نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الجمعة 26 فبراير الماضي، ندوة تفاعلية حول موضوع "دور السلطة القضائية في حماية الجمعيات". استهل اللقاء بكلمة افتتاحية لفاطمة عراش عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تولت مهمة تسييرأشغال هذه الندوة، تطرقت فيها إلى سياق تنظيمها الذي يأتي في إطار مساهمة المجلس في إثراء النقاش العمومي وإذكاء الوعي حول أدوار الجمعيات، التي تعتبر من بين الدعامات الأساسية الشريكة في مجال النهوض والتوعية والتحسيس، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان وفعلية التمتع بها. وأضافت أنه و"لمواكبة التطور الذي يعرفه النقاش العمومي، استقر الاختيار هذه السنة على موضوع جد دقيق، ويتعلق بالضمانات الحمائية القانونية والقضائية للجمعيات لمواجهة المشاكل والمعيقات التي تعترضها أثناء عملية التأسيس وتجديد مكاتبها المسيرة، وكذلك حرمانها من حقها في تنظيم الأنشطة بالفضاءات والقاعات العمومية"، وذلك بغية تبادل الرأي والمقترحات بين المتدخلين حول السبل والإمكانات المتاحة لتجاوز هذه الوضعية خاصة وأن الحماية القضائية للجمعيات من بين أكثر المواضيع حضورا في علاقة القضاء بحقل حقوق الإنسان ، وذلك من خلال عملية التلازم بين حرية تأسيس الجمعيات وتجديد مكاتبها، وحرص القضاء وسهره على حماية شروط هذا التأسيس، وشروط ممارسة الجمعية لأنشطتها بعد التأسيس. وتناول الدكتور أحمد البوزأستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط كلية الحقوق السويسي، في مداخلة له حول موضوع تأسيس الجمعيات بين القضاء والإدارة، انطلق فيها من الدور الحمائي المفترض للقاضي المغربي عندما يتعلق الأمر بحرية تأسيس الجمعيات وحريتها في ممارسة أنشطتها ينطلق من أحكام الدستور والصكوك الدولية التي تجعله في خط الدفاع الأول عن الحقوق والحريات، مؤكدا وجود اتجاهين: اتجاه أول وهو الاتجاه العام، يبدو فيه القضاء منتصرا لحرية الجمعيات، وهو تدخل من أجل تصحيح سلوك الإدارة في عدة حالات منها تأكيده على الطابع التصريحي لنظام تأسيس الجمعيات، وأن التصريح مجرد إخبار للإدارة يجب عليها الاشهاد عليه بتسليم وصل مؤقت، وأن الإدارة لا تملك الا حق الرقابة البعدية عن طريق عرض أي مقتضى تراه مخالفا للقانون على الجهة القضائية المختصة، وأن رفض تسليم الوصل يعتبر قرارا إداريا قابلا للطعن، وأن الجموع العامة للتأسيس يقتصر فيها الحضور على المؤسسين ولا تخضع لسابق تصريح يستوجبه قانون التجمعات العمومية، وأن هذا القانون الأخير لا يتضمن أي مقتضى يفيد أن الاستثناء من التصريح ينحصر على الاجتماعات التي تنعقد داخل مقر الجمعيات فقط، بل تشمل أيضا باقي الاجتماعات التي تنعقد بالقاعات العمومية، وأن الإدارة لا تملك حق فحص الجموع العامة. أما الاتجاه الثاني وهو توجه قضائي خاص في بعض القضايا انزاح فيه القضاء عن دوره الحمائي الذي كرسه في اجتهادات سابقة، ويبدو من خلال بعض الأمثلة، كاشتراطه ضرورة توفر الجمعية على الشخصية المعنوية لاكتساب الحق في التقاضي، وهو ما يتوقف على ضرورة التصريح بالتأسيس بشكل قانوني، وهذا يتطلب سلفا الحصول على وصل مؤقت أو نهائي، بمعنى أنه في حالة رفض تسلم الملف، وعدم تسليم الوصل المؤقت لا يمكن للمؤسسين اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالانتصاف، وهو ما وقع في قضية جمعية الحرية الآن، فضلا عن مثال ثان اعتبر فيه القضاء أن رفض تسليم الوصل النهائي لا يقبل الطعن لانعدام المصلحة، لصيرورة الجمعية بالتصريح، بمرور شهرين، علما بأن ذلك يخلق عدة صعوبات للجمعية في الحصول على القاعات أو التمويل أو فتح حساب بنكي لاشتراط عدة جهات ضرورة الادلاء بالوصل النهائي. وقدم الدكتور أنس سعدون عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية مداخلة