في ظل غياب احصائيات دقيقة حول نسبة انتشار العنف ضد النساء في المغرب خلال فترة الحجر الصحي، بادر 19 مركزا من مراكز الاستماع التابعة لمنظمات المجتمع المدني، وبتنسيق ودعم من طرف هيئة الأممالمتحدة للمرأة المغربية، وتمويل من الحكومة الكندية، إلى تقديم أرقام تكشف ارتفاع ممارسات العنف داخل الأسر خلال فترة الحجر الصحي، وذلك ضمن تقرير حول حالات العنف المصرح بها خلال الفترة الممتدة ما بين 20 مارس و 30 ماي. واستند التقرير على معطيات تم تلقيها خلال 4768 اتصال هاتفي، لنساء وفتيات تواصلن مع الجمعيات من جميع أنحاء المملكة عبر أرقام تم تعميمها على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن حال الحجر الصحي دون تنقلهن نحو المراكز. وتمكنت 2778 سيدة وفتاة من كشف ما تعرضن له من عنف جسدي، جنسي، نفسي، اقتصادي، وقانوني، وذلك في سياقات مختلفة تشمل السياق الزوجي، المؤسسي، المهني، والرقمي إضافة إلى سياق الفضاء العام، بينما لم تتمكن باقي الضحايا من تزويد مراكز الاستماع بتفاصيل ما تعرضن له. وكشف التقرير أن محيط المرأة في وضعية عنف يساهم في التطبيع مع الظاهرة، مما يكشف أن المجتمع يتواطؤ مع المعتدي، حيث ينظر للعنف ضد المرأة كثمن يجب دفعه للحفاظ على التماسك الأسري، واعتباره مسألة خاصة يجب إبقاؤها في صمت، مثال جمعية البسمة تحدث عن عاملة زراعية متزوجة من مدمن مخدرات تصاعد عنفه مع بداية الحجر، وبعد تقدمها بعدة شكايات اضطرت لسحبها بضغط من أهلها. سيدة أخرى أصيبت بكسر في الأنف، وكدمات من طرف شريكها الذي اعتدى عليها، بحثث عن مكان لإيواء نفسها وطفلها الذي يقل عمره عن عامين، لكن الأسرة رفضت المساعدة القانونية التي اعتبرتها خارج الأعراف والتقاليد مفضلة الوساطة والتنازل الذي أجبر الضحية على العودة للمنزل، ويبقى الخوف من الانتقام والاحساس بالذنب من سجن المعتمدي حاضرا في ذهن الضحية وهو ما يقوي لدى المعتدي الإحساس بقدرته على الافلات من العقاب عقب كل اعتداء. و رصدت المنظمات النسائية بعض القيود على الآليات القانونية، كتأجيل أحكام الطلاق مما يفاقم العنف الاقتصادي المرتبط بالنفقة، والصعوبات التقنية في نظام الشكايات الالكترونية، إلى جانب الحيف الاقتصادي الممارس ضد النساء اللواتي يعلن 16 في المائة من الأسر المغربية، ومع ذلك تم إقصاؤهن خلال توزيع مساعدات كوفيد 19، بعد أن تم توجيه إجراءات المساعدة الخاصة بالعاملين غير الرسميين إلى الرجال الذين يعتبرون تلقائيا أرباب الأسر. وحذر التقرير من النظرة التي يخص بها المجتمع المغربي المرأة التي تحاول متابعة معنفها، سواء كان زوجا أو أخا أو أبا، حيث ينظر لها كتهديد لإستقرار الأسرة المقدم على أمن المرأة، مما يجبر الضحية على التعايش وسط بيئة العنف، وما يشكله ذلك من تداعيات على صحتها النفسية والجسدية وأحيانا على حياتها. وعلى الرغم من الاجراءات الكثيرة التي وضعتها المصالح العمومية لمساعدة النساء المعنفات وقت الجائحة، وفي مقدمتها المنصات الالكترونية لتقديم الشكايات، إلا أن هذا الجهد أغفل أن 42 في المائة من المغربيات أميات يصعب عليهن التعامل مع العالم الرقمي، وفي جانب آخر تصطدم جهود المجتمع المدني والتنظيمات النسائية بمحدودية الموارد المادية، مما يستحيل معه تقديم العون لضحايا العنف، حيث يشكل البحث عن مكان للإيواء الكابوس الأول للباحثات عن الأمن خارج جحيم بيت الزوجية. وفي محاولة لبسط تصور حول الإجراءات التي من شأنها التخفيف من ظاهرة العنف خلال الأزمات كما هو الحال اليوم مع جائحة كورونا، طالبت الجمعيات بضرورة انشاء رقم مجاني للإبلاغ عن أفعال العنف، مع تبسيط إجراءات التبليغ التي تراعي الأمية والعزلة الإقليمية والفقر وصعوبة الوصول إلى الوسائل التكنولوجية لنسبة كبيرة من المغربيات، مع اتخاذ تدابير لمنع العنف من خلال إبعاد المعتدي في حالة العنف الأسري أثناء الحجر، و منع اللجوء للوساطة الأسرية في حالة العنف الجسدي أو الجنسي، مع إشراك المدرسة في رفع وعي التلاميذ لتغيير العقليات