كشف المتطرفون الدينيون هذه الأيام عن تدني أخلاقي فضيع يصل حد الوقاحة، وذلك بمهاجمتهم كل من دعا بالرحمة للكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي، التي رحلت إلى دار البقاء بعد معاناة مع المرض. المغاربة تربوا دائما على الدعاء لكل المتوفين بالرحمة، وينتهي الكلام لديهم عن كل من غادر الدنيا، ولا يذكرون الراحلين سوى بكل خير، لكن متزمتي هذا الزمان لم يخجلوا من جعل الموت مدعاة للتشفي… رحيل الطبيبة والكاتبة والروائية والمناضلة نوال السعداوي، يعتبر خسارة حقيقية للفكر التنويري العربي، وهي تعتبر من الرائدات والمؤسسات اللائي ساهم فكرهن ونضالهن في تربية أجيال من المدافعات عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان في البلدان العربية، وانتشرت كتبها وتصريحاتها ومواقفها طيلة سنوات وسط المثقفين والشباب العرب. قد يوجد من يختلف مع مواقف وطروحات الراحلة، وهذا طبيعي، لكن لا أحد ينكر شجاعتها وجرأتها في التعبير عن مواقف مناصرة للمساواة والعدالة، ولحقوق النساء، وعاشت مكرسة حياتها وكتاباتها وأعمالها وأنشطتها السياسية والمدنية لقضايا النساء بالخصوص، وذلك في إطار قناعاتها ورؤيتها، واستمرت تؤكد أن تحرير المرأة والإنسان يتصل بتحرير الوطن وتقدم المجتمع. ولم يكن مسار نوال السعداوي سهلا أو انسيابيا، ولكنها تعرضت لمعاناة بسبب نضالها ومواقفها، وجرى إبعادها عن مهنتها والتضييق عليها، كما تم اعتقالها، وحوربت من طرف حكومات متعاقبة في بلدها، ومن طرف الجماعات الدينية المتطرفة، وبرغم كل ذلك، خلفت عشرات الكتب، وبعضها ترجم لعدد من اللغات الأجنبية، وحضيت بجوائز وتتويجات عربية وعالمية، ونجحت أن تكون من الأسماء البارزة والمشهورة على الصعيد العربي طيلة عقود، وستبقى من رائدات النضال التنويري من أجل المساواة، ودفاعا عن العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة. امرأة بهذه الشجاعة الفكرية، وبهذا الإصرار على التعبير عن مواقفها ورؤاها بوضوح وجرأة، لا يمكن للعقل المتزمت أن يقبل بها، ومن ثم تعرضت لهجومات وتهديدات المتطرفين، ولم تسلم من ذلك حتى وهي ميتة ورحلت عن دنيانا هذه. لم يكتف متطرفونا هذه الأيام بشتم امرأة ماتت ولا تستطيع الرد والجواب، ولكنهم هاجموا كل من دعا لها بالرحمة بعد وفاتها، ونشروا تدوينات وكتابات بهذا الشأن فضحت عقدهم وقبحهم وافتقارهم لأي نبل أخلاقي أو إنساني. نوال السعداوي ستبقى حاضرة باعتبارها قلما شجاعا ومناضلة جريئة، وستذكرها الأجيال كواحدة من مؤسسات النضال التنويري من أجل تحرر المرأة العربية، وستخلدها كتبها ومقالاتها ومواقفها وسيرتها الثقافية والنضالية… أما الظلاميون والجهلة فسيبقى لهم التدني الأخلاقي الذي عانقوه… الراحة لنوال السعداوي وموفور الرحمة لها ضدا على الجهلة. محتات الرقاص