حول دور النيابة العامة في مسار الحياة الجمعوية، معتبرا أن هذا الدور يتأسس طبقا لأحكام المواثيق الدولية ولمقتضيات الدستور الذي يجعل النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية، التي تبقى مؤتمنة على حماية الحقوق والحريات، وتحدث المتدخل عن دور حمائي قضائي تمارسه النيابة العامة من اجل حماية الحق في تأسيس الجمعيات، بحيث أن التأكد من احترام المقتضيات القانونية موكول لسلطة قضائية مستقلة، لا لجهة إدارية، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي في عدة مناسبات، كما أكدته توصيات مؤسسة الوسيط. وأضاف الدكتور سعدون الى أن ما يؤكد أهمية هذا الدور هو وجود حالات لإحجام الإدارة عن تسلم ملف الجمعية وهو ما يعد محاولة للتهرب من إعمال الدور الحمائي لمؤسسة النيابة العامة، معتبرا أن المعايير الدولية تكرس حرية عمل الجمعيات كما تسمح بإمكانية فرض قيود، توضحها المادة 22 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تلزم بأن القيود المسموح منصوص عليها قانونا وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم". كما توضح اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بأنه متى فُرضت أية قيود فعلى الدول أن تقدم الدليل على ضرورتها، كما يتعين فقط اتخاذ تلك التدابير التي تكون متناسبةً مع السعي إلى تحقيق الأهداف المشروعة بغية ضمان حماية الحقوق المنصوص عليها في العهد حماية مستمرة وفعالة، ولا يجوز في أي حال فرض القيود أو التذرع بها على نحو يضر بجوهر تلك الحقوق. كما أن القيود المفروضة بموجب مراسيم حكومية أو أوامر إدارية بدون نصوص قانونية واضحة تعتبر مخالفة للقانون الدولي، حيث أنها لا تفي بشرط المشروعية والقانونية. وعلاوة على ذلك، لا يجوز إقرار قوانين تحتوي بنودا غامضة وفضفاضة يمكن استغلالها أو إساءة تفسيرها بسهولة، كما أن شرط اتخاذ التدابير الضرورية في مجتمع ديمقراطي يقتضي ضمان وجود وعمل عدد من الجمعيات، بما فيها تلك التي تعمل سلمياً لنشر أفكار قد تكون لا تتفق أو تناقض رؤية الحكومة أو أغلبية السكان. كذلك أن حظر تكوين الجمعيات ومحاكمة الأفراد بسبب عضويتهم في تلك المنظمات يجب أن يكون فقط ضرورياً لتفادي خطرا حقيقيا وليس افتراضياً فقط على الأمن الوطني أو النظام الديمقراطي ويجب إثبات أن التدابير الأقل تدخلا لم تكن كافية لتحقيق ذلك الهدف. وتوقف الدكتور أنس سعدون عند بعض صور تدخل النيابة العامة في مجال قانون الجمعيات مؤكدا أنها تكون أحيانا طرفا مدعيا في قضايا بطلانها كطرف أصلي، كما قد تكون طرفا منضما، حيث تكتفي بتقديم ملتمساتها، وهناك دور آخر للنيابة العامة يتجلى في تحريك الدعوى العمومية بشأن مخالفة قانون الجمعيات الذي يتضمن نصوصا زجرية معاقب عليها بالحبس أو بالغرامة. وبلغة الأرقام، توقف المتدخل عند مفارقة مفادها أنه في الوقت الذي يعرف فيه عدد ملفات الجمعيات التي تحال على النيابات العمومية ارتفاعا مضطردا، يلاحظ في المقابل تراجع كبير جدا في حالات اعمال المقتضيات الزجرية الواردة في قانون الجمعيات من طرف النيابات العمومية، وهكذا يلاحظ أنه في سنة 2017 وهي سنة استقلال النيابة العامة، سجلت 37 متابعة، وتوبع على اثرها 39 شخص، وفي سنة 2018 انخفض هذا الرقم الى 08 متابعات وتوبع على اثرها 08 أشخاص، وفي سنة 2019 سجلت متابعتان فقط بقانون الجمعيات وبلغ عدد المتابعين فيها 05 أشخاص، معتبرا أن هذه الاحصائيات تعبر عن توجه جديد للنيابة العامة معمول به في القضايا المتعلقة بالحريات والذي ترجمه بشكل واضح أول منشور يصدر عن رئيسها، حث فيه أعضاء النيابة العامة على الحرص على ترشيد استعمال الآليات القانونية الماسة أو المقيدة للحريات وذلك باستعمالها فقط في الحالات التي تدعو إليها الضرورة، وأن يتم استعمالها وفقاً للقانون ودون تجاوز أو