدد كبير منهن، مما حال دون إمكانية التبليغ عن طريق المنصات الإلكترونية التي وضعتها النيابة العامة والأرقام الهاتفية، كما شكل الإغلاق الشامل لمحكمة الأسرة -خلال فترة الحجر الصحي الأولى- من أهم معوقات التبليغ عن العنف. ومن خلال الاستجوابات مع النساء المستهدفات في الدراسة تبين أن حالات العنف تزايدت خلال الحجر الصحي مقارنة بما قبله، حيث أن 90% من النساء تعرضن للعنف قبل الحجر الصحي بينما خلال فترة الحجر الصحي وصلت النسبة ل 100%، وقد تصدر العنف النفسي خلال الحجر الصحي أنواع العنف الذي تعرضت له النساء، حيث تعرضت له 164 مرة (مقارنة مع عدد المرات قبل الحجر الذي بلغ 145 مرة)، يليه العنف الاقتصادي ب 114 مرة (مقارنة مع عدد المرات قبل الحجر الذي بلغ 84 مرة)، والعنف الجسدي 101 مرة، والعنف الجنسي 16 مرة. هذا وتجدر الإشارة إلى أن العنف الاقتصادي انتقل من الرتبة الثالثة قبل الحجر الصحي إلى الرتبة الثانية أثناء الحجر وهذا راجع لفقدان العمل أو قلته لعدد مهم من الأسر، الشيء الذي أثر على عملية الإنفاق داخل الأسر مما أدى إلى بروز هذا النوع من العنف. ومن خلال المقابلات الموجهة التي تمت مع النساء المعنفات، تم تسجيل مجموعة من الملاحظات على مستوى عدالة الخدمة المقدمة لهن بعد التبليغ، أهمها عدم الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع النفسي الحرج الذي تعانيه النساء المعنفات وما يقتضيه من سرعة التدخل من قبل عناصر الضابطة القضائية، وانشغال هؤلاء بتداعيات الوضع الاستثنائي جراء الجائحة عن الاهتمام اللازم بقضايا النساء المعنفات، مما جعل النساء المستجوبات يتشكين من ضعف العناية بهن والبطء في تفعيل الإجراءات الواجب اتخاذها حماية لهن، ناهيك عن طول المدة التي تقتضيها المعالجة القضائية للمشاكل المعروضة على المحاكم، خاصة ومع توقف جل الجلسات عن الانعقاد باستثناء القضاء الاستعجالي وقضايا المعتقلين، أضف إلى ذلك غياب مراكز الإيواء في العديد من المدن. محاربة العنف وعلى الرغم من أن صدور قانون 103.13 شكل في حد ذاته خطوة إيجابية في اتجاه محاربة ظاهرة العنف التي استفحلت بشكل كبير في المجتمع عموما وفي مواجهة المرأة بشكل خاص. فمن خلال الملاحظات التي تم تسجيلها من واقع معاناة النساء ضحايا العنف، وكثرة العقبات التي ظهرت أثناء تنزيل مقتضياته على أرض الواقع، جعلتنا نضع علامة استفهام حول عدالة الخدمة التي تصطدم في أحيان كثيرة بضعف السياق الداعم لمحاربة العنف من طرف مؤسسات الدولة، ومن جملة ما تم الوقوف عليه ما يلي: عدم توفير البيئة الملائمة لتنزيل هذا القانون بسبب طبيعة الموروث الثقافي الذي يلعب دورا كبيرا في الإبقاء على واقع الدونية ولا يضمن انعتاق المرأة من جميع أشكال العنف التي تتخبط فيه، فقدان الثقة في المؤسسات المعنية بالتدخل أثناء ارتكاب أعمال العنف نتيجة تحفظ تدخل الضابطة القضائية بشرط وجود أضرار بليغة، أو تدخلها بعد انتهاء المعتدي من ارتكاب الفعل الجرمي، أو اشتراط تقديم شكاية إلى النيابة العامة، عدم تمكن الحالات المعنفة من تقديم الشكاية أيام الجمعة والسبت والأحد رغم أن نظام المناوبات يظل ساريا، البطء في تفعيل المسطرة بعد استقبال الشكاية حيث يتم تسجيلها إداريا في يومين أو ثلاث مع ما يمكن استحضاره من أوضاع محرجة وغير آمنة للمرأة المعنفة وهي تنتظر إنجازها، كما أن غياب مقتضى يلزم المحكمة باستدعاء الضحايا واستدعاء دفاعهن لتقديم المطالب المدنية في قضايا العنف ضد النساء، يفوت على الضحية إمكانية تقديم أدلة مفيدة لقضيتها أثناء المحاكمة ويضيع عليها فرصة تقديم مطالبها المدنية، كما أن غياب دُور الإيواء وعدم توفير الدولة هذه المؤسسات، رغم دخول القانون حيز التنفيذ، يقف حجر عترة أمام ضمان الحماية اللازمة للمرأة المعنفة، أو يجعلها تتردد بين النيابة العامة والشرطة والجمعيات دون أن تجد ملجأ تحتمي فيه من عنف المعتدي. هذا وقد أفضت الدراسة المنجزة إلى تأكيد الفرضيات التي وضعناها في بداية البحث، حيث وجدنا أن التبليغ عن العنف قل خلال فترة الحجر الصحي رغم تزايد حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي، وتبين كذلك أن الحجر الصحي كان من بين أسباب ضعف التبليغ عن العنف، وهكذا فتفشي وباء كوفيد 19، أحدث تأثيرا كبيرا على المستوى الصحي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، كما طالت تداعيات الحجر الصحي الذي فرضته الأزمة على وضع الأسرة بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة، التي عانت من ظاهرة العنف الزوجي الذي ازداد بشكل كبير خلال هذه الفترة، وقد كان للقرارات الصارمة المتخذة وقع سلبي عليها حيث لم يكن يسمح بالخروج لها في ظل الظروف الاستثنائية للحجر الصحي، فعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة لتيسير عملية التبليغ عن العنف إلا أن ذلك اصطدم بعدة إكراهات حالت دون تمكن النساء من التبليغ، منها الأمية، الظروف الاقتصادية، أزمة الشغل والخوف من التشرد، هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإكراهات جاءت متطابقة مع فرضيات الدراسة. كما تم تسجيل عدة ثغرات في التدابير المتخذة لمواجهة العنف والتبليغ عنه، والتي وجب أخذها بعين الاعتبار والعمل على تداركها وتوفير الآليات اللازمة لتعزيز تدابير الدعم والحماية والتكفل بالنساء المعنفات، فانعكاس أزمة كوفيد 19 لازالت تداعياتها مستمرة على الوضع الأسري بصفة عامة وعلى المرأة بصفة خاصة، وهذا الأمر يستدعي نهج استراتيجية شمولية عميقة تتبنى مشاريع خدماتية تُمَكّن للمرأة اقتصاديا، وتؤهلها لتكون فاعلة وقادرة على مواجهة التحديات، وتمكنها من بناء جيل قوي متزن وسليم.