تعسف. واختتم مداخلته بالتأكيد على أهمية التكوين والتكوين المستمر في مجال اعمال حقوق الانسان لكل المتدخلين في مجال الجمعيات بما في ذلك مهنيي الإدارة. من جهته، تناول الدكتور عبد الله الكرجي موضوع دور القضاء في المنازعات بين الأفراد والإدارة، حيث أكد في مداخلته على أن المشرع اختار أن يكرس النظام التصريحي في الجمعيات، وجعل السلطة القضائية هي الجهة المؤتمنة على حماية حرية تأسيس الجمعيات وحرية أنشطتها، وأن محاكم المملكة بمختلف درجاتها أصدرت أحكاما قضائية مبدئية في حماية الجمعيات من خلال حماية النظام التصريحي وعدم منح الإدارة سلطة مراقبة شرعية الجمعية بمناسبة تأسيسها، وحماية أنشطة الجمعيات من الاعتداء المادي على بعض أنشطتها من طرف الإدارة، واعتبار رفض تسلم ملفات تأسيس الجمعية من طرف الإدارة بمثابة اعتداء على دور السلطة القضائية التي يبقى لها وحدها الاختصاص، وتوقف المتدخل عند إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، مشيرا إلى عدد من الحلول التي أبدعها القضاء المغربي لإلزام الإدارة على تنفيذ الأحكام، موصيا في نهاية مداخلته بأهمية الحل التشريعي لتحديد مفهوم الصفة في حالة عدم حصول الجمعية على وصل مؤقت أو نهائي، وتدقيق بعض المفاهيم الواردة في قانون الجمعيات في إطار ملاءمته مع المعايير الدولية ذات الصلة. وتناول الأستاذ محمد الحبيببن شيخ موضوع "الحماية القضائية والقانونية للجمعيات وحدود الممارسة"، حيث قال إن ظروف جائحة كورونا عقدت من عمل الجمعيات حيث أغلقت بعض مقارها وواجهت صعوبات عدة في تنظيم أنشطتها، وطرحت إشكاليات جديدة من قبيل إمكانية تنظيم الجموع العامة عن بعد، مشيرا الى اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الانسان الذي يعتبر النصوص المتعلقة بحرية تأسيس الجمعيات وطرق تطبيقها من طرف السلطات العامة من بين العناصر الأساسية لمعرفة وضعية الديمقراطية في أي بلد معين، وتوقف المتدخل عند عدة عراقيل تواجه عمل الجمعيات على مستوى الممارسة، سواء المتعلقة بوجود ثغرات قانونية كاستعمال مصطلحات عامة وفضفاضة يمكن تفسيرها بشكل مزاجي أو غير منضبط، أو بعض الممارسات الأمنية والإدارية التي تشكل أحيانا عاملا معيقا أمام عمل الجمعيات من خلال اللجوء الى مبررات من قبيل المخاوف الإرهابية للتضييق على عمل الجمعية، بل وقد تصل الى حد التحريض على عمل جمعيات كما وقع سنة 2014، وأشار المحامي والناشط الحقوقي الحبيب بن شيخ لإشكالية الحق في الوصول الى المحاكم الإدارية لطلب الانتصاف بسبب عدم تواجدها في كافة جهات المملكة. وتجدر الإشارة الى أن التقرير السنوي الأخير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان تضمن عدة توصيات تهدف الى مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة التأسيس والتجديد، والتمويل، والاستفادة من القاعات العمومية لتنظيم الأنشطة، بما يضمن ممارسة حرية الجمعيات وفقا للدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بالجمعيات وذلك باستبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامات؛تمكين الأطفال البالغ سنهم من 15إلى 18سنة من تأسيس جمعيات خاصة بهم إعمالا لمبدأ الحق في المشاركة؛ وتشجيع الحوار بين السلطات العمومية والجمعيات لتجاوز المعيقات والإكراهات التي تحول دون ممارسة الجمعيات لأدوارها؛ وتفعيل توصيات مؤسسة وسيط المملكة في مجال تأسيس وتجديد الجمعيات والأحزاب والنقابات؛ وتشجيع الجمعيات على الولوج إلى القضاء الإداري كآلية للانتصاف في المنازعات بين السلطات الإدارية والجمعيات، وذلك بالعمل على تنفيذالأحكام والقرارات القضائية الصادرة لصالح الجمعيات؛ وتوسيع نطاق ممارسة القضاة لحرية التنظيم لضمان حقهم في تأسيس وتسيير جمعيات مدنية ونقابات إعمالا للمبادئ الأساسية بشأن استقلالالسلطة القضائية.